ما انعكاس رفع سعر المازوت على الزراعة؟.. المنتجون الصغار مهددون بالخروج من السوق.. السلوم لـ«الاقتصادية»: سيترك زيادة كبيرة في التكلفة الكلية للإنتاج ويقلص هامش الربح بشكل حاد
|هني الحمدان
تأتي خطوة اتخاذ قرار رفع سعر المازوت الزراعي في وقت حساس للغاية بالنسبة للمزارعين، الذين يعتبرون المازوت شريان إنتاجهم الرئيس. القرار أثار جدلاً واسعاً، حيث يرى كثيرون أن هذا التحرك سيلقي بظلال ثقيلة على الزراعة، ويهدد استمرارها في ظل التكاليف المتصاعدة.
صوت حال المزارعين
نحن بحاجة إلى سياسات اقتصادية تحفظ حقوقنا، وتراعي واقعنا، وتضمن لنا مواصلة العمل في الأرض، فهي ليست مجرد مهنة، بل رسالة ومسؤولية، والأرض تزرع لتطعم الجميع، لسان حال بعض الفلاحين..!
إننا نجد أنفسنا في مواجهة تحديات جديدة تضاف إلى أعبائنا المتراكمة. هذا القرار برفع أسعار المازوت من 2000 ليرة إلى 5000 ليرة لليتر يمثل ضغطاً مباشراً على القطاع الزراعي. نحن، الذين نتحمل التكاليف المرتفعة من أجل استمرارية زراعة الأرض وإنتاج الغذاء، نجد أنفسنا اليوم أمام معضلة يصعب معها تحقيق الاستدامة.
المزارع يعتمد على المازوت في كل خطوة من خطوات الزراعة؛ من تحضير الأرض للزراعة، إلى الري والنقل، وحتى الحصاد. إن أي زيادة في سعر المازوت ستنعكس فوراً على تكاليف الإنتاج، وستجعل هوامش الربح شبه معدومة. وبدلاً من أن نسهم في تعزيز الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي للبلاد، سنواجه تحديات تهدد بقاءنا في هذا المجال، وقد يُدفع الكثيرون منا لترك الزراعة، لأن تكاليفها باتت تفوق عوائدها.
ارتفاع تكاليف الإنتاج المباشرة.
حول واقع وأثر القرار بين الباحث الاقتصادي محمد السلوم لـ«الاقتصادية»: أن تكاليف الإنتاج في الزراعة السورية تتأثر بشكل مباشر بأسعار المازوت، حيث يعتمد المزارعون على المازوت في مراحل الإنتاج كافة، من تجهيز الأرض والري إلى الحصاد والنقل. رفع سعر المازوت بمقدار 150 بالمئة يعني زيادة كبيرة في التكلفة الكلية للإنتاج، ما يجعل المزارعين مجبرين على رفع أسعار المنتجات الزراعية. هذا القرار يقلص هامش الربح بشكل حاد وخاصة المحاصيل المسعرة من الحكومة كالقمح والشعير مثلا، ما يجعل العمل في الزراعة مخاطرة قد تكون غير مضمونة الربح للمزارعين الصغار، فيدفعهم إما إلى تخفيض الإنتاج أو إلى الخروج من السوق كلياً.
تأثير زيادة تكاليف الإنتاج في الأمن الغذائي
الزراعة ليست مجرد قطاع اقتصادي، بل هي أساس الأمن الغذائي للبلاد. رفع تكاليف الإنتاج سيدفع المزارعين نحو تقليص إنتاجهم، الأمر الذي سيقلل من حجم الإنتاج المحلي للغذاء ويزيد الاعتماد على الاستيراد، وخاصةً مع ارتفاع أسعار السلع الغذائية عالمياً. هذا التوجه يضع البلاد في موقف حرج، ويهدد بتحولها من بلد منتج لبعض المحاصيل الأساسية إلى مستورد مكلف، ما يزيد من الضغوط الاقتصادية في ظل العملة المحلية المتدهورة، حسب رأي السلوم.
أثر القرار في تكاليف الإنتاج غير المباشرة
إلى جانب التكاليف المباشرة، تؤثر زيادة أسعار المازوت في تكاليف الإنتاج غير المباشرة أيضاً. القطاع الزراعي لا يعمل بمعزل عن قطاعات أخرى مثل النقل والتخزين، حيث تُنقل المنتجات من الحقول إلى الأسواق عبر وسائل تعتمد على المازوت. وبالتالي، فإن ارتفاع أسعار النقل، وهو ما سيحدث حتماً، سيؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج النهائية. هذه التكاليف سيتحملها في النهاية المستهلك والمزارع، ما يرفع الأسعار في الأسواق ويزيد معاناة المواطنين من ذوي الدخل المحدود.
الأثر السلبي في صغار المزارعين
وأيضاً، صغار المزارعين، الذين يعتمدون بشكل أساس على الزراعة كمصدر دخل رئيس، هم الفئة الأكثر تضرراً من هذا القرار. معظمهم يفتقرون إلى الموارد اللازمة لتحمل زيادة تكاليف المازوت، ما يجعلهم عرضة للديون أو التخلي عن الزراعة تماماً. في ظل هذا القرار، يبدو مستقبل صغار المزارعين غامضاً، حيث سيتحولون إلى فئة متضررة مباشرة ويصعب عليهم التأقلم مع التكاليف المتصاعدة دون تدخل فعلي من الحكومة.
تشوهات سوق المازوت !
سوق المازوت في سورية يعاني تشوهات سعرية واسعة حسب وصف «السلوم»، بسبب وجود عدة أسعار للمازوت، ما أدى إلى نشوء سوق موازية. هذا القرار الجديد قد يؤدي إلى اتساع السوق السوداء، حيث يلجأ بعض المزارعين إلى شراء المازوت من السوق الموازية بسبب عدم توفره بشكل دائم في القنوات الرسمية.
تأتي القرارات الأخيرة وكأنها محاولة للتنصل من مراقبة ومحاسبة الأسواق الموازية ومنع تهريب المازوت، ما ينعكس بشكل مباشر على المزارعين الذين يتحملون أعباء هذه الفوضى. فمع ارتفاع سعر المازوت المدعوم، أصبح المزارعون ضحايا العجز عن فرض الرقابة الصارمة على تهريب الوقود وتداوله بطرق غير مشروعة. بدلاً من تشديد العقوبات على التجار الذين يستغلون هذا الدعم، هذا التنصل من المسؤولية يُضعف الثقة بالسياسات الزراعية ويفاقم أزمة القطاع ويضعف تحقيق الاستدامة في الإنتاج.
عدم استجابة لمتطلبات القطاع الزراعي
رغم الوعود بدعم القطاع الزراعي، إلا أن القرارات الأخيرة تكشف عن فجوة واسعة بين التصريحات والسياسات العملية. من المعروف أن الزراعة تحتاج إلى دعم حقيقي ومستدام، وخاصةً في بلد يواجه أزمات اقتصادية متكررة.
إن الدعم الجزئي والمحدد يعوق استمرارية الإنتاج ولا يلبي احتياجات المزارعين، فكيف إذا رافقته قرارات تثقل كاهل المنتجين بزيادة تكاليف أساسية، ما يُفقد الدعم أي تأثير ملموس على المدى الطويل، وفق ما قال السلوم.
أهمية تفعيل الصندوق الاحتياطي
لدعم الموارد الأساسية
نشير هنا إلى أهمية تفعيل الصندوق الاحتياطي لدعم الإنتاج الزراعي، والذي ينبغي أن يكون مرناً ويستجيب لأولويات الأمن الغذائي واحتياجات القطاع الزراعي، وخاصة في ظل تخصيص مبلغ 4000 مليار ليرة سورية لدعم المشتقات النفطية، مقابل 100 مليار فقط لدعم الإنتاج الزراعي في الموازنة الجديدة، تفعيل هذا الصندوق سيخفف من الأعباء عن المزارعين، ويعزز استمرارية الإنتاج والاستقرار الغذائي. ويشكل تفعيل هذا الصندوق حماية للاقتصاد المحلي، ويقلل من الضغوط الاقتصادية على المستهلكين ويعزز القدرة التنافسية للمنتج المحلي.
تأثير حاد للمازوت الصناعي أيضاً..!
قبل قرار رفع أسعار المازوت الزراعي سبقه رفع قرار المازوت الصناعي وآخر يخص التدفئة، قرارات أثارت الكثير من التساؤلات إلى أين نحن سائرون وإذا كان حجم التحديات كبيراً، فكيف نعلن إعطاء الأولويات للزراعة والصناعة وتفعيل دورهم لزيادة الإنتاجية، وهناك قرارات تعوق من هذا التوجه وتحقيق الهدف..؟!!
وحسبما ذهب الخبير المصرفي والمالي الدكتور علي محمد فأي حديث عن المازوت الصناعي حديث حساس، ويأتي ذلك من تأثيره الكبير في أسعار السلع والخدمات، فمن خلال العودة للسنوات الماضية كنا نرى أن انخفاض عرض الموارد والمقدم من الحكومة لمادة المازوت، كانت تجعل أسعار السوق السوداء ترتفع، وبدورها كانت تجر السعر الرسمي للمازوت الصناعي معها للارتفاع، وهو ما يحصل دائماً، وبنظرة سريعة، فقد تمّ تسعيره بتاريخ 5/12/2022 بسعر 5400 من الشركات الخاصة، بينما كان السعر الرسمي من شركة محروقات 3000 ومن ثم شهد ارتفاعات أخرى، ليأتي قرار الرفع الرسمي الأخير من 8000 ل.س لكل ليتر إلى سعر التكلفة. وما حصل كان حدوث إرباكات على كل الصعد نتيجة ارتفاعات مادة المازوت، بوقت لا تزال السوق السوداء نشطة. والتحدي اليوم على الجهات الرسمية ضبط كل تلاعبات البعض ومراقبة كل الكميات المخصصة لعدم تسربها ولكي تصب حصراً في القنوات المستهدفة والمستحقة..
وكانت الفعاليات الصناعية وهذا ليس خافياً على أحد أنها تشتري بعض الكميات من المازوت من السوق السوداء لزوم التشغيل وبالتالي حسب كلام الدكتور محمد يجعل بيانات التكاليف التي كانت تقدم للجنة التسعير غير صحيحة أو حقيقية، ويجعل من تعدد أسعار المادة بين تدفئة ونقل وزراعي وتجاري وصناعي وسوق سوداء، مشوهاً سعرياً لسعر المادة بحد ذاتها.
والسؤال هنا: هل الرقابة على الصناعيين والمعامل والفعاليات الاقتصادية التي تحصل على المازوت بالسعر الرسمي فعالة للدرجة الكافية.. أم هناك اعتبارات ومقاربات ما.. أم بيع وتجارة تحت غطاء ما..؟!!