الاقتصاد ببساطة

كفاءة الرّقابة الدّاخلية (2) أين هي في سورية؟

|د. علي محمد

كنا قد تحدثنا في زاوية عدد الاقتصادية بتاريخ 01/09/2024 حول أهمية عمل الرقابة والتدقيق الداخلي في المؤسسات والشركات كافة، وبإسقاط ما جرى ذكره على الرقابة والتدقيق الذي يتم على القطاع العام في سورية، نجد أن المكلف بهذه المهمة كلّ من الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش والجهاز المركزي للرقابة المالية، فالهيئة أُسست بموجب القانون رقم 24 لعام 1981 والذي اعتبرها هيئة رقابية مستقلة مرتبطة برئيس مجلس الوزراء بغية تطوير العمل الإداري وحماية المال العام وتسهيل الخدمات للمواطنين، إضافة إلى دورها بالرقابة والتفتيش لدى الهيئات المنصوص عليها في المادة (3) من القانون المذكور، بما فيها الوزارات والإدارات، البلديات والمؤسسات والشركات العامة، مديريات الأوقاف ووحدات الإدارة المحلية، إضافة إلى المؤسسات والمنشآت الخاصة التي لها علاقة أو تأثير في التربية والصحة العامة، وأي جهة تقوم الدولة بمنحها قروضاً وسلفاً، على حين أُحدث الجهاز المركزي للرقابة المالية بموجب المرسوم التشريعي رقم 64 لعام 2003 والمكلف بمراقبة الحسابات في مختلف أجهزة الدولة وبكل المهام الموكلة إليه ذات الصيغة المالية الواردة في متن المادة رقم 4 من المرسوم آنف الذكر.
من حيث المبدأ، فإن استقلالية الهيئة وتحرر المراقبين والمفتشين فيها من أي ظروف تهدد قيامهم بمهامهم بمسؤولية على نحو غير متحيز هما أمر بالغ الأهمية خاصة مع صلاحية رفع تقاريرها لرئيس مجلس الوزراء، وهذا يُحاكي روح المعيار رقم 1100 من المعايير الدولية للتدقيق الداخلي الذي حمل عنوان الاستقلالية والموضوعية، وهنا تتبادر لنا مجموعة من الاستفسارات:
هل التبعية لرئيس مجلس الوزراء هي إدارية هيكلية في آن واحد؟
هل يؤخذ بتقارير الهيئة ونتائجها النهائية المتضمنة الملاحظات والانحرافات المكتشفة؟ ومن الجهة التي تقوم بدراستها؟
هل يُعمل على تصحيح الملاحظات الواردة في هذه التقارير؟ ومن يتتبع نتائج هذا التصحيح؟
هل تجري إحالة المخطئين أو الفاسدين لإجراءات إدارية تبدأ من التنبيه إلى الإنذار وصولاً للتحقيق وتطبيق الإجراءات القانونية بحقهم؟ أم إن هذه التقارير تبقى مجرد (بريستيج) رقابي لا أكثر ولا أقل؟
ما يدفعنا لهذه التساؤلات هو غموض عمل هذه الجهات الرقابية، أو لنقل عدم وضوح آلية عملها وفعاليتها نتيجة عدم ظهور نتائج هذا العمل على أرض الواقع للمواطن الذي يشكو مراراً وتكراراً غياب الرقابة والمحاسبة، فمثلاً لم نسمع يوماً ما عن تقرير تفتيشي يحاكي سلامة أو عدم سلامة استثمار بعض الأموال (المباني) الأراضي التابعة لبعض الوزارات أو المؤسسات العامة سوى الحديث الدائر مؤخراً حول ذلك، أو من خلال تقرير تفتيشي حول الجهات التي تقرضها الدولة أو تمنحها سلفاً كمؤسسة السورية للتجارة مثلاً، إلخ، بينما الواقع يقول بوجود الكثير من الانحرافات والتجاوزات الخاصة بذلك وغيرها الكثير.
كما أن هناك الكثير من الأمثلة عن إحساس المواطن بقصور عمل الهيئة في بعض الوزارات والمؤسسات وحتى في المؤسسات الخاصة ذات العلاقة بالتربية والصحة يطول الحديث عنها.
ولعل ما ورد في المادة /4/ من قانون تأسيس الهيئة لهو محل استغراب كبير، حيث نصت على ما يلي:
(تحدث في كل وزارة أو إدارة أو مؤسسة أو شركة أو منشأة أو هيئة عامة أو وحدة إدارية أجهزة للرقابة الداخلية تتبع الجهة الإدارية، ويعين المراقبون العاملون فيها من الوزراء بناء على اقتراح رئيس الهيئة)، وهنا نسأل: هل هذا الإجراء سليم؟ وهل تبعية هذه الأجهزة للجهة الإدارية التي تعمل فيها تمنحها استقلالية وموضوعية في عملها ورفع تقاريرها؟ أم إنه من الأهمية بمكان أن تكون تبعية هؤلاء المراقبين نفسها بما يضمن استقلاليتهم تماماً عن الجهة الإدارية التي يعملون فيها ويدققون على أعمالها.. وبالوقت نفسه فإن قيام الجهة الإدارية باستعراض المهام الموكلة لوحدات الرقابة والتدقيق هو أمر مفيد في حال ركز على تطوير العمل الرقابي وتفعيل التقارير التي ترفع إلى مجالس الإدارات والعمل بموجبها كما هو الحال في المؤسسات المالية كالمصارف العامة مثلاً، كما حصل في اجتماع السيد وزير المالية د. كنان ياغي مع مديري الرقابة الداخلية والتدقيق الداخلي في المصارف العامة منذ بضعة شهور، والذي كان خبراً نادراً إلى حد ما في أخبار وزاراتنا ومؤسساتنا، ولاسيما أنه تناول كيفية معالجة أي خلل في التقارير الصادرة من هذه الدوائر لمجالس إداراتها، ومناقشة الصعوبات التي تعترض العمل الرقابي في المصارف العامة والمقترحات المطلوبة لتطويره.
إن اجتماعات كهذه وما يترتب عليها من زيادة أولوية العمل الرقابي كأداة تقييم العمل في المؤسسة أو الشركة ستسهم بلا شك بتطوير منظومة العمل الرقابي كله، على أن يُتابع بخطوات حثيثة متواصلة من خلال إشراك الخبراء المستقلين في هذا المجال لتلافي أي صعوبات تكتنف العمل الرقابي، والأخذ بجميع الملاحظات والتوصيات الصادرة عن إدارتي الرقابة الداخلية والتدقيق الداخلي على محمل الجد والتنفيذ الفوري لها للارتقاء بواقع القطاع العام والخاص وزيادة ريادتهما كدعائم فترة التعافي الاقتصادي المبكر الذي يجب العمل عليه بشكل حثيث.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى