العناوين الرئيسيةشؤون محلية

الغاب.. غابة من الفرص … اقتراح بإعلان حكومي يعتبر سهل الغاب منطقة استثمارية بميزات خاصة.. اقتراح لإنشاء مناطق حرة للزراعة يمكن أن تصبح محركاً لزيادة الإنتاجية

| الاقتصادية

يترقب الشارع السوري الزيارة الحكومية لمنطقة سهل الغاب والإعلان عن سلسلة من المشاريع الاستثمارية ما يبرز جهوداً في محاولة تطوير القطاع الزراعي والصناعي المرتبط بها، وتوجيه الاستثمارات نحو الريف السوري كجزء من رؤية أوسع لتعزيز الاقتصاد المحلي. حيث من المتوقع أن تلعب وزارة الزراعة دوراً حاسماً في تطوير القطاع الزراعي وزيادة الإنتاجية وضمان الأمن الغذائي.
إلا أن المزارعين بحكم خبرتهم في أقوال وأفعال المسؤولين السابقين لم يعودوا يتفاءلون بالترندات والأخبار وهذا من حقهم، حيث تسببت بعض السياسات في تقليص هذا القطاع بدلاً من دعمه بالشكل المطلوب. فهناك قصور واضح في تقديم الدعم المالي والفني والتدريبي للمزارعين، ما أدى إلى تراجع أعدادهم بشكل ملحوظ. وبينما انشغلت الجهات المشرفة بمؤتمرات وفعاليات لا تسفر عن تحركات عملية ملموسة على الأرض، ظل المزارعون بلا دعم حقيقي في مواجهة الواقع المتغير.!!

غياب فعالية التخطيط والتنفيذ
يشير الباحث الاقتصادي محمد السلوم إلى أن وضع السياسات الزراعية وتنفيذها يجب أن يعتمد على عوامل متعددة تتضمن التخطيط الإستراتيجي، تخصيص الموارد، الابتكار، والبنية التحتية. وعلى الرغم من أن الوزارة تضم العديد من الخبراء والمختصين الذين يمكنهم تقديم إجابات مفصلة ودقيقة عند مناقشتهم، إلا أن الفائدة من وجودهم لا تزال محدودة على أرض الواقع. ويبرز بذلك أمثلة عن سلسلة عواصف حلت بمحاصيل زراعية أساسية عصفت بمنتجات كالبصل والثوم والبندورة والبطاطا، وصولاً إلى التراجع في جودة زيت الزيتون، رغم كل النفي الرسمي. وآخر صدمة كانت فضيحة زراعة الموز التي تسببت بخسائر كبيرة للمزارعين، ولا يستبعد خروج محاصيل أخرى من خريطة الإنتاج الزراعي السوري.!

الاستفادة من التجارب العالمية
يعرض السلوم مثالين ناجحين من التجارب العالمية هولندا واحدة من الدول الرائدة عالمياً في المجال الزراعي رغم صغر حجمها الجغرافي. استطاعت أن تصبح ثاني أكبر مصدّر للمنتجات الزراعية في العالم، وذلك بفضل التقنيات الزراعية المتقدمة والابتكار في الزراعة، مثل الزراعة في البيوت المحمية، إدخال أنظمة الري الحديثة، التنوع في الإنتاج، كما قامت الحكومة الهولندية بدعم القطاع الزراعي من خلال سياسات تشجيع البحث العلمي والشراكات بين الشركات الزراعية والمراكز البحثية.
المغرب أطلق مشروع «المخطط الأخضر» في 2008 كاستراتيجية شاملة لتطوير القطاع الزراعي وزيادة إنتاجية الزراعة. ركز المخطط الأخضر على الاستثمارات الزراعية وتعزيز الأمن الغذائي، بهدف تحويل القطاع الزراعي إلى قطاع مستدام وحديث. وركزت الحكومة المغربية على دعم الفلاحين الصغار وتحفيز الاستثمار الزراعي، إضافة إلى التوسع في زراعة المحاصيل ذات القيمة المضافة العالية.
بالنظر إلى تجربتي هولندا والمغرب، يمكن القول إنه لا مستحيل في سورية حيث المساحات الزراعية الواسعة والمتنوعة المناخ في سورية أكثر من هولندا، وتوافر الموارد المائية والأنهار في سورية أكثر من المغرب، بقي لدينا أن نقدم للمزارعين الدعم اللوجستي وتوفير أنسب تقنيات الري والزراعة، وأن نمتلك توجها عالميا قوياً في التصدير وتلبية احتياجات السوق العالمية، بتطبيق هذه الرؤية المستوحاة من التجربتين الهولندية والمغربية مثلاً، يمكن لسورية أن تتطور في القطاع الزراعي بشكل يجعلها تعتمد على نفسها زراعياً، وتعزز من تنافسيتها في الأسواق الدولية، وتحقق الاستدامة البيئية والغذائية.
إنشاء مناطق حرة زراعية

يتحدث السلوم عن أهمية إنشاء مناطق حرة متخصصة في المحاصيل الزراعية وموادها الأولية والتقنيات اللوجستية، يمكن أن تكون خطوة فعالة لدعم القطاع الزراعي، من خلال تشجيع الصادرات وزيادة تنافسية المحاصيل وتسريع عمليات الشحن والتصدير، وهذه المناطق الحرة يمكن أن تجذب المستثمرين المحليين والدوليين للاستثمار في البنية التحتية الزراعية وتخلق شراكات بين المستثمرين والمزارعين لتمويل المشاريع الزراعية وتحسين الإنتاجية وتعزيز القيمة المضافة من خلال تشجيع إنشاء الصناعات التحويلية التي تعتمد على المحاصيل الزراعية المحلية، مثل تصنيع الأغذية، والعصائر، والزيوت النباتية، وهذا يزيد فرص العمل في المناطق الريفية، ما يعزز التنمية الاقتصادية المحلية.
مع إمكانية الحفاظ على استقرار الأسعار من خلال تنظيم عمليات العرض والطلب، وتخزين فائض المحاصيل في مواسم الإنتاج العالي لطرحها في الأسواق عند الحاجة وبالتالي الحد من خسائر المزارعين بسبب التقلبات الموسمية في الأسعار.
ولا يخفي السلوم بعض التحفظ من التحديات والمخاطر المحتملة من أن تكون المناطق الحرة عرضة لبعض أشكال الفساد أو استغلال النفوذ، ما يمكن أن يؤدي إلى تفضيل مجموعة معينة من التجار على حساب الآخرين. ويحذر من أن تستغل الشركات الكبيرة والتجار الكبار هذه المناطق الحرة بشكل غير متوازن، ما قد يؤدي إلى احتكار الأسواق الزراعية واستبعاد المزارعين الصغار.
مؤكداً أن الحل يكون بتصميم نظام شفاف وعادل للوصول إلى المناطق الحرة، بما يضمن إعطاء فرص متساوية للمزارعين الصغار والكبار. ويمكن أن يشمل ذلك تقديم دعم مالي وتقني للفلاحين الصغار الراغبين في الاستفادة من المناطق الحرة، وإنشاء برامج تدريبية وإرشادية للمزارعين لتعليمهم كيفية التعامل مع الأسواق الدولية، وتحسين جودة المنتجات وفقاً للمعايير العالمية. فإذا تم تطبيق هذه النقاط بفعالية، فإن المناطق الحرة الزراعية يمكن أن تصبح محركاً قوياً لزيادة الإنتاجية الزراعية، وخلق فرص عمل، وتحسين معيشة المزارعين في سورية.

الأمل والتحديات
في ختام حديثه يقول السلوم إن المزارع السوري يزرع في أرضه ألف أمل قبل أن يزرع البذور، لكن الواقع المؤلم والسياسات المعرقلة لا تزال تشكل عائقاً كبيراً أمام ازدهار هذا القطاع الحيوي. ويرى السلوم أن الحل يكمن في التغيير الجذري للنهج الزراعي والتوجه نحو تبني سياسات تتسم بالشفافية والفعالية، حتى تتمكن سورية من تحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز تنافسيتها في الأسواق العالمية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى