كلام في الاقتصاد

فكروا بالفقراء!

عامر إلياس شهدا

في تقرير للأمم المتحدة حول خط الفقر الذي خصّ سورية حيث ورد فيه رفع مبلغ الحاجة اليومية من المصروف للشخص الواحد كي يعيش على خط الفقر، فتم رفعه من 1.25 إلى 1.90 دولار.
ذكر التقرير أن الأسرة السورية تتألف من خمسة أفراد، وهذا يعني أن كل أسرة بحاجة إلى 9.5 دولارات يومياً حتى تتمكن من العيش على خط الفقر، وإذا اعتمدنا سعر السوق للدولار أساسياً لأنه يعتمد في تسعير السلع أي 536 ليرة للدولار هذا يعني أن الأسرة بحاجة إلى 5092 ليرة سورية يومياً، وشهرياً 152760 ليرة سورية، إذا قارنا هذه الحاجة من الكتلة النقدية مع ما يتم دفعه من رواتب في القطاع العام والخاص فسنجد أن 95 بالمئة من الشعب السوري تحت خط الفقر.


هذا الأمر يدعونا لنطالب المعنيين بأن يفكروا بالفقراء، فبعد نعي الطبقة الوسطى أصبح الرهان على الفقراء في دفع العجلة الاقتصادية من خلال رفع قدرتهم على الاستهلاك، فما يتم طرحه من إيجاد حلول للصناعة الوطنية ودعم الإنتاج، واتخاذ قرار مكافحة التهريب يعتبر طرحاً سليماً وهو قرار صائب باتجاه دعم الصناعة الوطنية، ولكن لمن ستنتج الصناعة الوطنية في ظل ارتفاع تكلفة الإنتاج، وضعف القدرة الشرائية لدى المواطن؟
في الواقع من خلال المتابعة لما يجري، هناك مؤشرات تثبت أن الفقراء لا يشغلون تفكير أصحاب القرار، وكمثال على ذلك ما طرح بخصوص مقاربة سعر صرف الدولار الرسمي مع سعر السوق، أتى هذا الطرح رداً على ما يقوم به المستوردون من تسعير بضاعتهم على سعر السوق السوداء بالوقت الذي يتم تمويلهم بالدولار على السعر الرسمي، مثل هذا الطرح تلزمه دراسة تأثير مقاربة السعر على أسعار المستهلك، وبالتالي دراسة الجدوى منه، هل مقاربة السعر سيزيد من موارد الخزينة عن طريق الرسوم الجمركية؟ نعم سيزيدها بفارق السعر، ولكن بالمقابل سترتفع الأسعار بمقدار هذه الزيادة وأكثر ما سيزيد من فقر المجتمع، فأي النتائج ستكون ذات جدوى لحماية المجتمع من ارتفاع الأسعار وزيادة الفقر ولتحقيق موارد للخزينة؟ والسؤال المهم أليس رفع قدرة المواطن على الاستهلاك وتحريك العجلة الاقتصادية على أن يتم تثبيت سعر الصرف بهامش معين لا يتجاوز 5 إلى 10 ليرات سورية بين الرسمي والسوق السوداء؟ أليس هذا الأمر يحقق موارد للخزينة أكثر من المورد الذي سيحققه مقاربة السعر بين الرسمي والسوق السوداء والذي سينتج عنه أزمة اجتماعية حقيقية، هذه الأزمة ستزيد من معاناة الحكومة في النهوض بالواقع الاقتصادي للبلد؟ وهل مقاربة السعر ستمنع المستوردين من التسعير على سعر السوق السوداء؟ أعتقد أننا نفتقر للمنطقية بمثل هذه الطروحات المتسرعة التي لعبت دوراً في رفع سعر الدولار في السوق من 520 إلى 536 ليرة سورية، ونحن هنا لا ندافع عن المستوردين أبداً وإنما نطالب بالتفكير بالفقراء.


لماذا لا نفكر بالكيفية التي تمكننا من إعادة خلق الطبقة الوسطى؟ فمثلاً فتح باب الاكتتاب لدفع إعانة وتمكين 16000 مسرح من صندوق الدعم الاجتماعي، بدعم شهري لمدة عام فقط بمبلغ 35000 ليرة سورية وهو مبلغ زهيد جداً لن يحقق أي جدوى اقتصادية منه؟ وبالتالي فالكتلة النقدية التي ستدفع خلال العام يمكننا استخدامها في إنشاء مشاريع إنتاجية زراعية وصناعات تحويلية، يكون المسرح مساهماً بتلك المشاريع بمقدار مجموع رواتبه خلال العام، وبهذه الحالة يصبح المسرح مالكاً لأسهم بمشروع يعمل به ويحقق له دخلاً مجزياً ومستمراً أكثر من راتب عام سيذهب لمصاريف نثرية بسيطة لا تحقق دفعاً للعجلة الاقتصادية.


دعونا نفكر أيضاً، لماذا لا يتم استثمار قرار الدعم والتمكين في حل مشكلة؟ هناك فائض سيولة بالمصارف أعلنها المصرف المركزي، وطلب من المصارف بالوقت نفسه التوسع بالإقراض، أليس من الممكن أن تتفق المصارف مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل على منح قروض لهؤلاء المسرحين بضمانة الراتب الذي سيمنح له، قيمة القرض مليون ليرة سورية لمدة خمس سنوات، يقتطع قسط السنة الأولى من راتب الدعم وبضمان صندوق الدعم، على أن يتم تأسيس شركة مساهمة لكل عشرة مسرحين من دون خضوع هذه الشركة للرسوم لإنشاء مشاريع صغيرة تؤمن دخلاً لهم وعملاً مستداماً على أن يتم رهن المشروع للمصارف بعد انقضاء مدة دفع الدعم.
أعتقد الموضوع يحقق عدة أهداف ويحل الكثير من المشكلات، يجب أن نعلم أن الحل الجزئي للمشكلة سيزيد من خلق مشكلات مستقبلية يدفع ثمنها الفقراء؟
الفكرة قابلة للدراسة.. لذلك ندعكم للتفكير بالفقراء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى