الاقتصاد ببساطة

هدفا البيان الحكومي في الأجل القصير

| د. علي محمد

بكل تأكيد تمت صياغة البيان الحكومي لحكومة الدكتور محمد الجلالي بالطريقة التي تسمح بفهم فحواه لجميع الشرائح، سواء من المواطنين أم مسؤولي القطاع العام بكل جهاته والقطاع الخاص أيضاً، وبكل تأكيد من رجال الأعمال السوريين والعرب، فقد تعمد توصيفاً دقيقاً للواقع بسلبياته المحضة سواءً من حيث ضعف أو انعدام النمو الاقتصادي وتدني الموارد المتاحة وتفشي البطالة وارتفاع معدلات التضخم وضعف القوة الشرائية المترافق مع انخفاض المستوى المعيشي من النواحي الاقتصادية والاجتماعية كافة.
وفي هذا الصدد فقد أضاف البيان الحكومي بعض المسلّمات الاقتصادية كالدور السلبي لعجز الموازنة العامة المتنامي الذي نعانيه ولاسيما أن العجز للعام القادم سيتخطى 11,050 مليار ليرة سورية مقارنة مع 9,230 مليارات ليرة سورية عجز العام 2024، وكذلك الدور السلبي لعجز ميزان المدفوعات وعجز الميزان التجاري.
إلّا أن اللافت في البيان الحكومي هو إماطة اللثام عن بعض التابوهات التي كان الحديث عنها محرّماً أو غير محبّذ في التصاريح والبيانات الحكومية، وخاصةً تلك المتعلقة بدور القطاع العام وبأبوية الدولة، وبالبعد الاجتماعي لهذا القطاع وذاك الدور، فقد أقرّ البيان وبوضوح بأن بعض مؤسسات القطاع العام خاسرة بل غارقة في الخسارة، الأمر الذي ينفي دورها الاجتماعي وترك ويترك إرثاً ثقيلاً على الحكومات المتعاقبة، وبناءً عليه فقد أسقط البيان الحكومي ربط التبرير الدائم لخسارة مؤسسات القطاع العام بدورها الاجتماعي، وبأن ذلك محض كلام لن يؤخذ به مستقبلاً، الأمر الذي يوجب على الحكومة الانسحاب من بعض الجبهات الفاشلة في الاستثمار العام بعد التأكد من صوابية الخيار وجدواه، وأعتقد أن هذه نقطة مهمة جداً في مسيرة الاستثمار في سورية ولاسيما في المؤسسات التي بقيت عرفاً حكراً على القطاع العام ولم تجد طريقها للنجاح يوماً، وذلك شريطة طرحها واستثمارها الاستثمار الأمثل.
وقد تزامن نص البيان مع توجه حكومي «قديم جديد» نحو زيادة فاعلية القطاع الخاص في الاقتصاد السوري، وبكونه يجب أن يضع ثقله في مكونات القطاعات المختلفة باعتباره شريكاً حقيقياً في الوطن، لذا ركز البيان الحكومي على ذلك أيضاً معتبراً القطاع الخاص شريكاً حقيقياً في التنمية ببعديها الاجتماعي والاقتصادي، وبأن الحكومة مستعدة لتقديم كامل الدعم له لنجاحه في العمل، وفي هذا إشارة واضحة إلى خصخصة بعض المرافق أو المؤسسات التي لطالما بقيت بكنف القطاع العام ولم يتم العمل على إنجاحها على مر الحكومات السابقةـ لا بل إن بعضها خاسر ومتعثر.
ولا شك أن البيان قد أشار إلى محدودية موارد الطاقة سواءً المشتقات النفطية أم الكهرباء، واعتبرها تحدياً أساسياً لمسيرة الحكومة، ولاسيما مع الحديث عن تشجيع الاستثمار والإنتاج، فهي بالفعل المثبّط لأي توجهات حكومية في المستقبل إن لم يتم العمل على حلها سواء بإدارة سليمة لهذه الموارد المحدودة أم من خلال حل التحديات الخارجية المتعلقة باحتلال الأراضي السورية ونهب موارد الطاقة وسواها من التحديات.
أما الأمر الآخر الذي ركز عليه البيان الحكومي فهو وجوب السرعة في إعادة هيكلة الدعم الحكومي ولاسيما أن مشروع الهيكلة كان بعهدة الحكومة السابقة ولم ينجز بشكله النهائي بعد، وجاء البيان الحكومي على الرغم من رفع كتلة الدعم في موازنة العام 2025 إلى 8325 مليار ليرة سورية مقارنة بـ6210 مليارات ليرة سورية في موازنة العام 2024، إلا أن المتتبع لأرقام الدعم الحكومي يرى أنه قد كان نحو 4,927 مليارات ليرة سورية في العام 2023، ورغم هذه المفارقة بأرقام الدعم بالليرة السورية إلا أنه قد انخفض من 1,64 مليار دولار عام 2023 إلى 0,62 مليار دولار عام 2025، وبالتالي فإن الحكومة الحالية وبموجب البيان الحكومي أضحت قاب قوسين أو أدنى من الانتهاء من مشروع هيكلة إعادة الدعم الحكومي.
وبالتالي يمكن القول إن هدف البيان الحكومي في الأجل القصير هو الانسحاب من بعض المؤسسات العامة الخاسرة وطرحها مع الشركات المتوقفة أو المتضررة أو المتوقفة للقطاع الخاص وتشجيعه على ذلك ليُصار إلى إشراك القطاع الخاص بشكل فعلي في الاقتصاد السوري والتنمية الاقتصادية، أما الهدف الثاني في الأجل القصير فهو إنجاز ملف إعادة هيكلة الدعم الحكومي وطوي هذا الملف إلى غير رجعة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى