إشراقات

رؤى حول تشجيع التصدير

د. عابد فضلية
كلية الاقتصاد-جامعة دمشق

إن تسهيلات التصدير في سورية كثيرة، بسيطة وسهلة ومشجعة «نظرياً»، لذا فإن لب المشكلة يكمن في المعوقات والممارسات التنفيذية التي تحدث على أرض الواقع «ولو أنها أحياناً فردية» وذلك أمام السلع المرسلة للتصدير، بدءاً من باب مستودع المنتج وصولاً إلى الحدود التي تخرج منها الصادرات، فقد رأينا صوراً يومية، كيف قام بعض العناصر التفتيشية الرسمية بنبش وتشويه عبوات السلعة التصديرية «من الفاكهة مثلاً» إلى حد تخريب توضيبها والإضرار بها.. هذا من جهة، ومن جهة أخرى هناك مصاعب «خارجية سياسية وغير سياسية» تعوق تصدير المنتجات السورية، مثل الضغوط الأميركية والغربية على بعض الدول لدفعها أحياناً لتأخير الشحنات التصديرية على الحدود «مع الأردن مثلاً» أو منع دخول شاحنات الحمضيات إلى مصر.. عدا المصاعب الأخرى الناتجة عن الحصار والعقوبات..
ومن جهة أخرى لا يمكن أن يكون التصدير ناجحاً إلا إذا كانت المنتجات التصديرية تصديرها يغطي احتياجات السوق الداخلية «كماً ونوعاً».. مثل زيت الزيتون في هذا الموسم، الأمر الذي يعني أن الأهم بالدعم هو تدوير عجلة الإنتاج المحلي «السلعي» لتدور بصورة كافية حيث لا توجد سلعة يمكن تصديرها قبل أن تكون «كافية» وجديرة «داخلياً» لتكون بعد ذلك جديرة للتصدير نحو الخارج.
بعض المصاعب الأخرى في التصدير، الجهات الحكومية تمنع أحياناً تصدير بعض أنواع السلع بحجة حاجة السوق المحلية إليها، وهذا خطأ، لأن النجاح بتصديرها يشجع على تطويرها وتحسينها.. لتصل يوماً ما إلى المستوى المناسب والكافي داخلياً والجاهز للتصدير خارجياً.. حيث إن تدوير عجلة الإنتاج بصورة فاعلة من شأنه كتحصيل حاصل أن يشجع على التصدير ومن شأنه أيضاً كتحصيل حاصل أن يسهم في تطوير المنتج كماً ونوعاً.. أي يصبح أكثر قدرة على المنافسة الخارجية وخاصة بالنسبة للمنتجات ذات الميزة النسبية والمطلقة.
وكمثال حول طبيعة المواد والسلع التصديرية، فإن البعض يطالب بعدم تصدير المواد الخام «بالمطلق» و/أو السلع نصف المصنعة، مقابل وجوب إتمام تصنيعها لتحقيق القيمة المضافة، أي تصديرها جاهزة، وهذا قد لا يكون مجدياً ولا ممكناً في العديد من الحالات، لأن من أحد أسباب قدرتنا على التصدير أن بعض صادراتنا مواد أولية أو نصف مصنعة، وألا يستطيع المستورد أن يستورد من مثل هذه السلع الجاهزة من دولة أخرى «قد تكون أفضل وأرخص».
وعموماً، لنركز على تصدير المنتجات الزراعية؛ النباتية والحيوانية.. وخاصة إلى دول الخليج التي تستسيغ المنتج السوري، ولنركز أيضاً على المنتجات النسيجية، والحرف اليدوية التي لا منافس قوياً لنا بها.. ولكن بالمقابل يجب «قدر الإمكان» أن تكون عقود التصدير بموجب عقود طويلة الأجل.. وهذا غير ممكن دائماً للمصدّرين السوريين، حيث إن الجهات الحكومية تسمح فجأة بتصدير سلعة ما، ومن ثم تمنع «فجأة» تصديرها لسبب ما، الأمر الذي يفقد الثقة على الالتزام بين المصدّر السوري والمستورد الخارجي، الأمر الذي يعني توجب أن تكون السياسات والتشريعات التصديرية ليست آنية، بل ثابتة، مستقرة، نافذة على المديين المتوسط والطويل «لا تقل عن 5 سنوات» ليتمكن المنتج «و/أو المصدّر» الالتزام و/أو التوريد للمستورد الأجنبي بموجب عقد طويل الأجل «وهذه ناحية شديدة الأهمية».
ولتحييد المفاعيل السلبية «العامل السياسي» المحتملة في التجارة الخارجية السورية، يجب «قدر الإمكان» عدم إعطاء عملية التصدير طابعاً حكومياً رسمياً، كما يجب أحياناً استغلال الطريق الثالث للتصدير «سورية- لبنان» / «لبنان- مصر على سبيل المثال».
عموماً توجد العديد من العوائق والإجراءات والسلوكيات المعوقة، تتمثل غالباً في منح الموافقات و/أو بشروط وإجراءات الشحن «حواجز، ودوريات جمركية ومرورية على الطرقات الداخلية، في الموانئ والحدود/ وممارسات بعض المخلّصين الجمركيين».
وفي الختام، نشير إلى أن المنطق الاقتصادي يتطلب التركيز على دعم «المنتج» و«الإنتاج التصديري»، وليس فقط «المصدّر» وذلك من خلال توفير مدخلات الإنتاج بأسعار ليست احتكارية، وإتاحة خدمات البنية التحتية للمرافق الاقتصادية الإنتاجية، مع التركيز أيضاً على دعم بعض أنواع الصادرات مالياً «كنسبة مئوية»، كما الأمر في الكثير من دول العالم، بما فيها التركية والأوروبية.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى