كي لا تفشل مشاريع الشباب
|د. علي محمد
يعيش المجتمع السوري بلا شك في ضائقة اقتصادية كبيرة جداً نظراً للكثير من الأسباب التي أفرزتها الحرب منذ 13 عاماً لغاية اليوم، وإن اختلفت تلك الأسباب شكلاً من عسكرية أمنية إلى اقتصادية مؤخراً، ما أرخى بظلاله على معيشة السوريين الذين تقبع نسبة كبيرة منهم تحت خط الفقر، معانين من انعدام أمنٍ غذائي مترافق مع انخفاض القوة الشرائية لدخولهم المنخفضة أساساً نتيجةً للتضخم الذي يضرب الاقتصاد السوري ونتيجةً لانخفاض سعر صرف الليرة السورية على مر عمر الحرب أيضاً، إضافة إلى انخفاض الإيرادات العامة للدولة.
ونظراً لذلك، فإن التوجه الشعبوي أضحى يتزايد في محاولة خلق مشاريع أو أعمال جانبية تدرّ دخلاً للأسرة السورية تساعد في سد رمق الاحتياجات اليومية، وأضحى الفكر الاستثماري (ولو بالحد الأدنى) هو الصفة الغالبة لدى معظم الشباب الذين لم يتمكنوا من السفر خارجاً (أو لديهم ظروف تمنعهم من ذلك)، أو ممن يتمسك بالبقاء في الوطن والعمل به، وأصبح هذا الفكر يبحث عن إنشاء مشاريع صغيرة أو متناهية في الصغر في شتى المجالات متأملاً بالكلام الحكومي عن أن هذه المشاريع ستتلقى كامل الدعم لكونها عماد الاقتصاد السوري منذ الأزل.
وفي هذا الصدد، فإن الحديث الدائر الذي يحبط آمال الشباب يتعلق بالمشكلة التمويلية لهذه المشاريع، وهي بلا شك مشكلة قائمة بذاتها، لكن يجب ألا تكون العامل الوحيد المسبب لإحباط أفكار الشباب السوري، حيث يجب توافر الوعي الكامل لدى رواد الأعمال الشباب بأن إخفاق أي مشروع ناشئ لا يقتصر على نقص التمويل بحسب دراسات إحصائية عالمية، بل يعود لجملة من الأسباب يأتي نقص التمويل أقلها تأثيراً سلبياً، فوفق إحصائية للمستثمر Bill Gross صاحب شركة Idealab شملت أكثر من 100 شركة على مدار 20 عاماً، تبين أن أسباب إخفاق الشركات الناشئة هي نقص التمويل (14 بالمئة)، ثم هشاشة نموذج الأعمال Business Model (24 بالمئة)، تلاها ضعف فكرة المشروع (28 بالمئة) ثم عدم تماسك الفريق (32 بالمئة)، على حين كان أهم العوامل المؤثرة لفشل هذه المشروعات هو التوقيت الخاطئ لبدء المشروع (42 بالمئة).
ما يعني أن المشكلة التمويلية «وإن كانت من أسباب الفشل لبعض المشاريع»، إلا أنه من الواجب التأكد من صحة توقيت المشروع وقابلية السوق للتفاعل مع فكرته من خلال القيام بمجهود تسويقي مهم دون الاتكال على الارتباط العاطفي بفكرة المشروع فقط، فالمُنتَج أو الخدمة ومهما كانت جودتها وميزاتها تحتاج إلى التسويق والترويج الجيد سواءً في الأسواق أم في المعارض، وحتى في الإعلام، وعند الحديث عن الإعلام أعتقد أن إطلاق برامج تلفزيونية تختص بتسليط الضوء على بعض هذه المشاريع المنتجة لبعض أصناف السلع، أو المشاريع المقدّمة لبعض أنواع الخدمات هو أمر مفيد جداً يسهم بشكل أو بآخر بإيصال صورة جيدة عن هذه المشاريع ويخلق لها رافداً تسويقياً إضافياً وسهولةً في نفاد السلعة وقناةً بيعية مهمة لها، ما يسهم بشكل أو بآخر في تطور المشاريع وريادتها.
كما أن فكرة التشبيك مع المشاريع الأخرى (من خلال راعٍ حكومي/ خاص لذلك)، قد يحقق نوعاً من التكامل بين المشاريع ويصبح بوابةً لتنشيط كل المشاريع المتشابكة، وفي هذا الصدد، لا يمكن إغفال الدور الحيوي المهم الذي يجب أن تلعبه هيئة تنمية المشروعات وهيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات لجهة وضع الحجر الأساس لهذه المشاريع لتصبح لديها القدرة العلمية والعملية لتصدير فوائض منتجاتها، وذلك بعد الترويج الصحيح لها وممارسة جميع سياسات التصدير الناجح سواءً من حيث الإنتاج المطابق لمعايير الجودة أم التعبئة والتغليف أو أسلوب وإستراتيجيات تقديم الخدمة، انتهاء بالترويج وتنفيذ سياسات البيع.
وعطفاً على ذلك نقول: إن سورية بحاجة إلى مشاريع جميع أبنائها ومن دون هذه المشاريع فلا قيامة اقتصادية للبلد، فالرقم الذي يتم تداوله عن أعداد هذه المشاريع في دمشق وريفها مثلاً والبالغ 600 مشروع (بخلاف المشاريع المنضوية في اقتصاد الظل) لهُوَ مصدر تخوّفٍ من أن بعض هذه المشاريع يتعرض بالفعل لفشل في انطلاقته، ما يحتّم جعل مكافحة إخفاق مشاريع الشباب ورواد الأعمال أولوية قصوى للحكومة الجديدة.