البحث عن الموارد!
|عامر إلياس شهدا
أتمنى على أحد أعضاء الحكومة أن يقرأ هذه الزاوية، ودافعُ هذا الطلب هو تكرار توصيف حالة الموارد العامة للخزينة، وآخرها كان في اجتماع الثلاثاء الماضي حيث رشح عن الاجتماع / هناك واقع حكومي صعب يتمثل بالعجز المالي المتراكم والذي تزداد صعوبته يوماً بعد يوم، وتضمن هذا الحديث طرحاً يقول: أن الهدف النهائي من رفع أسعار المازوت هو زيادة كفاءة الإنفاق العام وتقليص العجز/ انتهى الاقتباس.
إن تكرار التوصيف من دون طرح حلول يشير إلى نوع من الرضوخ للأمر الواقع، وهذا مرفوض ويفرض واجبات على كل مهتم بالشأن الاقتصادي والمالي أن يشترك بإيجاد الحلول ويتقدم بالمقترحات، فالحلول لمثل هذه المشكلات لا تعتبر مسؤولية الحكومة بشكل منفرد وإنما مسؤولية الجميع، ومن واجب الحكومة بهذه الحالة أن تقرأ وتسمع ما يطرح وتفتح أبواب الحوار خارج إطار الفكر الحكومي.
في الواقع هناك مؤسسات خدمية حكومية تعاني ترهلاً في إداراتها وموظفيها، إضافة إلى سياسات بالية لا ترتقي لمستوى تطور المؤسسات نفسها في بلدان أخرى رغم أنها تؤدي المهام ذاتها.
هذه المؤسسات تحولت إلى دكاكين تستثمر من موظفيها، فالدولة تنفق لبناء المؤسسة وتجهيزها، ومجموعة من الموظفين تجني ريع هذا الاستثمار بطريقة مخالفة للقانون.
ما أكتبه هو نتاج تجربة شخصية خضتها منذ أشهر عندما قمت بتجديد شهادة السواقة، حيث دخلت النافذة الواحدة بالمرور ومررت على ثمانية مكاتب، وكل مكتب كان يطلب مني مبلغاً من المال وكنت أستجيب وأدفع ظناً مني أنها رسوم، إلا أنني في النهاية حصلت على إيصال دفع بـ٢٨٠٠ ليرة من مكتب المالية وإيصال آخر بمبلغ ١٠٠٠٠ ليرة قيمة صور، إلا أن مجموع ما دفعته هو ٦٠ ألف ليرة، أي أن هناك ٤٧٢٠٠ ليرة ذهبت لجيوب القائمين على العمل. أعتقد أن مواردهم تفوق موارد الرسوم التي تتقاضاها الدولة، فإذا تم سنوياً تجديد مليون شهادة سواقة بالأسلوب نفسه -وأعتقد أنها حالة عامة وليست خاصة -، سنجد أن هناك فوات موارد على خزانة الدولة سنوياً بمقدار 47,200,000,000 ليرة سورية.
نحن لا نطالب الحكومة بقوننة الفساد، وإنما نشير إلى ضرورة استثمار مؤسسة حكومية تتمكن من تحويل هذه الموارد لخزانة الدولة.
كنت بزيارة لألمانيا ودخلت مؤسسة البريد ووجدت ضمن هذه المؤسسة ستاند بروشورات عنها، ذكر فيها أن المؤسسة تصدّر يومياً ٦١ مليون رسالة موجهة لمؤسسات الدولة بمعظمها تخص معاملات مشابهة لمعاملات النافذة الواحدة في سورية، هذه الرسائل تحقق موارد للخزينة العامة وصلت إلى ٦٥ مليار يورو سنوياً، وحققت أكثر من ٢ مليار عملية دفع إلكتروني، كما حققت للمصارف موارد رفعت من قدرتها على تمويل مشاريع تنموية.
عدت لسورية وأنا أفكر بالأمر وبدأت البحث عن أرقام تمكنني من إجراء مقاربة حسابيه. قرأت عن خدمات النافذة الواحدة وورد في معرض ما قرأت تصريحاً لإدارة النافذة الواحدة في دمشق تقول فيه: أنها أنجزت ٨٦٥ ألف وثيقة خلال العام. زرت موقع مجلس مدينة حمص لأصل إلى رقم وسطي، وجدت إحصائية عن الربع الأول لعام ٢٠٢٤ ذُكر فيها أن عدد الوثائق الصادرة خلال ثلاثة أشهر بلغ ٦٤٣٠٠ وثيقة. ثم قرأت تصريحاً لمصرف سورية المركزي يقول إنه تم فتح 1،100 مليون حساب لاستقبال الدعم النقدي، وهناك توقع بأن يفوق عدد الحسابات الجديدة ٢ مليون حساب. بعدها تمكنت من الوصول إلى ميزانيات شركات النقل ومكاتب الحوالات، ووجدت أن هناك أرقاماً كبيرة جداً محققه كموارد من عمليات نقل الرسائل والطرود. تخيلت أن تقوم مؤسسة البريد بهذه العمليات عن طريق المراسلة، وبحساب سريع وبسيط وجدت أننا لو قمنا باستثمار مؤسسة البريد بشكل مدروس وصحيح ووضعنا لها سياسات حديثة، فهذه المؤسسة ستحقق موارد تمكّن الحكومة من تقليص العجز بمقدار 1,5 ترليون ليرة سنوياً وبشكل متصاعد كل عام كما تمكنها من زيادة الرواتب.
أتقدم من حكومة السيد الجلالي باقتراح أن يتم تحويل مؤسسة البريد إلى شركة مساهمة عامة مغفلة. شركاؤها الإستراتيجيون شركات النقل وشركات الحوالات. وفق القانون رقم ٣ لعام ٢٠٢٣. فشركة كهذه إذا بنيت سياساتها بشكل صحيح ستحقق موارد تفوق موارد استثمار أملاك الدولة، وتساعد بشكل كبير في تقليص العجز والحد من التضخم وتوفر ملايين من لترات المازوت المستهلك بوسائل النقل وتحدّ من الفساد، كما تحدّ من التلاقي الفيزيائي بين المواطن والموظف، وتخلق كمّاً كبيراً من فرص العمل، وتضمن تطبيق القانون بشكل سليم. إذا وجدت الإرادة للشروع بمشروع كهذا فيَدنا ممدودة للمساعدة في كل الدراسات المطلوبة مجاناً.