حول الدور الاجتماعي والتنموي للقطاع المالي والمصرفي
| د. عابد فضلية
كلية الاقتصاد-جامعة دمشق
يقول الفيلسوف الاقتصادي (آدم سميث): إن التوازنات الاجتماعية تشكل ضرورة موضوعية لتحقيق التوازنات الاقتصادية، وأي خلل في عناصر ومقومات العدالة الاجتماعية يعصف بدوره بالتوازنات الاقتصادية ذاتها… وبالتالي فإن العلاقة بين الجانب الاقتصادي والجانب الاجتماعي هي علاقة عضوية، وبالتالي فإن لأي نشاط اقتصادي بُعداً اجتماعياً يرتبط به ويُحركه، ولا يقتصر ذلك على القطاع المالي والنقدي، بل على كل الأنشطة الاقتصادية المادية وغير المادية، مادام العنصر البشري هو أحد عناصر الإنتاج، وأهمها. وبناءً عليه يتمثل الدور الاجتماعي والتنموي للقطاع المالي والمصرفي في الإطار الآتي:
أولاً- الدور الاجتماعي المباشر للقطاع المالي والنقدي، ويتجلى هذا الدور من خلال:
1- منح قروض شراء العقارات السكنية، والاحتياجات السكنية الأخرى، بما فيها قروض الادخار السكني، وقروض الإكساء.
2- منح القروض الاستهلاكية التي تعني تأمين الاحتياجات الأساسية للأفراد والأسر، وبالتالي تحسين مستوى المعيشة، وزيادة الطلب الذي يؤدي حتماً إلى زيادة الإنتاج
3- القروض والتسهيلات الاستثمارية التنموية التي تُمنح لأصحاب المهن والفعاليات الإنتاجية والفنية والخدمية، منها ومن أهمها القروض الصناعية والزراعية بشقيها النباتي والحيواني، وبما فيها «التمويل الصغير»، الذي يستهدف عموماً المشروعات الإنتاجية والخدمية الفردية والعائلية الصغيرة ومتناهية الصغر، والتي تتركز بمعظمها في مناطق الريف والمناطق النائية، الأمر الذي يعني أنها في وجهها الآخر مشروعات تطوير وتنمية هذه المناطق، وتحسين مستوى معيشة أهلها.
ثانياً- الدور الاجتماعي والاقتصادي غير المباشر للقطاع المالي والنقدي: ويتمثل في: الإسهام في تلبية احتياجات المجتمع المادية وغير المادية من خلال توفير السلع والخدمات، (إنتاجاً) و(عرضاً) و(استيراداً)، ما يُسهم بالوقت ذاته بتنشيط (الطلب الفعال، بحسب الاقتصادي مينارد كينز)، الذي يُنشط بدوره الأنشطة الإنتاجية، وتشغيل المزيد من اليد العاملة وخلق دخول جديدة، كما تزداد القدرة على التصدير، وتصنيع المزيد من بدائل المستوردات، فيتحسن وضع القطع الأجنبي وتقوى العملة الوطنية، وبالتالي فإن تنشيط الطلب الفعال يسهم في زيادة عدد وطاقة العارضين، وبالتالي تحريض المنافسة، ما يؤدي إلى استقرار الأسعار أو انخفاضها، فينخفض معدل التضخم.
ويخلق قيمة مضافة جديدة (أرباح، فوائد، رواتب وأجور.. إلخ) التي تُمثل القوة الشرائية والادخارية، وتزيد على المستوى الكلي (الناتج المحلي الإجمالي)، الذي هو المؤشر الحقيقي للنمو.
ومن أهم المقترحات في إطار هذا الموضوع:
تحريك وتشجيع وتقوية (الإنتاج)، حيث إن دعم وتحسين الجانب الاجتماعي لعملية التنمية ولجم معدلات التضخم وتحسين القوة الشرائية لشرائح الدخل المنخفض والمحدود، وبالتالي تلبية المزيد من احتياجات المجتمع ورفع مستوى المعيشة، يبدأ بدعم وتشجيع الأنشطة الاقتصادية الإنتاجية السلعية المادية (التي عصبها القطاع المالي والنقدي)، لاسيما منها الزراعية بشقيها النباتي والحيواني، والصناعية التحويلية بكل فروعها وأنواعها، دون إهمال تشجيع الأنشطة الاقتصادية الأخرى بالقدر اللازم… ، مع التنويه إلى أن تمويل أنشطة الاقتصاد الحقيقي والأنشطة الأسرية التنموية يُعزز الجانب الاجتماعي لعملية التنمية المستدامة، وبالمقابل فإن تعزيز الجانب الاجتماعي لعملية التنمية سيسهم بدوره في ترسيخ أسس ودعائم الاقتصاد الحقيقي.
تخصيص نسبة أكبر من القروض لتمويل الأنشطة والاحتياجات الأسرية التنموية والسكنية والاستهلاكية، ورفع سقف هذه القروض وتمديد فترات سدادها، وتخفيض فوائدها.
تفعيل منح (القروض الحسنة) وتوسيع مروحته لدى المصارف الخاصة الإسلامية.
تعديل ضوابط التعليمات التنفيذية لمنح القروض التشغيلية والأسرية التنموية لتصبح أكثر مرونة وموضوعية وفعالية.
تأسيس مصرف تنموي تقليدي على شكل شركة مساهمة عامة لا تهدف إلى الربح، تُطرح أسهمها على الاكتتاب العام، ويسهم فيها المصرف المركزي (من أموال الاحتياطيات القانونية للمصارف لديه) وجميع المصارف العاملة وصناديق المؤسسات والتنظيمات النقابية، لزيادة إمكانية منح القروض الفردية والأسرية التنموية طويلة الأجل بفوائد رمزية.
ضرورة التنسيق والتناغم الفعال بين السياستين النقدية والمالية، وبينهما وبين السياسات الاقتصادية الأخرى، لاسيما التنموية منها، من خلال (اطلاع) أو (موافقة) جميع الجهات ذات الصلة على أي قرار يُحتمل أن تكون آثار تطبيقه متعددة الوجوه، وأهمها الاجتماعية.
لذا وفي الخاتمة نتوقع أن تقوم الإستراتيجيات التنموية الحكومية وأن يستند أي حراك اقتصادي على مبدأ: أن يكون المواطن (هو البوصلة)، وأن تكون التنمية المادية والاجتماعية المستدامة، العادلة، والمتوازنة طبقياً وجغرافياً (هي الهدف). وللحديث عن هذا الموضوع بقية