لماذا لا تشعر الشركات الخاصة بالمسؤولية تجاه المجتمع؟ حفار: عددٌ قليلٌ جداً من الشركات لديه برنامج وخطط سنوية للمسؤولية الاجتماعية
فادي بك الشريف – راما محمد
المسؤولية الاجتماعية نظرية أخلاقية تقول: إن أي كيان –سواء كان منظمةً أم فرداً- يقع على عاتقه العمل لمصلحة المجتمع كله، كما أنها أمر لا يختص فقط بمنظمات الأعمال، بل هي شأن كل فرد تؤثر أفعاله في البيئة، علماً أن المسؤولية يمكن أن تكون سلبية، عبر الامتناع عن الانخراط في أفعال ضارة، أو إيجابية من خلال القيام بأفعال تحقق من أهداف المجتمع بشكل مباشر.
وعن واقع المسؤولية الاجتماعية للشركات في مجتمعنا، بيّن الخبير في إدارة الأعمال والمشاريع مازن حفار (مدير شركة للاستشارات والتدريب) أن فكرة المسؤولية الاجتماعية، وما يتطلبه القيام بها من الشركات بأن تكون مرتبطة بالوضع المالي للشركات الموجودة في البلد، وبنضج الواقع التسويقي لهذه الشركات، وأكد أنه إن كان الوضع المالي للشركات جيداً فلديها ميزانية تسويقية سنوية، وهذه الميزانية يكون جزء مخصص منها له علاقة بالمسؤولية الاجتماعية، وهو في الحقيقة جزء من إستراتيجية الشركة، وبيّن أنه ضمن الإطار العام إن كان للشركات قناعة بلعب دور بارز في البلد؛ فالموارد البشرية والتسويق والإدارة، عموماً يجب أن يكون لها الدور الأبرز. وتساءل: هل هذا ما يطبق اليوم؟ لا بالمطلق، وإن بحثنا فلن نجد سوى عدد قليل جداً ممن لديهم برنامج خاص بالمسؤولية الاجتماعية وخطط سنوية خاصة به، لقلة الوعي بأهمية هذا الأمر ودوره بدعم المجتمع، إلا أن الأمر جلي لدى بعض الشركات الكبيرة، ولكنه غير منتشر، لأنه حالياً نخبوي.
وبيّن أن المشكلة ليست في نوع المبادرات، بل في عدد المبادرات، فعدد الشركات الداعمة هو المشكلة، ومجالات الدعم تتعدد من مجالات رعاية أيتام أو ذوي احتياجات خاصة إلى دعم في مجالات تدريبية ودعم لمشروعات أو مسابقات ريادية، ويمكن للدعم أن يساعد الأشخاص في بناء عملهم الخاص.
أيضاً جانب مهم هو بناء قدرات الأشخاص، والتوعية الاجتماعية وأخلاق السوق، كلها عوامل مهمة في بناء الفكر السليم والتوعية المجتمعية السليمة، وليس بالضرورة لدعم المسؤولية الاجتماعية أن تخصص الشركات كوادر محددة لهذا المجال، بل يمكن أن تهتم بعض الكوادر بالعمل ضمن هذا المجال، إضافة إلى عملها الأساس ضمن الشركة.
ولفت إلى أنه عالمياً تكون موازنة المسؤولية الاجتماعية ضمن موازنة التسويق، وهذا لا يعني بالضرورة ألا يكون للمسؤولية الاجتماعية إفادة معينة للشركة بل يدخل ضمن خدمة العلامة التجارية للشركة وصورتها بالعموم.
وأضاف: أعتقد أنه – وبعيداً عن التنظير- لدى قيام الشركة بمسؤولية اجتماعية معينة فسوف ينعكس لزوماً على صورة الشركة الإيجابية أمام الزبائن، ودائماً هناك عائد، ولكن شرط ألا يكون الهدف هو الظهور، وإنما أن تكون الفائدة انعكاساً لعمل الشركة في خدمة المجتمع وبتحسين صورتها الذهنية، إذ يجب أن يكون هدف المسؤولية الاجتماعية بالدرجة الأولى فائدة المجتمع والهدف الثانوي تحسين الاسم التجاري للشركة.
ورى الحفار أن المسؤولية الاجتماعية عمل توعوي يجب أن تقوم به الشركات، كما أن الجهات المعنية تقوم بدور توعوي للشركات أكثر منه إجباراً على القيام به، والتحكم والإدارة بجعل المسؤولية الاجتماعية واجباً هي عملية غير فعالة، فالهدف هو التوعية للشركات للقيام بالتوعية الاجتماعية لهذه الخدمة، مضيفاً: إن علاقة المسؤولية الاجتماعية بالاسم والتسويق، عادة تكون البرامج على مستوى ملاك الشركة أولاً ثم التسويق والموارد البشرية بهدف خلق ثقافة لدى موظفي هذه الشركة للمساهمة بالمسؤولية الاجتماعية.
وعن الربط بين عمل برنامج المسؤولية الاجتماعية مع خطة تحسين الاسم التجاري، بيّن أن هناك دراسات تؤكد الربط بين هذين الأمرين بمبدأ استثمار خطط المسؤولية الاجتماعية مع تحسين صورة الشركة.
وأضاف الحفار: إن كان موضوع البرنامج يرتبط بطبيعة عمل الشركة يكن تأثيره أقوى من أن يكون بعيداً من طبيعة عمل الشركة، بمعنى أن يكون مشروعات المسؤولية الاجتماعية لشركة خاصة بالخدمات التدريبية هي تدريبات، والتعليمية ضمن قطاع التعليم، والشركات الإنتاجية بتأمين مواد منتجة للمجتمع ضمن هذه البرامج، ولكن النقطة الأساسية بألا يكون هدف المسؤولية الاجتماعية التسويق، بل أن تكون الفائدة الرئيسة خدمة المجتمع والفائدة الثانوية هي التسويق.
ورأى الحفار بضرورة أن تكون هناك جهة محددة تدير هذا الأمر عبر توعية التجار مثلاُ بأهمية المساهمة، وأن تساعدهم على خلق الأفكار، والتوجيه بموضوعات مفيدة فعلاً للمجتمع، مقترحاً أن تكون هناك منصة رئيسة لأفكار المسؤولية الاجتماعية لتختار الشركة الموضوع الأنسب، وممكن أن تكون هذه المنصة إلكترونية مثلاً، وأهم شيء، بأن تحتوي على أفكار مبادرات تكون الشركات قادرة على الدخول للاطلاع عليها واختيار ما يناسبها.
وأكد أن عدد الشركات التي تلعب دوراً في المسؤولية الاجتماعية ليس كبيراً، وهناك أفراد تساعد في المسؤولية المجتمعية، ولكنها من غير برنامج لا تكون مثمرة جداً.
من ناحية أخرى فقد كان الوضع الاقتصادي ضاغطاً في الفترة السابقة، والمسؤولية الاجتماعية تتطلب أن تكون الشركات مرتاحة اقتصادياً، وخاصة أن الشركات المضغوطة اقتصادياً تعد خطط مساعدة المجتمع ترفاً، إذاً السؤال الأنسب في الوقت الراهن هو: كم لدى هذه الشركات من قدرة مادية؟ وليس كم لديها من وعي؟
مقترحات لإزالة المعوقات
بيّن الحفار أن المطلوب لإزالة العوائق أمام ممارسة المسؤولية الاجتماعية هو التذكير المستمر بوجوب لعب الشركة دوراً في المسؤولية الاجتماعية، ووجوب توافر القدرة الفنية على القيام به من ناحية وجود الكوادر، وأن يكون الوضع المادي يسمح بالقيام بأعمال المسؤولية الاجتماعية على نحو مرضٍ ومجدٍ، إضافةً إلى الفهم الصحيح لهدف المسؤولية الاجتماعية، ما قد يتيح خيارات تقديم من موارد الشركة بدلاً من النقود، علماً أن وجود واحد من هذه العوائق يؤثر في عمل المسؤولية.
وأضاف: نحن نختلف عن الدول في الخارج من ناحية وضع المسؤولية الاجتماعية من جهة عدد المبادرات، ومن جهة وضع خطط المسؤولية الاجتماعية ضمن موازنتها، ففي دول أخرى هناك شركات كبيرة تخصص تمويلاً كبيراً ضمن موازنتها فقط لمشروعات المسؤولية الاجتماعية، وهذا الفكر ليس متعارفاً عليه لدينا بعد.
مفهوم غائب
صرح الأستاذ الجامعي في مجال إدارة الأعمال الدكتور بسام التزة لـ«الاقتصادية» بأن مفهوم المسؤولية الاجتماعية غائب لدى كثير من الشركات المحلية على مستوى قطاع الأعمال، موضحاً أن هذه الشركات غير مستعدة للإنفاق، لذلك تتهرب من هذا المفهوم وحتى على المستوى الحكومي لا تتمتع المسؤولية الاجتماعية بالأولوية، مضيفاً: القطاع الخاص قطاع جبان، وكثير من رجال الأعمال ربما لم يسمعوا بهذا المفهوم، علماً بأن الحكومة منحت الكثير من رجال الأعمال قروضاً مقابل أن يكون القطاع الخاص داعماً وشريكاً في عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
وبيّن التزة أن المسؤولية الاجتماعية للشركات ليست فقط تجاه المجتمع المحيط بها، بل أيضاً تجاه العاملين فيها، مؤكداً ضرورة البدء بتطبيق المفهوم تجاه العاملين؛ لكونه من المفروض تقديم مساعدات للعامل تحت مسمى مزايا وظيفية غير إلزامية، منوهاً بوجود جوانب خيرية وأخلاقية ضمن هرم المسؤولية الاجتماعية.
وأشار الأستاذ الجامعي إلى ضرورة وجود تكامل بين مفهوم المسؤولية الاجتماعية والتسويق، موضحاً أن رجل الأعمال الناجح يملك رؤية ورسالة، بالتالي إنفاقه ضمن هذا المفهوم وتقديمه الخدمات للمجتمع لا يكون لتحقيق سمعة حالية، وبالمقابل لا يروج لهذا الإنفاق بل يدع الآخرين يتحدثون عنه، ما يعني بناء سمعة طيبة على المدى الطويل، لافتاً إلى أن ممارسة مسؤولية اجتماعية حقيقية تجعل من التسويق للشركة تحصيلاً حاصلاً، مؤكداً ضرورة عدم الاكتفاء ببعض الإجراءات البسيطة من تدريب وتأهيل وتوزيع بعض المساعدات والتشهير بها وهذا ما تفعله بعض المنظمات الخيرية.
الإلزام بالمسؤولية الاجتماعية
بيّن التزة أن إلزام الشركات بالمسؤولية الاجتماعية يحتاج إلى تحديد الجهة المعنية بفرض الإلزام سواء أكانت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أم وزارة الاقتصاد والتجارة، مشيراً إلى أن الوصول لصيغة قانون ملزمة يحتاج إلى إعادة النظر ومراجعة قانون الشركات وقانون العمل، الذي يجب أن يتغير في الكثير من تفاصيله.
ولفت إلى أنه على الرغم من أن هدف الشركات الأساسي تحقيق الربح، إلا أنه ومقابل ما تقدمه الحكومة لهم من قروض وسبل تسويق وتسهيلات وإعفاءات؛ لا بد لهم من تبني مفهوم المسؤولية الاجتماعية، مشيراً إلى أن دفع الشركات لتأمين فرص عمل وتقديم قروض وتسهيلات يجب أن يكون من ضمن الدراسة الأولية للمشروع أي دراسة الجدوى الاقتصادية والاجتماعية قبل منح الترخيص أو القروض للشركة.
وأكد التزة ضرورة نشر وتفعيل المفهوم من خلال أجهزة الإعلام، مشدداً على أهمية إخراجه من حيز الدعاية والإعلان إلى حيز التطبيق الحقيقي، مشيراً إلى أنه وبمقارنة أجريت لأحد المصارف الإسلامية الخاصة مع إحدى الشركات اتضح أن جل ما يقدمه المصرف لا يتجاوز أكثر من 5 بالمئة مما تقدمه الشركة من خدمات اجتماعية، مضيفاً: الدولة أعطت وسهلت إنشاء المصارف الخاصة وبالمقابل ماذا قدمت المصارف للمجتمع؟