المرحلة الانتقالية لاقتصاد السوق
| عامر إلياس شهدا
السؤال العريض الذي يطرح عند القيام بأي عملية انتقالية: هل سيكون هناك ألم وصعوبة في مرحلة الانتقال؟
الجواب يكمن في قراءة تجارب الدول التي قامت بعملية التحول إلى اقتصاد السوق. حيث تشير هذه التجارب إلى أن هذه العملية لا يمكن أن تتم من دون تضحية، وبالتالي من دون ألم. فمن النتائج الأولى لعملية التحول هذه ظهور البطالة والتضخم وازدياد حدة الفقر، وبالرغم من أن كل هذه العوارض قد تكون مؤقتة فإنه لابد من ظهورها في الفترات الأولى لعملية التحول. وتزداد حدة هذه العوارض مع كثافة درجة التحول، فمثلاً دول المعسكر الشرقي عانت كثيراً من عملية التحول، حيث ظهرت آثارها بشكل سريع، على حين الصين أجرت عملية التحول بشكل متدرج فكانت العوارض أقل حدة لكنها أطول مدة.
بالواقع وعملياً فقد ثبت أنه من المستحيل أن تحصل عملية التحول الاقتصادي من دون ألم وخسائر، ولكن الحكومات الذكية تستطيع أن تخفف من حدة هذا الألم وهذه الظواهر، وأن تقصر المدة التي تأخذها عملية التحول هذه، وذلك بتنفيذ عملية التحول ضمن خطة مدروسة ومحكمة بالاعتماد على عناصر خبيرة وبطريقة علمية مع الاستفادة من تجارب الدول التي مرت بمرحلة تحول كهذا.
أما بالنسبة للوضع الاقتصادي السوري ودخوله مرحلة الانتقال لاقتصاد السوق، فإن العملية تحتاج لعقلانية وشفافية، وأعتقد وبالاستناد لمتابعة الشأن الاقتصادي وآليات عمل القائمين عليه، أنه من الصعب جداً أن تقوم الحكومة بمؤسساتها الحالية بعملية التحول بمفردها نظراً للمشاكل والتشابكات والتناقض في السياسات وضعف التكوين الرأسمالي. لهذا من العقلانية أن تتم صياغة خطوات عامة توضح التحديات والمشكلات والتشابكات التي يعانيها الاقتصاد السوري، على أن توضع بالتعاون مع الحكومة ونخبة من الخبرات الاقتصادية العلمية والعملية، على أن تعتبر مضامين صياغة الورقة خريطة طريق لإعادة هيكلة الاقتصاد السوري.
أمام الضجيج الذي أحدثه إعلان المرحلة الانتقالية للاقتصاد، نرى من الضروري التذكير بالتاريخ كي لا نقع بالمحازير التي وقعت بها دول أخرى، وهذه أهم ناحية يجب على المجتمع معرفتها بوضوح وشفافية، ويجب أن تدركها الحكومة. في حالتنا لا يمكن أن نعتمد فكرة أن الدولة لاشيء، وأن القطاع الخاص كل شيء. وهذا يعني بذل الجهود للتوضيح للمجتمع بشفافية، أنه من المستحيل أن يترك الاقتصاد بين أياد خفية على أمل أن تحقق نمواً وتوظيفاً أمثل لعوامل الإنتاج. هذا يعني الميول للسياسة الليبرالية التي اعتمدت في الثمانينيات، استناداً إلى الوصايا التي خرج فيها اتفاق واشنطن، والتي ركزت على إنهاء القطاع العام وإبعاد الدولة عن الاقتصاد والاعتماد على القطاع الخاص، وترك قوى السوق تتحكم باقتصاد البلاد والعباد من دون تدخل الدولة، معتبرين أن هذا المفهوم سيحقق النمو واستثمار عوامل الإنتاج. إن مفهوماً كهذا ووصايا كهذه أدت إلى انهيار دول ومنها دول جنوب شرق آسيا.
نعتقد أن إدارة اقتصاد الدولة يعتمد على مؤسساتها بالدرجة الأولى، إضافة إلى فريق اقتصادي حكومي مجتمعي خبير يحمل أفكاراً ابتكارية إبداعية استطاعت هضم المشاكل الاقتصادية، وواضح أن لديها نقاط الضعف ونقاط القوة التي تمكنها من طرح الحلول المبدعة لتداعيات تلك المشاكل.
بالتأكيد الأمر بحاجه لفريق كبير يتصف بالشمولية تختاره الدولة بعناية، يمنح الثقة وتفتح له أقنية التواصل مع رأس الهرم في الدولة، لضمان عدم الانجرار بطريقة مقصودة أو غير مقصودة تنفذ الوصايا أعلاه من خلال الأيدي الخفية، خطوة كهذه تجعل من تدخل الدولة في اقتصاد السوق مرئية، من خلال تنفيذ خطوات تصيب مسؤوليات الدولة في عملية التحول التي تتطلب من الدولة أن تكون المبادر الأساسي في الانفتاح الاقتصادي، ونقل الصناعة الوطنية لأسواق المنافسة بكفاءة وإحكام، وتعمل على إعادة تأهيل الصناعات القائمة المهددة إن كان فردياً أو تشاركياً، استناداً إلى الإمكانات ومن ثم توجيه الموارد التي من شأنها رفع منسوب تشابك وتماسك هيكل الإنتاج، من دون إهمال لاقتصاد المعرفة ورفع منسوب القيمة المضافة.
كل ذلك مرتبط بسياسات على رأسها السياسة النقدية التي من المفترض تعديلها لتتواءم مع مرحلة الانتقال الاقتصادي، فمن شأن هذه السياسة إظهار نتائج التحول بشكل أسرع من السياسة المالية التي تعتبر على درجة عالية من الأهمية في عملية التحول الاقتصادي، إلا أن نتائجها تظهر بعد سنتين أو ثلاث سنوات. لا اعتقد أن هناك إمكانية مجتمعية لانتظار كل هذه المدة ليلمس النتائج. يلي ذلك تنفيذ سياسات متناغمة تحفز على بناء قاعدة تكنولوجية وطنية، وأخرى تعمل على عدالة توزيع الناتج المحلي من خلال بناء الهياكل والمؤسسات الداعمة لكل قطاعات الاقتصاد الوطني، لجهة التكوين الرأسمالي والمهارات البشرية، وتمويل وتوجيه الاستثمارات المشروطة بخلق محفزات، والتركيز على مشاريع البنى التحتية. إن أهداف هذه السياسات تحتاج لسياسات قطاعية واقعية ومنطقية تخلق إمكانات كبيره للدولة في التدخل لتجاوز ضعف قوى السوق ووضعها على السكة الصحيحة، ودعمها من دون محاولة الحلول محلها.
نؤكد أن الأمر بحاجة لفريق حكومي مجتمعي بخبرات مشهود لها.