سوق البنزين يشتعل فساداً.. أسئلة للنفط والتموين.. ماذا تعرفون عن السوق السوداء للبطاقة الذكية وهل يوجد فعلاً غش في الأوكتان95؟
محمد راكان مصطفى
تزامنت أزمة النفط والحلول مع أحاديث حول مجموعة من الأشياء التي ينبغي التوقف عندها والتحقيق فيها، من أجل الوصول إلى الحقيقة التي تكتنفها وعدم تركها كمسألة معلّقة.
فشل مشروع «البنزين البنفسجي» ومحاولة وزارة النفط تحويله إلى بنزين «ذكي»، لعدم مساهمته بحلّ تعقيدات أزمة نقص المادة التي فرضها الحصار الظالم على الشعب السوري، فذهبت الوزارة إلى طرح البنزين أوكتان 95 من مصدر لبناني بسعر 600 ل.س، كحلّ لمن لا يرغب في مكابدة معاناة الانتظار لساعات طويلة أمام المحطات «الذكية»!
ومع بدء انحسار الأزمة، أصدرت الوزارة قراراً حددت بموجبه شريحة الدعم للآليات الخاصة بـ100 ليتر شهرياً بسعر 225 ليرة سورية، وللسيارات العمومية/ التاكسي الكمية بـ 350 ليتراً شهرياً بسعر 225 ليرة سورية، وحددت الكمية لآليات الفعاليات الاقتصادية الخاصة بأنواعها كافة بـ100 ليتر شهرياً بسعر 225 ليرة سورية، والآليات الحكومية المخصصة والتي تقل مخصصاتها عن 100 ليتر، على أن يسمح لها باستكمال التزود بالبنزين ضمن عتبة المخصصات بالسعر المدعوم للسيارات الخاصة، أي حتى 100 ليتر، وفوق هذه الكمية بسعر التكلفة غير المدعوم المحدد بـ 375 ليرة سورية لليتر الواحد، منوهة بأنه سعر متغير تبعاً لسعر التكلفة، على حين أن كل آلية لا تحمل البطاقة الذكية سورية أو غير سورية تزود بالوقود بسعر التكلفة.
مواطنون اشتكو تعرض سياراتهم لأعطال بالبواجي أو ببخاخات وفلاتر البنزين، وهذا ما جاء تأكيده على لسان أصحاب ورش لصيانة السيارات، اللافت في الموضوع أن الشكاوى لم تقتصر على السيارات التي تتزود بالبنزين «الذكي»، وإنما شملت حتى السيارات التي تتزود من البنزين المستورد بالسعر «الفاخر»، ما يدفع للتساؤل إن كان ما يتداول من شائعات؛ حقيقي، حول كونه فعلاً بنزين أوكتان 95، أم هو بنزين محلي التكرير يتم بيعه بسعر المستورد، كما يتحدث البعض؟!
أو كما ذهب البعض، حيث يتم غشه من المصدر في لبنان أو أثناء النقل على الطريق، فهناك من يظن بأنه وفي ظل عدم وجود رقابة على الصهاريج الناقلة للمادة بين البلدين من الممكن أن يتم إفراغ كمية من البنزين أوكتان 95 واستبداله بمادة «نستا»، وهي مادة نفطية برقم أوكتان منخفض، كل هذا يجعل من الضروري أن تقوم وزارة النفط بنفي او تأكيد هذا الأمر، مع ضرورة قيام وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بتحمل واجباتها والتأكد من رقم الأوكتان في البنزين المستورد وأخذ عينات لإجراء التحاليل اللازمة للتأكد من أنه أوكتان 95 فعلاً.
أحاديث وأقاويل البنزين لم تقف عند ذلك، بل ذهبت إلى أنه يتم تعويض النقص في الاحتياج من مادة البنزين والذي لايغطي الإنتاج المحلي منه والبالغ 24 ألف برميل ربع الاستهلاك، عبر معالجة البنزين أوكتان 95 المستورد من لبنان في مصفاة حمص أو بانياس وتمديده ليصبح 90.
سوق سوداء للبطاقة الذكية
زعمت وزارة النفط أن البطاقة الذكية هي الحلّ للقضاء على تهريب البنزين المدعوم ومكافحة الاتجار به في السوق السوداء، وذهبت التصريحات الرسمية إلى أبعد من ذلك في تحديد نسب كبيرة لانخفاض تهريب المادة والاتجار فيها بعد تطبيق «الذكية» ونظم الرقابة الإلكترونية للصهاريج، تبين على الفور هشاشتها مع صدور تصريح من الجمارك ألقت القبض على صهريج لشركات «محروقات» بعد أن غيّر وجهته، وسط انتشار واسع للمشتقات النفطية بالسعر الحرّ «الأسود» على طرقات السفر وفي الأكشاك ومحال السوبر ماركت، وقد وصل سعر ليتر البنزين إلى 1000 ليرة، وأصبحت تجده في محال السوبر ماركت معبأ بعبوات المياه الفارغة، على عينك يا تاجر!
ليس هذا فقط، بل يمكن لأي مسافر وهو يقطع الطريق من حمص إلى الجابرية أن يلحظ محطات وقود مصغّرة، عبارة عن عدة براميل ومضخة يدوية، تبيع البنزين والمازوت بالسعر الحرّ المهرب من لبنان بحسب ما تم تناقله من أحاديث، وهي منتشرة بالعشرات، زبائنها البولمانات والسيارات المسافرة، بشكل خاص، وكل من يحتاج المادة في تلك المنطقة!
المزيد أيضاً، والمفاجئ يأتي من الأحاديث التي تدور حول وجود سوق سوداء للبطاقات الذكية، إذ إن السيارات التي لا تعمل والسيارات المعروضة للبيع، كلها لديها بطاقات ذكية، وتأخذ مخصصات، لكن السيارات واقفة عن العمل، وبالتالي يتم الاتجار بالمخصصات في السوق السوداء، والزبائن ما أكثرهم!
وهناك أحاديث كثيرة عن استغلال أصحاب صالات السيارات الجديدة لبطاقات سياراتهم المركونة في الحصول على مخصصاتها من مادة البنزين والاتجار بها في السوق السوداء وتحقيق الأرباح، إلى جانب لجوء البعض ومنهم أصحاب سيارات الأجرة العمومي إلى إيقاف سياراتهم وبيع مخصصاتهم، محققين الأرباح من دون بذل أي جهد منهم أو من سياراتهم، وبحسبة بسيطة نجد أن المخصصات للسيارات العمومية 350 ليتراً في الشهر تكلف بالسعر المدعوم (225 ليرة لليتر) مبلغاً مقداره 78750 ليرة، ولو باع صاحب التكسي هذه المخصصات بسعر 600 ليرة فقط (وهو عملياً أعلى بكثير ويختلف من مكان لآخر ويصل إلى ألف ليرة) فسوف يحصل على 210 آلاف ليرة، منها ربح صاف 131250 ليرة شهرياً، على أٌقل تقدير، فلماذا سيحرك سياراته إذاً؟!
حتى بيع الكميات التي تزيد على المخصصات، للسيارات الخاصة غير العاملة، فهي مربحة أيضاً، لأن سعر المبيع لليتر 375 ليرة، أي الربح لا يقل عن 225 ليرة في الليتر لو بيع بمبلغ 600 ليرة، فما بالك عندما يباع بين 800 و1000 ليرة في العديد من المحافظات، وخاصة تلك التي تنتشر فيها الدراجات النارية غير النظامية، أليس هذا سوقاً من ذهب، فتجار السوق السوداء اليوم، وما أكثرهم؛ أصبحوا يتعاملون بـ«الذهب البنفسجي»!
يقال إن ذلك حث القائمين على الذكاء في وزارة النفط للسعي إلى دراسة تطبيق البطاقة المعدنية للآليات، وهي بطاقة تتيح إذا نفذت مراقبة المركبات عبر أجهزة GPRS تتيح تتبع المركبات والتأكد من أنها تعمل فعلياً لضمان عدم قيام أصحابها بإيقافها والاتجار بمخصصاتها!
ولا ننسى أن نشير إلى التصريحات التي صدرت عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك مؤخراً، والتي تتحدث عن ضبوط في عدة كازيات للتلاعب في الكيل، إذ يتم تعبئة 17 أو 18 ليتراً على أساس أنها 20 ليتراً، أما مصير الكميات الناقصة أو المسروقة فعلاً من مخصصات المواطنين، فهذا ما لا يحتاج إلى كثير من الذكاء لمعرفته!
إن صح ما يقال، يبقَ التساؤل: هل تجدي البطاقات الذكية وزميلتها الحديدية في ظل عدم توافر المادة الذي يخلق تجارة سوداء رابحة للاتجار بالمشتقات وخاصة البنزين، تحفز البعض إلى ابتكار قنوات احتيال على الدولة والمواطن للتربح؟ أليس من الأجدى العمل على إيجاد حلول جذرية لأزماتنا المتكررة عبر تطبيق الأفكار الذكية بذكاء، وليس العكس؟
إن ما سبق هو تساؤلات أمام المسؤولين في وزارة النفط، وفيما إذا كانت تتابع هذه الأحاديث وتأكدت من صحتها أو العكس.
كذلك نضع مسألة اختبار أوكتان 95 في عهدة وزارة التموين، وفيما إذا يتم غشه أم لا؟