ترامب والاقتصاد الأميركي «1»
|د. علي محمد
أُسدل الستار على نتائج الانتخابات الأميركية التي جرت بتاريخ 5 تشرين الثاني بعد احتدام المنافسة فيها بين دونالد ترامب الجمهوري وكاميلا هاريس المرشحة عن الحزب الديمقراطي، والتي انتهت بفوز ترامب بولاية رئاسية مدتها 4 سنوات سيركز فيها على تنفيذ خططه الاقتصادية المتمثلة بتخفيض الضرائب وفرض رسوم جمركية مرتفعة استمراراً للحرب التجارية التي كان ترامب عرّابها في عام 2018، وغيرها من السياسات التي ستدعم النمو الداخلي وتؤدي إلى تحسين أداء البورصات الأميركية حسبما صرح به ترامب (والتي ارتفعت بالفعل خلال يوم إعلان النتائج بنسبة قاربت 3 بالمئة)، إلا أن هذه السياسات الاقتصادية تحمل أيضاً مخاطر تضخمية مترافقةً مع زيادة العجز المالي نتيجةً لخسارة إيرادات الضرائب وارتفاع الإنفاق على دعم الصناعات، إضافة إلى تأثيرها المتوقع في سعر الفائدة والدولار الأمريكي (والذي ارتفع بالفعل مقابل سلة العملات بنسبة 1,61 بالمئة عند إعلان النتائج).
فالرئيس المنتخب يدعم خفض الضرائب، بما في ذلك ضريبة الشركات ما قد يؤثر بشكل إيجابي في أسهم الشركات الكبرى ويعزز ثقة المستثمرين ولاسيما شركات التكنولوجيا التي ستستفيد من السياسات الضريبية الجديدة التي تسمح بزيادة الاستثمار في الابتكار.
وبنفس الوقت يسعى الرئيس ترامب إلى زيادة الرسوم الجمركية على بعض المنتجات والمستوردات ما قد يُحدث أيضاً ضغوطاً تضخمية وخاصةً في الصناعات المعتمدة على المستوردات سواءً مواد أولية أو نصف مصنعة أو مصنعة، كما أن رفع الرسوم الجمركية قد يعطل سلاسل الإمداد ويزيد التكاليف على الشركات كقطاعات التكنولوجيا والسلع الاستهلاكية التي تشكل جزءاً مهماً من الاقتصاد الأميركي، وكذلك قد يسبب تقلبات في الأسواق نتيجةً لتعديل المستثمرين توقعاتهم بشأن التضخم المتوقع.
ومن ناحية أخرى، فقد أعلن ترامب توجهه لخفض التنظيمات الفيدرالية الأمر الذي يمكن أن يعود بالفائدة على الشركات الصغيرة التي تواجه غالياً أعباءً تنظيمية أكثر من الشركات الكبرى ما يعزز من الابتكار وتعزيز ريادة الأعمال والاستثمار بشكل عام.
وبناءً على ذلك، فإن سياسات ترامب المتمثلة بخفض الضرائب وزيادة الإنفاق العسكري ورفع الرسوم الجمركية قد تسهم في زيادة عجز الموازنة العامة الأميركية ونمو الدين العام على المدى الطويل، ما قد يؤثر في أسعار الفائدة والاستقرار الاقتصادي وقوة الدولار الأميركي في آن، فوفقاً للتقديرات، قد تسهم سياسات ترامب برفع الدين العام بمقدار 7,75 تريليونات دولار خلال الفترة من عام 2026 إلى عام 2035، مع احتمال زيادة هذا المبلغ بشكل أكبر بناءً على التنفيذ الكامل لخططه، وبناءً عليه، من المتوقع أن يرتفع الدين العام إلى 143 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2035، وقد يصل العجز السنوي إلى 9,7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2035، وهو زيادة كبيرة مقارنةً بالتوقعات الحالية البالغة 6,5 بالمئة من الناتج بحلول عام 2035.
وعلى الرغم من توجه البنك الفيدرالي لخفض سعر الفائدة وفق ما يقوم به مؤخراً، إلا أنه في حال تم تنفيذ سياسات الرئيس ترامب كاملةً، فقد تضغط هذه السياسات على الاحتياطي الفيدرالي لرفع أسعار الفائدة للتعامل مع التضخم المتزايد المحتمل، وهو ما قد يؤثر في الاقتصاد الأميركي بشكل عام، ما يتسبب في إعادة تقوية الدولار الأميركي، وبنفس الوقت سيكون لرفع الرسوم الجمركية أثر في زيادة تكاليف الاستيراد، ما يزيد هو الآخر من ضغوط التضخم ويزيد من تعقيد القرارات الاقتصادية التي قد يتخذها البنك الاحتياطي الفيدرالي.
بشكل عام، إن فوز ترامب وتنفيذ سياساته الاقتصادية التي أعلنها في برنامجه الانتخابي سيؤثر في المستقبل القريب في أسعار الفائدة والدولار الأميركي ومؤشرات السياسة المالية الأميركية شريطة تفاعل الجمهور والمستثمرين مع هذه الخطط.