شؤون محلية

الأجهزة الرقابية وحماية المال العام.. اقتراح لتأسيس موقع إلكتروني حكومي لتأمين احتياجات القطاع العام من المشتريات.. أسوأ ما يحصل في القطاع العام أن السرقات لا تظهر إلا بعد تجاوزها المليارات..!

|بارعة جمعة

كثيراً ما نقرأ عن خبر إعفاء مدير من منصبه لضعف الأداء، كما أن التساؤلات التي تثار حول تعريف هذا الضعف كثيرة، وسط حالة من التراجع بالعمل في المؤسسات عامة، ولاسيما الأجهزة الرقابية لديها، ليبدو أن تداول خبر السرقات وضبط العديد من الذين امتهنوا الفساد بتهم واضحة، بات يمر مرور الكرام على آذان المتلقي، ليقينه التام بحدوث حالات كثيرة، استدعت وجود الرقابة بكل مؤسسة.
إلا أن لجنوح الأجهزة الرقابية عن القيام بدورها بشكل فاعل تساؤلات أخرى، جعلت المراقبين للواقع الاقتصادي أكثر معرفة بحيثيات عملها ونقاط ضعفها التي أخذت بالمؤسسات كافة لحالات فساد موصوفة وموثقة في كثير من الأحيان.

مشكلة متجذرة

قبل النظر لواقع النتائج الكارثية الظاهرة الفساد بمؤسساتنا الحكومية، لا بد من التوجه للسبب الأساس لنشوء هذا السلوك غير القانوني، لكون البحث بالأسباب أكثر جدوى من علاج النتائج برأي الخبير الاقتصادي عامر ديب، الذي وجد بالظاهرة أمراً متجذراً يصعب علاجه بالكامل، داعيا للحد منه عبر حديثه للاقتصادية بوسائل عدة، أبرزها النظر لسبب السرقة وهو تحصيل المال، بهدف تحسين الواقع المعيشي الذي بات صعباً للغاية، حيث إنه لا يمكن حل الفساد وتطبيق الرقابة دون علاج الإطار المحيط به، وعلى رأسها التشريعات، ووضع إستراتيجيات عمل تحد من الفساد، أي علاج السبب المؤدي للفساد بزيادة الرواتب وضبط الأسعار وفق المرسوم رقم (8) وتعديل آلية العمل به، وتشجيع المشاريع الاستثمارية إضافة لمراقبة العرف السائد بالعمل.
فالحل برأي الخبير ديب يكمن بإيجاد إستراتيجيات لإدارة العمل والحد من الفساد ودعم الموظف بعيداً عن الراتب، لكون زيادة الرواتب صعبة ومرهقة في يومنا هذا، ولجم التضخم إضافة لحل أبرز مشاكله وهي مشكلة النقل.
كما يختلف علاج الفساد برأي ديب وفق نشاط كل مؤسسة وإستراتيجياتها، ليبدو الوضع المعيشي الصعب الدافع له بأغلب الأحيان، لذا ينبغي الحد منه، لأن من الصعب علاجه جذرياً، حيث إنه لا يمكن لأي دولة القضاء عليه، لكنها قادرة بالوقت نفسه على دعم الموظف وبطرق مختلفة.

سبب مباشر
كثيرة هي الأقاويل التي ترافق عمل عناصر الرقابة، فيما يبدو الخلل الأساس بزيادة نسبة السرقات عامة، هو جهاز الرقابة ذاته، وفق توصيف الخبير الاقتصادي عبد الرزاق حبزة، واصفاً من خلال حديثه لـ«الاقتصادية» ما يسمى مديرية الرقابة الداخلية بكل وزارة أو مؤسسة من حيث تبعيتها المالية والإدارية بأنها مسيّرة تبعاً لأهواء الجهة القائمة لديها، ما يحدّ من أعمالها، في وقت من الواجب أن تتبع مباشرة إلى الهيئة العامة للرقابة والتفتيش.
كما أنه في النظر لأسباب شذوذ هذه الجهات عن عملها الذي وجدت لأجله، سنجد بأن مسألة التعويضات الممنوحة لهذه الجهة قليلة جداً برأي حبزة، ناهيك عن التهميش الكبير لعمل الجهاز الرقابي، والحد من صلاحياته، آخذاً من تجربته في هذا المجال وبحكم عمله سابقاً ضمن مديرية الرقابة الداخلية لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك ضمن الشركة العامة المطاحن، مثالاً لما يحدث على أرض الواقع، حيث يتم عادة تهميش المواضيع التي تم تحويلها للرقابة من المدير أو اتباع أسلوب الانتقائية لها.
يضاف لذلك، مسألة الجولات الدورية ضمن خطة الرقابة السنوية، التي لا تعطى أهمية ولا يتم تنفيذها أيضاً، وإن تم التنفيذ فهو شكلي، ولايوجد أي توسع فيه، ما جعل أعداد العاملين بالرقابة قليلاً جداً، عدا انتشار حالة من العزوف عن العمل بهذا المجال من المراقبين أنفسهم، لضعف المردود المادي وغياب أي حوافز مكافآت تذكر.

تراجع الدور الرقابي
هو عمل ليس بالسهل، ويتطلب آليات رقابية ينبغي أن يتم تخصيصها للرقابة، وهو أمر تفتقد له للأسف، حيث إن المراقب اليوم يضطر لأخذ سيارة من الجهة التي يتابع ويدقق عملها، ما يعوق العمل نفسه.
أما عن حال التقارير الرقابية، فهو ليس بأفضل، حيث لا مكان لمتابعتها، عدا الروتين الذي يستغرقه التقرير لحين البت به، بدءاً من مطالعة المدير له، ومن ثم تحويله إلى الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، التي ينبغي أن تدرسه بدقة، والانتباه للإشارات غير الواضحة وفق حبزة، واصفاً جولات الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش إضافة للرقابة الداخلية بأنها شكلية بالأغلب، إضافة لعدم الأخذ بالشكاوى واعتبارها كيدية بأغلب الأحيان.
إلا أن كل ذلك يمكن تجاهله قليلاً برأيه، أمام حال الرقابة المحاسبية والمستودعية، التي من المفترض أن تتم بوقتها دون أي تأخير، مشترطاً وجود أفراد ضمن جولات خاصة وموسعة للوضع المالي، وأن تكون عملية التدقيق كبيرة عبر تدقيق بيانات أكبر، مبيناً الثغرة الأكبر في العمل هنا وهي عدم وجود أجهزة رقابية كافية، ليبدو أن الجرد الفعلي على المستودعات يمر مرور الكرام ضمن عينات بسيطة، وهو خطأ كبير.
وهنا يطالب حبزة بضرورة تعميق الرقابة على لجان المشتريات والشراء، حيث إن ما يتم العمل به هو إلغاء المناقصات والإجراءات المركزية واعتماد العقود بالتراضي بالاتفاق بين التاجر والجهة الموردة، هي حالة – والحديث الخبير الاقتصادي عبد الرزاق حبزة- لمسناها مع جهات خاصة، ضمن تعاقدات الاكساء وتحديث بعض مناطق الإنتاج إلا أن هذه العقود لا تأخد المنحى الذي نريده.
وهو ما يفرض برأيه أن تكون تبعية الجهات الرقابة للهيئة المركزية للرقابة والتفتيش بشكل مباشر ومستقل، مطالباً بالحد من تسلط الجهاز الإداري على الرقابة الداخلية، ودعم الجهات الرقابية الآليات والحالة المادية وتخصيص آلات ومكان إقامة لهم بعيداً عن أي حاجة لجهة أخرى، مشيراً إلى أن الحالة المهنية للمراقبين، التي تبدو ضعيفة جداً، لعدم اعتماد اختصاصات مناسبة بتعيينهم وضمن الكفاءة العالية، وأن ما يحصل اليوم من فساد هو نتيجة عدم كفاءة الأجهزة الرقابية، مع الإشارة من حبزة إلى أن مسألة البت بشكل فوري بالتقارير الواردة للهيئة المركزية للرقابة والتفتيش ليس بالسرعة المطلوبة، ووجود تجربة سابقة ببقاء التقارير أكثر من شهر دون النظر إليها، وهو ما يدل على البطء بعمل هذه الجهة.

اكتشاف متأخر

إن أسوأ ما يحدث بالقطاع العام هو أن الاختلاسات لا يتم اكتشافها إلا عندما تصبح بالمليارات، توصيف لحال المؤسسات الحكومية، وما تعانيه من تراجع بأداء الجهاز الرقابي، الذي غالباً ما يكشف أن الأغلبية هم متورطون فيها، عرضها الخبير الاقتصادي جورج خزام في حديثه مع «الاقتصادية»، مبيناً أن الأكثر سوءاً بالأمر هو استغراق الأمر فترة طويلة للتحقيق، رغم اكتشاف تورط الجميع بنهب المال العام، عبر استخدام العلاقات الشخصية للإفلات من إدانة اختلاس المال العام.
كما انتقد خزام مبدأ التعامل مع هذه الحالات، التي غالباً وبالرغم من ثبوت الإدارة بها لا يتم استرجاع كامل الأموال التي تم اختلاسها، حتى إن الأموال التي يتم تحصيلها تكون لأرقام وحسابات قديمة، عدا تهديد الجهات الرقابية في حال كان المتورط بشبهة السرقة من أصحاب النفوذ، ما قد يضطر إلى التنازل عن حق استرجاع المال العام.
هنا يجدد خزام دعوته الجهات المعنية إلى إعطاء الحصانة المطلقة لأعضاء أجهزة الرقابة المالية، حيث يتمتعون بحصانة الوزير نفسه، وألا يتم نقل أي منهم إلا بقرار من رئيس مجلس الوزراء شخصياً، حيث إن أكثر ما يساعد المختلس بسرقة المال العام هو الحسابات الدفترية التي يسهل التلاعب المالي والكمي فيها.
وعليه يجب تأسيس حسابات ضمن برنامج محاسبي موحد لجميع القطاعات الحكومية الإنتاجية والخدمية مع الربط الإلكتروني للأجهزة الرقابية المختصة، حيث يتم مراقبة جميع الحسابات من مركز واحد في دمشق مثلاً لجميع القطاعات المنتشرة في كل المدن.

حل فوري
يأتي هذا الاقتراح وفق خزام كأحد الحلول لتخفيض الاختلاس وليس لمكافحته بشكل نهائي، عبر تأسيس موقع إلكتروني حكومي لتأمين احتياجات القطاع العام من المشتريات مع تحويل المناقصات بالظرف المختوم إلى مناقصات علنية التي هي وسيلة لقبض العمولات من لجان فض العروض.
يضاف لذلك محاسبة كل من ثبت تورطه بسرقة المال العام بأحكام عرفية قاسية بالسجن الطويل مع تحميله تكاليف الإقامة بالسجن أو حتى بالعقوبة القصوى بساحة المرجة علنياً، ليكون عبرة لمن سيأتي بعده.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى