رأي

لا اقتصاد من دون إنتاج

| د. علي محمود محمد

عالمياً، ما من دولةٍ نهضت باقتصادها سوى بالإنتاج وتفعيل الإنتاج، فكيف وسورية التي بعد أربعة عشر عاماً من الحرب عليها وما سببته هذه الحرب من هجمة اقتصادية شعواء على كافة مرافق القطاعات الاقتصادية، ولذلك، وعلى لسان جميع من يتعاطى الشأن العام من مسؤولين ومديرين وسواهم، وكذلك كل من يحلل ويقرأ ويُوصي، فإن إطلاق العملية الإنتاجية ضرورة اقتصادية ملحة منذ سنوات وليس الآن فحسب، فعندما نجد أن الميزان التجاري السوري خاسر سنوياً، فهذا يقضي بالمسارعة إلى إقلاع العملية الإنتاجية، فضعف الطاقة الإنتاجية السورية المترافق مع هروب رؤوس الأموال إلى الخارج منذ بدء الحرب على سورية، وضعف تنافسية المنتج السوري في الأسواق الدولية لأسباب متعددة تُوجب البحث والتمحيص فيها، وهذا كله يُعدّ أساساً لارتفاع المستوى العام للأسعار وتقلص الاحتياطي من القطع الأجنبي وزيادة الأثر السلبي على الليرة السورية على مر عمر الحرب لغاية اليوم.

إن انطلاق العملية الإنتاجية الزراعية أولوية تلبية لمتطلبات المجتمع من الحاجيات الزراعية، وهنا يتطلب قيام الوزارات المعنية بواجباتها لتحقيق التنمية الزراعية في مختلف مجالات الزراعة، وتوفير التمويل اللازم للقطاع الزراعي ومنح قروض مجدية وتحفيزات للزراعات ذات الأولوية، كالقمح مثلاً، وغيرها من المشروعات التي تعزز الإنتاج والنشاط الزراعي ثانياً، وفي هذا الصدد فإن المصرف الزراعي مطالب بالاستمرار بعمله وتوجيه دفة قروضه وفق الأولوية، فأغلب القروض والتمويلات التي تتم من خلاله كما يظهر في قوائمه المالية تتجه لمؤسسة الحبوب ومؤسسة الأقطان وإكثار البذار، على حين لا تتجاوز حصة الفلاحين نسبة ضئيلة جداً من إجمالي القروض لا تفي بمتطلبات العملية الزراعية، يضاف إلى ذلك عدم تمكنه خلال الفترات الماضية من توفير كامل كمية الأسمدة المطلوبة للعملية الزراعية، إنما يوزع المتاح منها فقط، وهذا يؤثر سلباً في العملية الزراعية وتكلفتها.

هذا بالنسبة للقطاع الزراعي، أما بالنسبة للإنتاج الصناعي الذي يعتبر قاطرة نمو الاقتصاد لما له من دور فعال في تلبية الحاجات المحلية من جهة، وزيادة الصادرات من جهة ثانية، والتي قد تكون الآن في الواقع السوري حبل الأمان الذي قد ينشل الواقع الاقتصادي من قاعه، فيتوجب العمل على مكافحة التهرب الضريبي من ناحية ومنح الإعفاءات الضريبية لبعض القطاعات من ناحية أخرى، ولعل قانون الاستثمار الجديد وتعديلاته قد جاء ليلحظ هذه النقطة ويعمل عليها بغية تذليل العقبات التي تُطرح من غرف الصناعة والتجارة، وبناءً عليه، فتركيز الدعم الإنتاجي على القطاعات والمواد التي نص عليها برنامج إحلال المستوردات والتي بلا شك ستدعم الميزان التجاري السوري إيجاباً من خلال تخفيض حجم المستوردات وتخفيض الكتلة بالقطع الأجنبي المدفوعة جراء ذلك من ناحية، وتلبية حاجة السوق المحلي من ناحية أخرى، كما أنها قد تدعم رقم الصّادرات مستقبلاً والفوائد المتأتية جرّاء ذلك.

وفي هذا الصدد، لابد من دراسة واقع المؤسسات العامة والمصانع التابعة للقطاع العام دراسة جدية تأخذ بعين الاعتبار كل نقاط القوة والضعف التي تعتريها، ليصار إلى اتخاذ قرارات جدية لإصلاح هذه المؤسسات سواء من حيث دمجها أم إصلاحها أو تغيير نظم الإدارة في كل منها، وهذا ما بدأ العمل عليه من خلال رسم سياسة صناعية تستند لمعايير اقتصادية ذات النشاط المتماثل أو المتكامل وفق أسس علمية، بغية القيام بالدور المنوط بها لخلق القيمة المضافة المرجوة وخلق فرص العمل ورفد الخزينة العامة بما يسهم في النمو والاستدامة من جهة، وفي تعزيز قدرة المؤسسات الصناعية على المنافسة ومواجهة التحديات الإنتاجية من جهة أخرى.

ولا يمكن أن نغفل أثر معوقات العملية الإنتاجية المتمثلة بالعقوبات على البلد التي تصعّب من عمليات استيراد المواد اللازمة للإنتاج سواء كانت أولية أم خاماً أو نصف مصنعة، وسواء ذات العلاقة بالمنتج النهائي أم بالآلات والتقنيات التي يتطلبها بعض المصانع والمعامل والآليات، وهذه الصعوبات تبدأ من وجود موردين يتعاملون مع البلد إلى كيفية وصول هذه المواد إلى البلد، مروراً بكيفية تحويل أثمانها، وتعقد عملية تحويل الأموال وزيادة تكلفتها، ويأتي المعوق الأهم وهو توافر موارد الطاقة لتعزيز الإنتاج، وهنا فإن العمل العميق على بدائل هذه الموارد يجب أن يكون محل عمل دؤوب من الحكومة السورية على الدوام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى