إدارة سليمة.. وليست خصخصة
|عامر إلياس شهدا
كثر اللغط مؤخراً في ترجمة مفهوم الانتقال الاقتصادي واعتبره البعض أنها بيع وتنازل الدولة عن أملاكها ومؤسساتها، أي الخصخصة بشكل كامل للمؤسسات والشركات العامة، رغم أن التوجيهات العليا في الدولة طالبت بتطوير وتحديث السياسات والعمل على وضع سياسات قطاعية، حيث تخلق هذه السياسات تنسيقاً بين المؤسسات، إضافة إلى العمل على تطوير إدارة الموارد.
علينا أن نكون واضحين، فتصريحات بعض الوزراء تشير في طياتها إلى عملية خصخصة مما خلق تخوفاً لدى المجتمع، لهذا يجب التوضيح.
المادة 14 من الدستور: ملكية الموارد الطبيعية، الثروات الطبيعية، والمنشآت والمؤسسات والمرافق العامة، هي ملكية عامة تتولى الدولة استثمارها والإشراف على إدارتها لمصلحة مجموع الشعب وواجب المواطنين حمايتها.
التوجيه الرئاسي دعا لتطوير السياسات والإدارة وتطوير استثمار الموارد، وفي كثير من المناسبات تمت الدعوة للتشاركية. لم يكن هناك أي دعوى للخصخصة لا من قيادة الدولة ولا من حكوماتها، فلا أحد يستطيع بيع ممتلكات الشعب أو التنازل عنها. فقد حرص التوجيه الرئاسي أن يكون شفافاً جداً بهذا الشأن، فهو يترجم الدستور لجهة الإدارة وسلامة استثمار المؤسسات والموارد، ولم يدعُ لبيعها والتنازل عنها، فالخصخصة الكاملة تستوجب استفتاء الشعب بحسب المادة 126 من الدستور، على اعتبار أن هذا الأمر يتصل بالمصالح العليا للبلاد. وبناء عليه فالتوجه إلى الليبرالية يعتبر مخالفاً للدستور ولمبادئ الحزب الحاكم المسؤول عن وضع السياسات العامة للدولة.
الانتقال الاقتصادي في سورية سيكون بإطار الخصخصة الجزئية وهي: نقل أعمال أو نقل جزئي للممتلكات إلى القطاع الخاص مع احتفاظ الحكومة بجزء من هذه الممتلكات كشريك، وقد يكون هناك أو لا يكون تنازل عن حق إدارة هذه الممتلكات، أو ضمن شروط معينة تخص العمالة ورأس المال والإدارة.
وما يثبت ذلك هو قيام السيد الرئيس وبشكل مسبق بإصدار قوانين تنفي الانتقال للخصخصة أو الليبرالية إن صح التعبير والقوانين هي:
القانون رقم 3 لعام 2024 الخاص بـإحداث الحوكمة وإدارة الشركات المساهمة العمومية والشركات المشتركة.
المادة 2 من القانون 3 تقول بوضوح: يهدف هذا القانون إلى الإسهام في تنمية القطاع العام الاقتصادي من خلال تنظيم إحداث الشركات المساهمة العمومية القابضة والشركات المشتركة والشركات المساهمة العمومية.
القانون رقم 40 لعام 2023 الذي يجيز تأسيس شركات مساهمة مغفلة مشتركة تعمل في مجال القطاع الزراعي بشقية النباتي والحيواني.
لا بد من الإشارة إلى أن الدستور والقوانين والتوجيهات العليا للدولة لا تشير إلى التوجه الكامل للخصخصة، وبالتالي كل أعمال الحكومة وإجراءاتها تخضع لأحكام قانون ودستور، وبالذات بالنسبة لممتلكات الشعب الذي دعا الدستور لحمايتها من قبله.
إضافة لكل هذا لا يمكن أن ترسم السياسات العامة للدولة بهذا الصدد بإطار مراعاة وفاق واشنطن Washington consensus الذي يدعو إلى خصخصة القطاع العام وانسلاخ الدولة عن الاقتصاد والاعتماد الكلي على القطاع الخاص. لهذا يجب أن يكون واضحاً للحكومة التي تعتبر مسؤولة عن تنفيذ السياسات، وبالتالي وضع سياسات الوزارات أن تتلافى طروحات وآراء من يؤمنون بأن السوق هو النموذج الوحيد لتحقيق النمو والتوظيف الأمثل لعوامل الإنتاج، ما يؤدي إلى اقتصاد ريعي استثرائي لا يحقق أي نمو متوازن أو مستدام، على الرغم من أن هذه السياسات تحقق نتائج في تخفيض وتقليص عجز الموازنة ومعدلات التضخم، كل هذا يكون ظاهرياً، حيث تكون المؤشرات غير صحيحة وتنعدم الحوافز لتخصيص الموارد بشكل أمثل.
من يعيد قراءة التوجيه الرئاسي وما سبقه من اجتماعات مع اللجنة المركزية للحزب ومع المتخصصين الاقتصاديين، سيلمس بشكل واضح أن ما جرى من نقاش بخصوص الاقتصاد السوري وعملية الانتقال المطلوبة جميعها كانت بإطار المادة 14 من الدستور. فالسيد الرئيس لم يدع لتغيير جذري للاقتصاد، ولم يطلب عقداً اجتماعياً جديداً، فهذا العقد يحكمه الدستور أيضاً.
كل ما هو مطلوب هو انتقال اقتصادي لجهة الاستثمار الأمثل للموارد والممتلكات بالتشاركية مع القطاع الخاص من دون إغفال مشاركة كل الشرائح الاجتماعية من خلال شركات مساهمة.. تطوير الإدارة والدعوة لتطوير القطاع الخاص للنهوض بمهامه الاقتصادية. لهذا علينا التوقف عن إطلاق توقعات غير عقلانية مخالفة للدستور والمنطق، علينا الدعوة للتعاون بضمير من أجل بلدنا.