كلام في الاقتصاد

نريد أن نعمل… نريد أن نبني

| عامر إلياس شهدا

قال لي لقد اشترينا الدلو، والآن سنبحث في إمكانية إيجاد الماء. هي نمطية في التفكير قد يكون هدفها حرق المراحل، أو اتباع منهجية الخطف خلفاً، أو أنها سياسات تفضل أن توفر الأدوات قبل أن تضع الخطط والإستراتيجيات وتحدد الأهداف.
في التوجيه الرئاسي، تم التأكيد ضرورة تغيير السياسات على اعتبارها النواة الأساسية لوضع الخطط ورسم الإستراتيجيات والأهداف، والتي تحدد ماهية الكوادر البشرية اللازمة لتنفيذها.
وبالتالي يشتق منها قوائم التوصيف الوظيفي وشروط إشغال كل مفصل إداري بحسب متطلباته العلمية والمهنية والخبراتية.
في الواقع الحكومة الجديدة بدأت بملفين، الأول القيادات الإدارية، أي الموارد البشرية، ولنوضح أكثر الإصلاح الإداري، والملف الآخر مناقشة رفع الإنفاق الاستثماري. نحن لا نستخف بهذه المهام، إلا أن هناك تحديداً للأولويات والموارد. التوجيه الرئاسي حدد أولوية البحث في السياسات وتصحيحها، ووضّح أهمية خلق سياسات قطاعية، والتي تحدد بأحد مفاصلها نوعية الكادر البشري الذي ينفذ إستراتيجيتها ويحقق أهدافها. بهذه الحالة لا يمكن وضع توصيف وظيفي لقيادة مؤسسة بغياب تحديد الأهداف وتحديد الرؤية المستقبلية ما يتواءم مع السياسات، وبناء عليها يتم وضع الخطط والإستراتيجيات المحكمة التي تساعد على اتخاذ القرارات بشكل أفضل، فالتخطيط الإستراتيجي يوفر البيانات والمعلومات اللازمة لاتخاذ قرارات مدروسة ومبنية على أسس واضحة. استناداً لهذا نسأل كيف نبحث في الوظيفة العامة وقياداتها بظل عدم وجود رؤية وخطة وإستراتيجية وقواعد بيانات، فكيف لنا أن نوفر الكادر ونحن لا نوفر له أولاً البنية اللازمة لاتخاذ القرارات، فالقيادة قرار، والآمال تبنى على المؤسسات ولا تبنى على الأشخاص، فعلينا في هذه الحالة البدء بالسياسات التي تجعل من المؤسسات الأساس في عمليات النهوض. فالقيادات تضع الخطط بناء على السياسات، إلا أنه من غير المنطقي أن نوفر القيادات لنرسم لها سياسات على مقاسها، فالسياسات هي التي تفرض المقاسات وليس العكس، لذلك نوه التوجيه بعدم إمكانية وجود مفاهيم باتجاه وسياسات باتجاه آخر.
أما بالنسبة للملف الثاني، فهو مناقشة رفع اعتمادات الإنفاق الاستثماري في الموازنة العامة للدولة. هذه المناقشة رغم أهميتها إلا أنها استباقية، ويلزمها سياسات لتمكينها من تحقيق أهدافها. فمناقشة رفع الإنفاق الاستثماري للمؤسسات العامة، يقتضي وضع عدة سياسات كي لا يخلق هذا الرفع مشاكل أو يعمق مشاكل قائمة. من أهم هذه السياسات، سياسة واضحة للتخفيف من كتلة عجز الموازنة، والذي يتطلب إما سياسة لتخفيض النفقات، وهذا لا يتماشى مع رفع الإنفاق أو سياسة رفع الضرائب، وهذه السياسة مؤلمة بظل تراجع الاستهلاك والإنتاج.
وأيضاً هناك سياسة التمويل التي من المفترض أن تتضمن سياسات تمويلية قطاعية، ففي الخطة الخمسية الحادية عشرة تم ربط تمويل الإنفاقات الاستثمارية بالادخار الأسري، وهو اليوم بأدنى مستوياته نتيجة عدة عوامل شرحها يطول، وهنا من المهم الإشارة إلى أهمية ما صرح به السيد رئيس اللجنة الاقتصادية في الحكومة السابقة، بأنه اتخذ قراراً بالتوقف عن الإصدار النقدي، إضافة إلى منع الاستدانة من مصرف سورية المركزي. هذه النواقص تدفع باتجاه إيجاد حلول لمشكلات قائمة تبحث عن حلول أهمها الثقة، القوة الشرائية لليرة السورية، البطالة، الفوائد، الادخار الأسري، وإيجاد قنوات فعالة لتوظيف هذه الادخارات وعدم تجميدها، حيث تصبح عقيمة من دون استثمار يحقق عوائد تعوض من انخفاض القوة الشرائية لليرة السورية، ما يقتضي البحث في مجمل السياسات المرتبطة بالموازنة العامة للدولة، حيث تكون متناغمة ومنسقة لتخدم كل القطاعات الاقتصادية، وتحقق أهداف السياسات الاستثمارية القطاعية، وفي الوقت نفسه تحقق أهداف سياسة الحد من التضخم، إضافة إلى استثمار أمثل لأدوات هذه السياسة، مع الأخذ بعين الاعتبار أننا بمرحلة انتقال اقتصادي ستؤدي إلى تغيرات اقتصادية اجتماعية تولد ضغوطاً تضخمية، تقتضي إحداث تغيرات مستمرة في هيكل الاستثمار والاستهلاك والإنتاج والتوزيع. لهذا يعتبر البحث بالسياسات المرتبطة بالاقتصاد والمالية ذات أولوية ملحة، فهي السبيل الحقيقي والواقعي الذي يحقق أهداف رفع الاعتمادات الاستثمارية في الموازنة العامة للدولة. وهنا لابد من التأكيد على وجوب وضع سياسات قطاعية مشفوعهة بخطط وإستراتيجيات تهدف إلى رفع القدرة الإنتاجية للمجتمع، من خلال تمكينه في استثمار عوامل الإنتاج التي تشمل رأس المال، الأرض، العمالة، وروح الابتكار والاستحداث، وبالشكل الذي يحقق بهذا الاستخدام رفع المستوى المعيشي للمجتمع، ليتحقق له رفع قدرة دخله على الاستهلاك الذي يعتبر أهم عوامل تحقيق أهداف إستراتيجية الاستثمار.
نعم نريد أن نعمل، ونريد أن نبني في إطار تعاون جماعي حكومي مجتمعي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى