تجار استغلوا معرض دمشق الدولي لتغطية مهرباتهم على مدار العام وآخرون مرروا بضائعهم الممنوعة بصحبة مسافرين وفي الطرود البريدية!
أشقّاء التهريب.. وأشقيائه
علي نزار الآغا
يبدو أن للتهريب في بلدنا إخوة، أقل شهرة، لكن أشدّ ضرراً!
أساليب عديدة يستخدمها بعض «التجار» للتحايل على الأنظمة والقوانين ولوائح الاستيراد، المعمول فيها، غير التهريب الفجّ، والصريح، «نجحوا» عبرها بتمرير العديد من المواد الممنوعة من الاستيراد، إلى أسواقنا، وتوزيعها يومياً، بموجب فواتير، ممهورة بختم شركات معروفة، تعمل وسط العاصمة دمشق، ولا من كان يكترث بهم، من أصحاب الشأن!
الذي قادنا إلى هذا الموضوع، هو القصة التالية:
خلال تجوال اعتيادي في بعض الأسواق، بعد الحملة المشددة التي أطلقتها الحكومة لقمع ظاهرة التهريب، لوحظ وجود منتجات عدة ممنوعة من الاستيراد توزع وتباع علناً، في أكثر من مكان، ولدى الحديث عن تلك البضاعة مع أحد الموزعين لها، أشهر فاتورة بالمنتج المزعوم بأنه مستورد، بناء على وجود بيانات جمركية لدى الشركة الموزعة، ومقرها وسط العاصمة دمشق، ولدى التأكد من وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية من كون تلك المواد، قد سمح باستيرادها أو تم منح بعض الاستثناءات لبعض المستوردين، فكان جوابها النفي القاطع، مع الإشارة إلى أن التشديد في هذا الموضوع حال دون منح جهة رسمية موافقة لاستيراد بعض تلك المواد… فكيف دخلت تلك البضاعة الممنوعة إلى البلد؟ وكيف توزع في الأسواق يومياً بفواتير وهي غير نظامية؟ من يقف وراءها؟ وكيف تتعامل معها الجهات الرسمية؟.. وغير ذلك من التفاصيل المتعلقة بقصة «إخوة التهريب» كانت محور حديث «الاقتصادية» مع الجهات العامة المعنية بالأمر.
التأكيد من «الاقتصاد»
كانت بداية تقصي الموضوع من وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، إذ وضعنا بين أيدي المسؤولين عن التجارة الخارجية فيها الحديث الدائر في الأسواق حول تلك المواد، الذي يتلخص بأنه خلال دورة معرض دمشق الدولي السابقة (60) تم منح إجازات لمواد ممنوعة من الاستيراد، بنظام «الكوتا»، وعليه يقوم بعض التجار باستغلال البيان الجمركي الذي يمتاز بأن مدته الزمنية طويلة الأمد، تمتد لسنوات، لتبرير توزيع المواد المستوردة للمعرض في الأسواق، وسبب توافر المواد بعد انتهاء دورة المعرض بستة أشهر، هو أنه يتم إدخال المواد ذاتها تهريباً، وتغطيتها بالبيانات القديمة، والخاصة بالمعرض.
مصادر وزارة الاقتصاد أكدت حصول مثل هذه الحالات، منوهةً بأنها فعلياً لم تتجاوز قيم السلع التي منحت إجازات استيراد وفق «الكوتا» خلال معرض دمشق الدولي بدورته السابقة (60) نحو 4 ملايين دولار أميركي، بحدّ أعلى 60 ألف دولار للتاجر، كما لم تتجاوز في الدورة الأسبق (59) ما قيمته 2.5 مليون دولار (أي بإجمالي 6.5 ملايين دولار أمريكي للمعرضين)، وقد تنوعت البضائع لتشمل العطورات ومواد التجميل والحفاضات والبزورات والمشروبات الغازية والأجهزة الكهربائية.. وغيرها.
وبينت المصادر أن الإجازة تعطى لفترة المعرض فقط (6 أيام)، وبعد انتهاء فعالياته، يتم إدخال البضاعة بموجب بيانات جمركية نظامية إلى السوق المحلية، وهنا يحصل اللبس، إذ يتم استخدام هذه البيانات لتغطية المهربات من المواد نفسها بقية أشهر السنة، وهذا طبعاً ينطبق على كامل التجار، فالموضوع نسبي بالنهاية، لكن ما يحصل أحياناً هو استغلال بيانات المعرض لتغطية المهربات، وقد طابقت «الاقتصادية» هذا الأمر مع بيان فاتورة بعض المنتجات التي تباع في السوق على أنها مستوردة وهي ممنوعة لكن سمح بإدخالها وقت المعرض، وكان تاريخها قديماً فعلاً.
المصادر كشفت أنه أمام هذا الواقع فإن الحكومة تتجه لمنع «الكوتا» خلال الدورة القادمة لمعرض دمشق الدولي التي يتم التحضير لها من الآن، وبالتالي «قد» لا يتم منح إجازات لمواد ممنوعة الاستيراد منعاً لاستغلال بياناتها لتغطية التهريب على مدار العام.
التهريب بالطرود
ليس هذا فقط، بل تمتد القصة وتتشعب، لتتكشف إخوة آخرين للتهريب، أشد خطورة، والحديث هنا عن استغلال الطرود البريدية وصحبة المسافر، وذلك بموجب القرار رقم 251 تاريخ 2014، الذي سمح للصناعيين استلام طرود بريدية بقيمة مليون ليرة سورية في كل طرد.
كما سمح لغير الصناعيين باستلام طرود بمبلغ 100 ألف ليرة، لمواد ممنوعة من الاستيراد، وهذا ما يتم استغلاله، ويذهب البعض إلى استقدام شحنة كبيرة من مواد مثل الألبسة مثلاً، إلى لبنان، ومن ثم يتم إدخالها على دفعات بحجة طرود بريدية، وبتسهيل في القيم والكميات الداخلة أحياناً، الأمر الذي اضطر إلى تعديل هذا القرار من فترة قصيرة للحدّ من هذه الأبواب التي تدخل عبرها المواد الممنوعة من الاستيراد واقتصاره على السلع المسموح باستيرادها.
وفي التفاصيل، فقد أصدرت وزارة الاقتصاد القرار رقم 1630/698/10 بتاريخ 14/3/2019 (حصلت «الاقتصادية» على نسخة منه) أبلغت فيه الجمارك بأن يتم الاقتصار في تطبيق القرار رقم 251 لعام 2014 على المواد المسموحة بالاستيراد وفق الدليل التطبيقي لمنح الموافقات لإجازات وموافقات الاستيراد فقط، وعدم السماح بإدخال أي بضاعة مخالفة للدليل، وأن تكون المواد المخلصة بموجب تصفية مسافر للحاجات الأساسية للأشخاص المسافرين فقط، ولا يجوز أن تحمل أي صفة تجارية.
يشار إلى أن هذا القرار جاء بناءً على نتائج تقرير للهيئة المركزية للرقابة والتفتيش حول أعمال قسمي الاستيراد والكشف بأمانة جمارك مطار دمشق الدولي، وآخر يخص قسمي الاستيراد والكشف لدى أمانة جمارك جديدة يابوس، حول موضوع ورود مواد مطبق عليها آلية الترشيد وتخليصها بموجب تصفية مسافر أو بيانات من دون إجازة.
علماً بأن القرار رقم 251 تضمن في المادة الأولى أن يعدل سقف كمية الطرود البريدية سواء وردت (بحراً- جواً- براً) لتصبح 500 ألف ليرة سورية بدلاً من 100 ألف ليرة، عدا أجور الشحن وذلك للمواد المسموح باستيرادها أصولاً وفق أحكام التجارة الخارجية النافذة شريطة إبراز بوليصة الشحن وتسديد الرسوم الجمركية عليها أصولاً، و100 ألف ليرة بدلاً من 30 ألف ليرة عدا أجور الشحن وذلك للمواد الممنوع استيرادها وفق أحكام التجارة الخارجية النافذة شريطة إبراز بوليصة الشحن وتسديد الرسوم الجمركية عليها أصولاً.
وجاء في المادة الثانية من القرار أن تعدل القيمة التقديرية الواردة للمواد ذات الصفة الصناعية اللازمة للصناعي أو الحرفي المسجل أصولاً في السجل الصناعي أو الحرفي ومن النماذج والقطع التبديلية والعينات المعدة للاستخدام في حرفته أو مصنعة حصراً وجعلها مليون ليرة بدلاً من 200 ألف ليرة، عدا أجور الشحن، مع مراعاة جميع الشروط المحددة بتعليمات وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية وأن تكون من المواد المسموح باستيرادها أصولاً، ووفق أحكام التجارة الخارجية والقطع النافذة وإبراز شهادة منشأ وبوليصة الشحن وتسديد الرسوم الجمركية عليها أصولاً.
كما نصت المادة الثالثة على أن يتم تطبيق نموذج تصفية المسافر على البضائع التي ترد بصحبة المسافر أو المرسلة من قبله وإليه فقط، إضافة إلى ما يرد من عينات ونماذج وكتالوكات وهدايا شخصية وأوراق ورسائل وكتب علمية ومجلات فقط بما لا يزيد على 50 ألف ليرة.
قصة البيانات القديمة
ذلك الأمر فتح الباب على مشكلة البيانات الجمركية القديمة التي تم إلغاؤها مؤخراً، والتي يتم استخدامها لتغطية مواد تدخل تهريباً، وهنا أصدرت وزارة الاقتصاد قراراً بتاريخ 10/2/2019 إنه «لا تقبل البيانات الجمركية المنظمة قبل تاريخ 8/9/2016 حجة لإثبات نظامية البضائع الاستهلاكية المستوردة بموجبها عند تحري المحال والمستودعات التجارية»، وذلك بناءً على ما تم الاتفاق عليه في الاجتماع المنعقد برئاسة رئيس مجلس الوزراء بتاريخ 2/2/2019 حول دراسة البيانات الجمركية المسجلة قبل تاريخ صدور الآلية المعتمدة لمنح الموافقات لإجازات وموافقات الاستيراد 8/9/2016، وذلك في إطار مكافحة ظاهرة التهريب.
واشتمل على المواد الغذائية على اختلاف أنواعها، الأدوية، الألبسة والأحذية وتوابعها، الأقمشة والخيوط، أصناف ومستحضرات العناية الشخصية، جميع المواد والسلع التي لها تاريخ إنتاج وتاريخ انتهاء صلاحية، الأجهزة الكهربائية على اختلاف أنواعها التي ليس لها رقم «سيري» مطابق للبيان الجمركي.
وبعد أيام من ذلك القرار، عدّلت الوزارة بند الأقمشة والخيوط، لتصبح «البيانات الجمركية الخاصة بالأقمشة والخيوط التركية الصادرة قبل تاريخ 8/9/2016 باعتبار أن الاستيراد من تركيا ممنوع، إضافة إلى أقمشة المفروشات والستائر التي تم منعها لاحقاً من البلدان كافة وبعض الخيوط القطنية الممنوعة بالدليل أيضاً».
وكان مسوّغ الحكومة في تلك الإجراءات واضحة لجهة فترة الصلاحية، للمواد الغذائية والأدوية، التي لها تاريخ صلاحية، ومستحضرات العناية بالبشرة، على حين شدد على الأجهزة الكهربائية المسجلة بالرقم التسلسلي لكل جهاز، على البيان الجمركي، كما تشدد في الألبسة والأحذية وتوابعها منعاً لاستغلال البيانات في التغطية على المهربات.
موقف جماركي
معاون مدير مديرية مكافحة التهريب في الجمارك أيهم ديب أكّد أنه بالفعل تم التحقيق ببعض القضايا لمواد مهرّبة تمت تغطيتها بموجب بيانات «الكوتا» الخاصة بمعرض دمشق الدولي، بمعنى أن البضاعة المضبوطة لا تعود إلى بيانات الكوتا، وبعضها مغاير تماماً لما هو وارد في البيانات الجمركية.
ولفت إلى أن الكوتا التي تمنح للتجار خلال فترة معرض دمشق الدولي يمكن أن تستخدم أحياناً لتغطية بعض المواد المهربة مثل الألبسة والمواد التي ليس لها تاريخ صلاحية، ولا ترد أرقامها التسلسلية في البيان الجمركي، من المواد المرشّدة والمقيّدة والممنوعة، وقال: «لكن دوريات الجمارك تقف بالمرصاد لمثل هذه الحالات، وبالتعاون مع اتحادات غرف الصناعة والتجارة، وقد تم تنظيم عدة ضبوط لمخالفات من هذا النوع، ومن آخر متعلق بتزوير البيانات الجمركية للبضاعة، وهنالك العديد من الحالات تمت معالجتها مع الجهات المعنية في هذا الشأن».
ولفت إلى أسلوب آخر لتغطية المهرّبات، وهو تزوير المنتجات المهرّبة بوضع ماركة محلية عليها، ومنها لمواد غذائية منتهية الصلاحية، إذ يتم تعديل التاريخ، وقد تم ضبط حالات من هذا النوع، وتبين بعد التحقيق أن المعمل المحلي الذي ينتج البضاعة التي تحمل العلامة التجارية المزورة مدمر كلياً.
وعما يخص موضوع التهريب بصحبة مسافرين وعبر الطرود البريدية، فقد بين أنها حالات فردية، لا تغطي احتياجات سوق، فهناك أخطاء فردية في بعض مفاصل العمل، لا ترق إلى مستوى ظاهرة أبداً في الجمارك، مؤكداً أن التاجر الحقيقي لا يعمل بهذه الأساليب، وإنما هناك ما يسمى «التويجر» و«تجار الشنطة» يعملون في هذا المجال وعلى نطاق محدود من حيث الكميات التي يتم إدخالها إلى الأسواق.
أما أن يصل الأمر إلى استقدام تجار لكونتينرات لبعض المواد وإدخالها إلى لبنان، ثم نقلها بصحبة مسافرين إلى أسواقنا، فقد استبعد ديب هذا الأمر، نظراً لأن إدخال الكونتينر إلى لبنان، يكون إما لاستهلاكه في لبنان ودفع الضرائب عليه، وإما بقصد العبور إلى سورية، وهنا ينظم بيان عبور ويحتاج إلى تسديد قيوده في سورية حتى لا يلاحق في لبنان، وذلك عبر وضعه في الاستهلاك المحلي في سورية.
وفيما يخص الطرود البريدية، بيّن ديب أن هناك أمانة جمركية خاصة بالطرود البريدية، تدقق فيما إذا كان الطرد ذا حجم كبير يشك في أنه لغايات تجارية، فتنظم له المعاملات الجمركية اللازمة وفق الأصول الناظمة لعمل الأمانة، مستبعداً أن يكون التهريب عبر الطرود ظاهرة منتشرة نظراً لعدم جدواها اقتصادياً، فتكاليف شحن الطرود مرتفعة جداً.
ولدى الإشارة إلى وجود مواد صغيرة الحجم مثل بعض الأدوية ومواد التجميل لكن أسعارها مرتفعة جداً يمكن أن تدخل تهريباً بصحبة المسافرين وعبر الطرود، أكد أنها أخطاء فردية لا يمكن تعميمها أبداً، وهناك تشديد في التعامل مع القضايا والحالات غير النظامية كافة، تنفيذاً لتوجيهات الحكومة بأن تكون سورية خالية من التهريب هذا العام.