إن الحاجات الاجتماعية التي تجلى التعبير عنها في /الاقتصاد/ رفعت منسوب الاهتمام الاجتماعي بالقضايا الاقتصادية، وهذا الاهتمام هو نتاج حرب اقتصادية ظالمة أفرزت نتائج سلبية أصابت المستوى المعيشي للمواطن، دفع بالمجتمع للاشتراك في طرح وجهات نظر غالباً ما تكون اندفاعية، لا تأخذ بحسبانها تشابكات السياسات الاقتصادية، وبالتالي ضعف الإحاطة بالجوانب الأساسية للاقتصاد. ما أدى إلى ظاهرة اليأس من إيجاد الحلول. إلا أنه في واقع الحال الحلول ممكنة، وليست مستحيلة ومتوافرة، وهي تتطلب حواراً رصيناً يعتمد على توفير قواعد بيانات شفافة، للخروج بسياسات اقتصادية متوازنة ترفع مستوى التمكين المالي، وتحقق نمواً مستداماً.
المنطق يقول إن هضم نواة المشكلة يحفز الفكر لطرح الحلول.
لهذا لابد من أن تتم الإضاءة على تشابكات السياسات الاقتصادية ونتائجها بشكل متوازٍ مع تشكيل الحكومة الجديدة، لتبدأ عملية التحولات الاقتصادية من خلال تصحيح سياسات، ووضع سياسات اقتصادية جديدة ترسم الطريق لهذه التحولات، ولن يكون هناك سهولة في تنفيذ ذلك نظراً لتشابكات السياسات الاقتصادية المختلطة بين الصائبة والخاطئة.
من أهم المعارك التي ستخوضها الحكومة الجديدة معركة التضخم، لضمان نجاح السياسات الاقتصادية وتحقيق أهدافها، مع الإشارة إلى أن إحدى نتائج التحول الاقتصادي ومن مسلماته ارتفاع في مستوى الأسعار وانخفاض في سعر صرف العملة المحلية، إلا أن الأهم من ذلك هو التوقع لمقدار التزايد في معدلات التضخم لاعتماد سيناريوهات وتدابير تحد من ذلك.
على سبيل المثال قد تعتمد الحكومة سياسة تشجيع ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، إلا أن هذه السياسة ستؤدي إلى رفع معدلات التضخم، وهذه النتيجة غير مقصودة، فعلى الرغم من اعتماد تدابير مرتبطة بالسياسة الاقتصادية هدفها محاربة التضخم والتخفيف من آثاره، وكون هذه التدابير معمولاً بها، إلا أنها لم تحقق النتائج المرجوة بوجود التشابكات واختلاط الأهداف.
لهذا من الضروري الإضاءة عليها لتكوين رؤية لحلول اقتصادية، فمن أهم هذه التدابير المعتمدة للحد من التضخم:
السياسة الانكماشية للتخفيف من الطلب الكلي، الطلب الكلي متراجع نتيجة تدني الدخول وارتفاع الأسعار.
– تخفيض الكتلة النقدية قرارات المركزي بتحديد سقف السحب واحتباس السيولة.
– الحصول على مساعدات وقروض خارجية.
– تم اعتماد خطوط ائتمانية مع بعض الدول.
– تحديد أسعار بعض السلع والخدمات وإلزام المنتجين به.
– محاولات وزارة التجارة الداخلية في تحديد الأسعار إلا أنها لم تتمكن من إلزام المنتجين بها نتيجة ارتفاع التكاليف والتضخم.
السؤال: لماذا لم تحقق هذه التدابير أهدافها للحد من التضخم؟
الجواب هو اتباع الحكومة لسياسة التخفيف من عجز الموازنة وحجم مديونية الحكومة، فلجأت لسياسة ترشيد الإنفاق وسياسة رفع الدعم، إلا أنها لم تأخذ توقيت تنفيذ هذه السياسات والظروف المحيطة بها، ومن أهمها تباطؤ حركة الاستثمار الخاص في البلد وارتفاع معدلات الفائدة.
إضافة إلى ذلك الظروف التي فرضت إنفاقات إسعافية نتيجة عوامل طبيعية، الزلزال والحرائق والتقلبات المناخية، وأخرى تقع بخانة سوء التقدير وغياب الرؤية، فسياسة الرفع المالي التي اعتمدت زيادة الضرائب وخلق مطارح جديدة لها ورسم سياسة إنفاقية على أساسها لا تظهر نتائج سياسة كهذه إلا بعد مرور من سنتين إلى أربع سنوات على اعتمادها. هذه المشكلات دفعت الحكومة باتجاه السوق لتحقيق هدف الرفع المالي، فاعتمدت سياسة الاقتراض من خلال طرح سندات حكومية، إلا أن نتائجها لا تكفي لسداد المستحقات، فلجأت لرفع وتيرة الإصدار النقدي، ما أحدث تشابكاً وخللاً عميقاً في السياسة الإتفاقية والسياسة النقدية، أدى إلى تباطؤ درجة النمو الاقتصادي والاستثمار بشكل عام، فتراجعت معدلات النمو، ما أدى إلى تراجع الدخول ومعدلات الاستثمار والتكوين الرأسمالي.
رغم تحقيق نوع من النمو بنسبة بسيطة جداً إلا أنه تلاشى نتيجة ارتفاع معدلات التضخم والبطالة،
أعتقد أن هضم نواة المشكلة يؤدي إلى رفع إمكانيات وضع الحلول بظل تحليل قواعد بيانات شفافة، وقطعاً الحلول ليست مستحيلة رغم الظروف، وما يعاني منه الاقتصاد، إلا أن الالتزام بدراسة دقيقة وفكر منطقي موضوعي سيفضي الأمر لوضع سياسات إنفاقية تتناغم وتتوازن مع السياسة النقدية. ومقومات هذا التناغم متوافرة، على أن يرافق ذلك وضع سياسات اقتصادية محكمة هادفة لخلق اقتصاد يفضي لنمو مستدام.
إن أحدث ذلك زيادةً في معدل التضخم وهو أمر طبيعي يمكن السيطرة عليه وعلى انعكاساته السلبية، طالما تم ضمان النمو المستدام، من خلال سياسات اقتصادية تهدف لرفع الطلب الكلي، إضافة إلى رفع القيمة الحقيقية للصادرات وزيادة الإنتاجية واستقطاب ونقل التكنولوجيا الحديثة واستخدامها في إنتاج السلع والخدمات، فتحقيق أهداف تلك السياسات تخلق الأرضية الصلبة لدخول الاستثمارات الأجنبية.