الإصلاحات الضريبية في مواجهة العجز التقني! … بين مخاوف قطاع الأعمال وإصرار المالية ما مستقبل الاقتصاد في ظل الربط الإلكتروني في سورية؟
| بارعة جمعة
بشكل مباشر، ودون النظر له أو السؤال عنه تم إعلان مبدأ الربط الإلكتروني، كوسيلة لضبط معايير العمل لدى التجار والصناعيين، ممن اعتادوا العمل ضمن أسس متنوعة، تختلف باختلاف ظروف كل منهم، سواء من حيث طبيعة السلعة المعمول بها أو مناخ العمل المحيط بهم، ليغدو التهرب الضريبي عنوان الأكثرية منهم، تحت حجج ومبررات عدة، وفي الوقت الذي أكد بعضهم أن كلفة التهرب أكبر من الالتزام، لا تزال فكرة الربط الإلكتروني للفعاليات التجارية مع وزارة المالية تثير هواجس ومخاوف كثيرة لمعظمهم، ولاسيّما أن بعضهم فضّل التوقف عن العمل مقابل الخوض في غمار هذه التجربة غير محسوبة النتائج والعواقب، ليبقى السؤال اليوم: ما الأسس والمعايير الواجب توافرها لتحقيق عملية الربط المثلى التي تضمن حق التاجر والدولة؟ وما مبررات مخاوف التجار والصناعيين أمام اعتماد برنامج الربط بصفته الحل الوحيد للمالية؟
مشروع حكومي
مسألة ملحة بل باتت ضرورة بنظر الحكومة، لمواكبة مسيرة التطور الحاصل في قطاعات العمل كافة، ولا سيما التجارية منها، التي ما زالت تعتمد مبدأ الفاتورة الورقية في تسجيل كل مدخلات ومخرجات مشاريعها، التي اتسمت بالسعي للربح دوماً، هنا يبرز حق الدولة، في العمل على رفد الخزينة العامة للدولة بالضرائب التي من الواجب أن يتم تحصيلها من التاجر والصناعي كما هو حال الموظف الأكثر تحملاً لها، لكن ما الذي يدفع قطاع الأعمال للتهرب ضريبياً؟
تساؤل جمع الكثير من التناقضات من مبدأ عمل التحصيل وصولاً لوضع قوانين وتشريعات لا تتناسب مع واقع التبدلات السريعة بسعر الصرف والتضخم الذي لحق كل أنشطة المجتمع، بالتالي بات تقدير الربح مقابل النفقات أمراً صعباً للغاية وغير مُنصفٍ أيضاً.
إلا أنه والحق يُقال فإن مشروع الربط الإلكتروني بات ضرورة ومهم جداً، إلا أن الحرب أخرت العمل به لدى الدولة برأي التاجر عاصم أحمد من طرطوس، الذي وصف قرار العمل به بالممتاز لجهة تحقيق العدالة الضريبية من جهة ولتبيانها بشكل واضح لدى الجميع دون استثناء، كما أن منافع الربط أكبر بكثير من المخاوف منه برأيه، لكونه يستهدف بالدرجة الأولى الفواتير الوهمية، ولتحقيق الشفافية، عدا أن الإيرادات الضريبية تمثل دوراً تنموياً مهماً، كما تعتبر مصدراً أساسياً لتمويل المشاريع الخدمية والتنموية أيضاً، ويخفف عبء المعاملات والروتين الممل ويمنع أي شكل من أشكال التعسف كما يضبط مسألة التلاعب والتستر التجاري.
يجب أن يكون عاماً
هنا تبرز لدينا جهود الإدارة الضريبية في منظومة الفوترة الإلكترونية، سواء من الأفراد أو الجهات، وتأثير الفوترة الإلكترونية على الاقتصاد والوطن برأي أحمد، ولكي ينجح الربط الإلكتروني لابد أن يكون عاماً على جميع المستويات وبكل الاتجاهات برأيه، بدءاً من الورشة الصغيرة تحت الدرج وانتهاء بأكبر المصانع، بحيث يشكل نظاماً متكاملاً عادلاً يشمل كل المستويات، وإلا فستكون النتائج كارثية ومشوهة.
إجراءات رسمية
هي خطوات لابد منها، وتتطلب متابعة من الدولة بشكل رئيس، ممثلة بوزارة المالية وأجهزتها التنفيذية، لوقف آفة التهريب والقضاء عليه وفق رؤية أحمد، متسائلاً.. كيف لي أنا كمستورد أن أنافس من يبيع المادة ذاتها تهريباً ودون ربط إلكتروني؟
إلى جانب العمل من قبل المالية على تطهير كل الدوائر من الفاسدين، ومن ثم الشروع بتطبيق القوانين بالشكل الأمثل، فالتاجر لا يعارض مبدأ الضريبية، شرط أن تنعكس هذه المبالغ المدفوعة خدمات وأن تكون عادلة تشمل الجميع.
كل ما سبق يفرض علينا التنبه والحذر في أثناء نشر ثقافة الربط الإلكتروني بهدوء برأي التاجر عاصم أحمد، لكون البيئة الحالية متهربة ضريبياً بامتياز، إضافة لتهيئة البيئة الخصبة لها ومراعاة التوقيت الصحيح والمناسب ودراسة الظروف والتعقيدات، ومتابعة التطبيق وتلافي العثرات، بما فيها الاحتكار، بالمقابل عدم تجاهل المالية القانون الأساسي الذي يقول: «الضرائب مقابل الخدمات»، لكون تعارض المعنى يحول الضريبة إلى جباية أو أتاوات، هنا يعود أحمد للمطالبة مجدداً بحلول أخرى بعيداً عن مفهوم الضريبة فقط، التي لن تفيد إلا قليلاً برأيه، عدا وجود حلول اقتصادية أكثر جدوى من فكر الجباية، كما أنه من الخطورة بمكان أن يكون مصدر دخل الدولة الوحيد والدخل القومي هو تنمية جباية الضرائب على حساب تنمية الإنتاج، والوقوف عند هواجس الشرائح التي رفضت مبدأ الربط- وهي محقة بذلك- نتيجة سوء التوقيت وغياب العدالة برأي أحمد، أمر ضروري، وذلك باعتماد أسلوب الترغيب لا الترهيب في تطبيق أي قرار، إلى جانب حوافز وعروض مشجعة له.
أمر واقع
ليس من الصحيح بمكان ما إنكار المشكلة، فالاعتراف بها يشكل نصف الحل، ولكي نكون منطقيين وعقلانيين، يجب علينا القول إن لدينا تهرباً ضريبياً وفق رؤية عضو غرفة تجارة دمشق محمد الحلّاق، الذي قدم توصيفاً دقيقاً لمشاكل قطاع الأعمال من تطبيق آلية الربط الإلكتروني، والتي أدت بالبعض منهم لتقديم طلبات إيقاف العمل ريثما تتضح الصورة لهم على حد تعبيره.
كل هذه النتائج تتبع أسباباً كثيرة، تصدرها القوانين والتشريعات التي باتت لا تتناغم مع النظام المعمول به في ثقافة تحصيل الضريبة، لكونه لا يزال قيد الدراسة وغير مقبول العمل به حالياً برأي الحلاق.
نعم الإشكاليات كثيرة، من آلية التسعير من حيث صياغة شروطها وظروفها وتحديد أصحاب المهنة الواحدة، فمثلاً تم تطبيق آلية الربط على الصّاغة، في وقت نجد البعض منهم يعمل بمهنة والبعض الآخر لا يفقه شيئاً بها، إذا كيف لنا أن نحدد السعر لكليهما؟ يتساءل الحلاق..
لنذهب قليلاً إلى موضوع الشؤون الاجتماعية، أي موظف- مهما كان دخله- له سقف راتب محدد، يتم دفع التأمينات والضريبة منه بمعدل ٢٤+18 بالمئة ضريبة رواتب، على حين يتم حساب الأمر بالتقاعد وفق السقف المحدد للراتب، وهي إشكالية أخرى برأيه، أما إن تحدثنا عن هوامش الربحية، فكيف لفعالية اقتصادية أن تعمل ضمن هذه الهوامش ومعايير موضوعة لكن لا يمكن تحقيقها؟!
رسم الخطط
ويضيف الحلاق شارحاً أهمية وضوح الخطة «الجميع اليوم ينتقد خطط (التموين)، لكن هل من أحد قادر اليوم العمل ضمن مخطط له بداية ونهاية باستخدام مهنيته ومهاراته ويخرج رابحاً بالنهاية؟».
لنعد إلى الخلف قليلاً.. على صعيد الصّاغة المطَالبين بالربط الإلكتروني، معظمهم يحمل الضريبة للزبون، لكن السؤال اليوم برأي الحلاق.. هل خرج مسؤول وقال: سنفتح صفحة جديدة بالعمل؟!
مشكلتنا اليوم أننا نعيش المجهول، ولا ندري ما خط العمل والسير الذي ينبغي أن نتبعه، ما جعل خيار بعض الفعاليات من الصّاغة التوقف عن العمل لحين بيان الوضع، أما الصناعيون فهم باقون، والأغلبية منهم إما تعمل بالحد الأدنى وإما بالعجز وفق رواية عضو غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق، على حين نجد أن التاجر الأكثر استمرارية بالبيع والشراء، إلا أنه يعاني أيضاً استنزافاً ونفقات وأعباء كبيرة.
مبررات التخوّف
كل ذلك لا يُلغي فكرة أن الضريبة حق وواجب للدولة، كما نقول نحن – والحديث لمحمد الحلاق- البدايات الصحيحة تقود إلى النهايات الصحيحة، ضمن تشريعات واضحة، أغلى المستوردات اليوم تحوي أرقاماً غير صحيحة كما أن تسعير الكلف والأعباء بدوائر التسعير غير صحيح، المادة التي تُسعّر بسعر (س) دولار تضرب بسعر صرف مختلف عن الواقع، يضاف إليها أجور جمركة ونقل زهيدة وفق رواية الحلاق، فينخفض سعرها بالسوق، وفي حال تم بيعها من تاجر مستورد لصناعي، تباع بسعر منخفض أيضاً، ليبقى الصناعي أمام مشكلة عدم دقة الفواتير لأن الرقم الظاهر غير صحيح، ليس رغبة منه في إظهاره هكذا، فكلفة التهرب أعلى من كلفة الالتزام الضريبي بالنسبة لقطاع الأعمال، الذي يواجه الكثير من الإشكاليات بسبب الضبابية وعدم ضوح الطريق.
هي مخاوف مُحقّة، يؤكدها من جديد الخبير الاقتصادي الدكتور مجدي الجاموس، لغياب البنية التحتية وارتفاع أسعار حوامل الطاقة، التي بدورها ستؤثر في معدل الأرباح، الربط الإلكتروني لا يأخذ حجم المصاريف بعين الاعتبار.
لكن إذا ما نظرنا للموضوع من زاوية أخرى، فسنجد حتماً أن سياسة الضرائب عالمية، شرط تحقيق العدالة ولو بالحد الأدنى، فالجميع يعاني التهرب الضريبي، سواء طبق الربط الإلكتروني أم لم يُطبق، إلا أن ما لا يأخذه الجميع بعين الاعتبار هو وجود رسم طابع إعادة الإعمار والمجهود الحربي وضريبة الدخل والرواتب.
الثقافة الضريبية
لذا ما ينبغي العمل به هو تعزيز مفهوم الضريبة ضمن المجتمع برأي د. الجاموس، عن طريق شرح آثاره الإيجابية ومنعكساته الخدمية على الفرد والوطن، فالجميع يعاني التهرب الضريبي، كما أن الضريبة من حق الدولة وهي سياسة عالمية، شرط تحقيق العدالة الضريبية بالحد الأدنى، ومن حيث المبدأ، فإن الربط الإلكتروني يعني للدولة ربط الفواتير بمجمل الإيرادات، بغض النظر عن المصاريف، ليقوم الموظف بتقدير الأرباح ومن ثم الضريبة، وغالباً لا تتمتع بالدقة.
إذا كان لابد من الربط يجب إدخال الإيرادات والمصاريف لكن إن كان لمحاربة التهرب فالأفضل رفع ثقافة المجتمع للخدمات المقدمة وأهمية الضريبة لتحسين البينة التحتية والخدمات العامة المقدمة من الدولة للحفاظ، على مستوى خدمي معين يليق بهم، كما أن الربط هو عملية تقنية سهلة، لكن عامل التوقيت غير مناسب هنا، فالحالة الاقتصادية غير صحيحة، كساد عالمي وأزمة اقتصادية داخلية، بالتالي علينا البحث عن حلول وليس المزيد من التعقيدات.
الربط الإلكتروني لا يشجع الاستثمار الصناعي أو الحرفي، يعود الدكتور مجدي الجاموس لتبيان محاذير هذه الخطوة، التي تحتاج أولاً إلى تقدير التكلفة، لدى مشاريع تعمل بالحد الأدنى، وغير قادرة على تحمل المزيد من التكاليف التي يفرضها الربط الإلكتروني، مثل: برنامج، لابتوبات، انترنِيت، موظف خاص للمتابعة، التي تغدو من التعقيدات أيضاً.
حلول بديلة
في حال تم اعتماد مبدأ الضريبة كحل أمثل، علينا اللجوء للضريبة الثابتة وعلى الدخل برأي الخبير الاقتصادي الدكتور مجدي الجاموس، بتقديرها حسب رأسمال المشروع، ليكون الطريق أوضح، بعيداً عن مزاجية موظف الضرائب بالتقدير غير الدقيق للأرباح وبالتالي الضريبة، الذي قاد بدوره التجار المستمرين بالعمل لتعميم ثقافة فوضى الأسعار، لعدم يقينهم بمبدأ العمل، وبالتالي رفع الأسعار بشكل غير مدروس، وهو ما يتعارض مع الهدف الأساسي في تحصيل الضريبة، وهو تحسين معيشة المواطن.
إذا كان الربط لابد منه، يجب إدخال الإيرادات والمصاريف، أما إن كان الهدف محاربة التهرب، فالأفضل برأي د. الجاموس رفع ثقافة الضريبة لدى المجتمع، وما يقابلها من خدمات تقدمها الدولة للحفاظ على مستوى خدمي معين.