استيراد الأغنام والعجول…. إنقاذ للثروة… أم حل ترقيعي آنيّ..؟ تربية المواشي بات خياراً صعباً.. تكاليف الاستيراد أخف من تكاليف التربية..!
| أمير حقوق
أثار قرار استيراد مليون رأس عجل و3 ملايين رأس غنم اهتمام المربين والخبراء والمهتمين في الشأن الحيواني أو الاقتصادي، إذ يأتي هذا القرار بعد قرار تصدير ذكور أغنام العواس والماعز الجبلي طوال العام باستثناء فترة التكاثر، وفق الشروط الصحية والفنية المحددة من وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي.
وفي حوار خاص مع «الاقتصادية»، أوضح مدير الإنتاج الحيواني محمد خير اللحام أنه مؤخراً صدرت موافقة اللجنة الاقتصادية برئاسة مجلس الوزراء على طلب إحدى الشركات المتخصصة بتربية المواشي المتضمن تصدير 100ألف من ذكور الأغنام، على أن يتم استيراد كمية مقابلة بالعدد نفسه بشكل مسبق قبل البدء بعملية التصدير، وأيضاً استيراد 3ملايين من رؤوس الأغنام ومليون رأس عجل بهدف التسمين وإعادة التصدير مع مراعاة تطبيق أنظمة الحجر الصحي البيطري على كامل عمليات الاستيراد والتصدير.
وتابع: الشركة الآن في مرحلة التحضير للعمل ولم تقدم بعد طلبات الاستيراد، وعمليات الاستيراد تتطلب تقديم طلبات لدراسة الحالة الصحية للمواشي، وتتضمن معلومات حول الدولة المصدرة والعدد والكمية.
وأشار إلى أن هذا القرار غير قرار السماح بتصدير ذكور أغنام العواس والماعز الجبلي طوال فترة العام باستثناء فترة التكاثر، وهذا القرار يشمل الجميع وبإمكانية الجميع بالتصدير عبر تقديم طلبات تشمل الحجر الصحي للحيوانات من خلال مديرية الصحة الحيوانية بوزارة الزراعة.
وحول واقع قطاع الثروة الحيوانية، بيّن أنه كباقي القطاعات، تضرر نتيجة الحرب السورية من خلال التهريب والذبح العشوائي وارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج عدا عن أن عدداً لا بأس به من الثروة الحيوانية تتركز في البادية السورية بالمناطق الشمالية والشرقية والتي دائماً حدودها مفتوحة، وهي خارج سيطرة الدولة السورية والتي تسهل عملية التهريب وخسارة الثروة الحيوانية.
استسهال التهريب!
وعن أسباب التهريب، أرجح إلى أن عرق أغنام العواس الموجود في سورية مرغوب بكثرة وخاصة في الخليج والدول المجاورة، ويتم دفع مبالغ كبيرة لأصحاب الأغنام عند التهريب تفوق سعرها بالداخل أي ما يقارب الضعف، وكذلك يؤثر ارتفاع مستلزمات الإنتاج والحدود المفتوحة شرقاً وجنوباً فيها والتي تسهل هذه العمليات، لكون أغلبية الثروة الحيوانية موجودة في هذه المناطق، والمربي أصبح يستسهل عملية التهريب لكونه يتقاضى بعملية التهريب ضعف السعر لتأمين معيشة باقي القطيع لديه.
وأضاف: للحدّ من عمليات التهريب هذه، تقوم وزارة الزراعة بالتعاون مع الجهات الأخرى بجملة من الإجراءات لتنظيم حركة قطاع الثروة الحيوانية داخل القطر وتهدف لتسهيل مرور القطعان داخلياً والحد من عمليات التهريب، كالترقيم للأغنام عند الراعي والمرور وخاصة عند المناطق الحدودية وأيضاً تنظيم بيان جمركي حيث الأغنام التي تخرج تعود نفسها للراعي بنفس الأرقام التي خرجت بها عند النقل.
ورأى أن قرار السماح بتصدير الأغنام والماعز يصب بمصلحة الحدّ من تهريب الأغنام بالإضافة إلى أن خزينة الدولة لا تحرم من عائدات التصدير، علاوة عن تأمين دخل جيد للمربين يسهم بتحسين وضعهم من خلال الأسعار الجيدة والعائدات.
فوائد اقتصادية
وأكمل: أما بالنسبة لقرار الاستيراد، فيهدف لخلق فرص عمل للأسر التي تعمل بمجال تربية الحيوان نظراً للأعداد الكبيرة التي سيتم استيرادها وتسمينها تحضيراً لإعادة تصديرها، وتنشيط حركة النقل داخلياً وخارجياً في الموانئ البحرية والبرية، والتي تشمل نقل الحيوانات والأعلاف ومستلزمات الإنتاج، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة رصيد خزينة الدولة من القطع الأجنبي الناجم عن التصدير والاستيراد، ويسهم بخفض أسعار اللحوم الحمراء في السوق المحلية، وخاصة استخدام الأغنام والعجول التي يتم استيرادها بهدف التسمين وإعادة التصدير إذا ارتفعت الأسعار وضخها في السوق المحلية، ما يحقق توازناً في السوق بحال النقص.
وأشار إلى فوائد صناعية تتمثل في نواح عديدة مثل خلق فرص استثمار جديدة في القطر، كالأغنام والعجول المستوردة حيث ستصدر عنها كميات كبيرة من الروث، وهذا الروث يستخدم كسماد والذي يخفف من فاتورة استيراد السماد، وإذا أضيف إليه مخمرات يؤخذ منها الغاز الحيوي الذي ينتج عن تخمر الروث ويساهم في دعم صناعة الصوف محلياً.
رصد
وكشف أنه في آخر أسبوع لوحظ انخفاض بأسعار لحوم الأغنام، والسبب هو خوف المربين من سماعهم قرار الاستيراد بأنه سيخلق حالة تنافس قوية، فبدأ المربون بالبيع، وبالتالي هذا القرار ساعد بتخفيض أسعار اللحوم من 8 إلى 10 آلاف للكيلو الواحد، وأيضاً هناك قرار يسمح باستيراد العجول للذبح المباشر حيث يستطيع أي شخص التقدم بطلب استيراد هذه العجول بشرط الذبح المباشر، ولا يسمح بتربيته لأنه يوجد عرق معين نحافظ عليه منعاً من الخلط الوراثي. وخلال آخر شهر دخل نحو 2000 رأس من العجول.
أثر بشكل سلبي
بدوره، أوضح رئيس جمعية اللحامين محمد يحيى الخن في دمشق لـ«الاقتصادية» أن بيع الأغنام والمواشي في دمشق متدنٍ، والحركة الشرائية ضعيفة جداً، وبالتالي عدد الذبائح منخفض جداً، فمثلاً في شهر رمضان كان يذبح يومياً بين 700 إلى800 رأس غنم يومياً، والآن وسطياً يذبح يومياً 400 رأس غنم، أي انخفضت كمية الذبائح للنصف بين شهر رمضان والآن، والأسباب تكمن في ارتفاع الأسعار بسبب التصدير، والثاني غياب القدرة الشرائية للمواطن، وقرار التصدير أثر بشكل سلبي على واقع الأغنام والمواشي، فساهم برفع أسعارها إلى ما يعادل 80 بالمئة، فقبل قرار التصدير كان كيلو الغنم الحي بحوالى 50 ألف ليرة سورية، أما اليوم فقد وصل سعر كيلو الغنم الحي لـ85 ألفاً.
وبيّن أن جمعية اللحامين رفعت كتاباً منذ شهرين لوزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية طالبت فيه باستيراد اللحوم المجمدة (المفرزة) لكونها أخف في التكاليف وتسهم في خفض الأسعار.
ورأى أن قرار الاستيراد هذا خطوة للأمام لحل مشكلة المواطن ويخدمه، ويجب الفصل بين نقطتين، إحداهما كيفية تأثير الاستيراد على لحم العواس وعلى موضوع البيع، وهو حتماً لم يؤثر من ناحية خفض أسعار لحم العواس ولكن سيكون بديلاً للمواطن لكون أسعاره أقل تكلفة، وبهذا سيخدم المواطن وليس المادة.
وعن شراء الأضاحي، أكد أنه حتى الآن لم يتبلور، ولكن بالعموم المواطن العادي ليس من يشتري الأضحية لأن قدرته الشرائية معدومة، بل من قبل المسافرين والمغتربين، وفي العاصمة دمشق حصراً يضحون بخروف العواس حصراً مقارنة بغير محافظات وحتى ذبح العجول قليل جداً.
«ما دام قرار التصدير مفتوحاً لن يتحسن واقع الأغنام والمواشي في سورية، ويمكن لموضوع الاستيراد إن حصل أن ينشط حركة البيع والشراء» بحسب ما ختم الخن حديثه مع «الاقتصادية».
خلل في الاقتصاد
الخبير الاقتصادي الدكتور هاني حداد أشار في حديثه مع «الاقتصادية» إلى أن قبل الحرب التي تعرضت لها سورية، كانت تشتهر بتربية مختلف أنواع المواشي كالأغنام والعجول والأبقار، وكانت غنية جداً وكانت تورد هذه الأصناف للخارج نظراً للفائض الموجود ولتوافر الأعلاف بوضع اقتصادي معافى، ولكن بعد الحرب وتضخم الليرة السورية صار هناك عبء اقتصادي كبير، وبما أن الوضع الاقتصادي هو المحرك الرئيسي للبلد كلها سواء سياسياً أم اجتماعياً أو غيره، وعندما يوجد خلل في النظام الاقتصادي فأي شيء فيه خلل، فتربية الأغنام والأبقار وغيرها أصبح مكلفاً جداً في ظلّ الاقتصاد الراهن الذي نعيشه.
وتابع شارحاً: فاستيراد مجموعة من العجول ورؤوس الأغنام هو حل مؤقت، ويخدم المواطن سواء في السعر أم في تلبية الاحتياجات، ففي السوق السورية يوجد نقص كبير بالأغنام والعجول لأنه يستحيل تلبية طلبات واحتياجات التجار، فعندما تلجأ الدولة لاستيراد مليون رأس عجل و3 ملايين رأس غنم، تكون التكلفة عليها أقل من التربية ويكون هناك أسعار متفاوتة من أسعار العجول ورؤوس الأغنام، فهذا القرار هو نقطة إيجابية كتأمين اللحوم ولتخدم المواطن والبلد بالشكل الصحيح، بشرط أن يكون هذا الاستيراد استيراداً صحياً مدموغاً في وزارة الصحة ألا تكون العجول ورؤوس الأغنام مريضةً وتتمتع بصحة جيدة، وهذا يندرج تحت الشروط الصحية لقرار الاستيراد.
انقراض الثروة الحيوانية
«لا يتضارب قرار الاستيراد هذا مع قرار تصدير ذكور الأغنام، لأنه بالأساس يوجد نقص، والتصدير لم يكن بكمية كبيرة بالدرجة الأولى، فالتصدير بكمية معينة، وعند الاستيراد يكون بديلاً، وهذا ينشط حركة الاستيراد والتصدير كحركة تجارية لإنعاش الاقتصاد، التصدير ليس بالكمية الكبيرة وهناك حالة من التوازن بين كف التصدير وكف الاستيراد» بحسب ما قاله حداد.
واعتبر أن عملية تهريب المواشي من سورية جداً سلبية، فتربية المواشي وبعد ذلك تهريبها للخارج، سيؤدي لنقصان الأعداد وتنقرض وبالتالي انقراض الثروة الحيوانية، فتهريب هذه المواشي خطر كبير على الاقتصاد، لأن كل شيء يساهم في الاقتصاد، وتربية هذه المواشي تحتاج للأعلاف وللفيول وللتدفئة ولمناخ جيد فكلها تكاليف تؤثر في النظام الاقتصادي إما سلباً أو إيجاباً، فعندما يكون هذا النظام صحياً كلياً يؤثر عليه بالطبع بشكل إيجابي، وعندما يكون غير صحي، ستؤثر عليه أسعار الأعلاف وخاصة بتفاوت هذه الأسعار يومياً، فنشهد اختلافات كبيرة بأسعار اللحوم بسبب غلاء الأعلاف والبنزين والمازوت وغيرها، وهناك تراتبية هرمية من تاجر الجملة وحتى المستهلك، فتهريب المواشي سلبياتها كبيرة جداً وينعكس بخطر على الاقتصاد فيجب الحدّ منه لأنه يؤدي لانقراض الثروة الحيوانية.
إقبال متدنٍ
وأردف: القوة الشرائية تلعب دوراً والعملة المستخدمة، فانهيار العملة لعب دوراً كبيراً بعدم تحسن الليرة وبدخل المواطن، وهناك من 80 لـ85 بالمئة من الأشخاص ذوي دخل محدود، فليس لديهم القدرة الشرائية حتى ربع كيلو من اللحوم أو من الدجاج، والقدرة الشرائية ضعيفة بسبب تكاليف تأمين هذه اللحوم داخلياً أو خارجياً، وأجور نقلها للمسالخ، وتكاليف علفها، وهذه التكاليف جميعها تتزايد أكثر من 20 و30 ضعفاً، ليس بسعرها بل بالقوة الشرائية اللاقيمة.
وعن شراء الأضاحي، رأى أن القدرة الشرائية على شراء اللحوم والإقبال خجول ومتدن، وبالتالي القدرة على شراء الأضاحي ضعيفة جداً فليس هناك قدرة، فهذه الرواتب لا تكفيهم للمعيشة الأهالي انحرمت من شراء اللحوم وهذا شيء مؤسف للغاية.
حلول ومقترحات
«لا توجد حلول اقتصادية دون ثبات للانهيار، فنحن بوضع اقتصادي حرج ولدينا مشاكل بالاستيراد والتصدير وليس فقط على صعيد الأغنام والأبقار، بل بجميع القطاعات والدولة تواجه صعوبات كبيرة في الاستيراد والتصدير سواء بمجال الأدوية وغيرها وهذا خلل بالنظام الاقتصادي. « حسب ما أشار إليه حداد.
وأكمل: حلول كبيرة جداً تحتاج ثباتية في النظام الاقتصادي للقدرة على الاستيراد والتصدير لخلق التنوع في هذا المجال، وبالتالي تحقيق عملية إنعاش لهذا النظام، ودوران العجلة الاقتصادية بشكل جيد وإيجابي، لرفد الإيرادات لتحسن هذا النظام، ولكن نحن ليس لدينا هذا الثبات الاقتصادي، وخاصة مع الظروف السياسية التي يشهدها البلد، وبالتالي العملة فقدت قيمتها ولتحسين هذه العملة يجب تحسين الوضع الاقتصادي الذي يلي تعافي الجسد السياسي.
انهيار القطاع!
أما الخبير الاقتصادي أكرم عفيف فيعتقد أن غلاء الأعلاف ورخص مادة الحليب وسياسة التسعير الحكومية وعدم اعتماد البدائل، كلها عوامل أدت إلى انهيار قطاع الإنتاج الحيواني وخاصة الأبقار والأغنام، والذي يحصل في الواقع هو تحميل المنتجين لمصلحة المستوردين، فيلجؤون لسد الفجوة ولكن اللغز في أسباب هذه الفجوة، فالمشكلة ليست بقرار الاستيراد ولكن في سياسة إدارة الموارد لمنتجاتنا الزراعية بشقيها النباتي والحيواني.
وأكد أن الاقتصاد التصديري اقتصاد سليم، فالاقتصادات العالمية نمت بالتصدير، أما اقتصاد الاستيراد فغير سليم وهذا ما سعت إليه الحكومة لمصلحة المستوردين.
وبيّن أن التهريب هو شكل من أشكال التصدير، ولكن لا تعم فائدته على الحكومة، فعندما تراجع واقع الأغنام بسبب الغلاء، كان أحد الحلول توزيع أماكن الإنتاج الضخمة، فمثلاً مربي أغنام لديه 1000 رأس غنم غير قادر على تأمين مستلزمات التربية، فكان يجب التوجه للشراء من الحكومة وتوزعهم بشكل قروض مشاريع أسرية، وبالتالي كان قطاع الأغنام نشطاً وازدادت الأعداد وتضاعفت ونما التصدير بشكل ممتاز، فيجب العمل على البدائل واستغلال البيئة السورية، فمعظم محاصيلها مدتها 3 أشهر، وسورية بلد بحر الإنتاج، ويجب العمل على البدائل السورية لتخفيض تكاليف الإنتاج الزراعي.
يشار إلى أن أسعار اللحوم الحيّة متباينة ومختلفة من مدينة لأخرى ومن سوق لآخر، فيبلغ سعر كيلو الغنم الحي من 75 ألفاً وحتى 110 آلاف، في حين أسعار اللحوم الحمراء فيتراوح سعر كيلو لحم الغنم بين 180 إلى290 ألفاً حسب أسواق العاصمة دمشق، أما سعر كيلو لحم العجل فيتراوح بين 150 إلى 210 آلاف.