حول الصكوك والأوراق المالية في سورية
|د. عابد فضلية
كلية الاقتصاد-جامعة دمشق
إن الصكوك والأوراق المالية الحكومية هي ثلاثة أنواع، اثنان منها تطرحها وزارة المالية للاكتتاب (أي البيع)، النوع الأول يسمى (أذونات خزينة)، وتكون مدة رد ثمنها لحامليها (أي إيفائها/ إطفائها) مدة سنة كحد أقصى، وهي تختلف عن النوع الثاني الذي تُصدره وزارة المالية، والذي يسمى (السندات الحكومية)، بطول مدة الإيفاء، التي تكون مدتها أكثر من سنة، سنتين، ثلاث سنوات، وحتى 30 سنة (أو حتى أكثر في الولايات المتحدة الأميركية).
ويُعد بيع (أو طرح) هذين النوعين من الصكوك (على الاكتتاب) يُعد بمنزلة اقتراض حكومي، غايته إما إنشاء مشاريع استثمارية إنتاجية إستراتيجية، أو قد تكون لزوم سد العجز بالموازنة العامة، أي لتغطية نفقات عامة لا تغطيها الإيرادات الحكومية في الوقت المناسب.
أما النوع الثالث من الصكوك المالية الحكومية فيسمى (شهادات إيداع) التي لا يحق إلا للمصرف المركزي طرحها للاكتتاب عليها (أي شراؤها)، وتكون الغاية من ذلك عادة، سحب جزء من الكتلة النقدية (السيولة) الدائرة في السوق، كأحد إجراءات تخفيض مستوى التضخم. وطبعاً هذا لا يمنع من أن يقوم المصرف المركزي بإقراض هذه السيولة التي جمعها لوزارة المالية، كلياً أو جزئياً، ولمدة محددة.
وفيما إذا كانت هذه السيولة المحصلة (البالغة مئات المليارات) الناتجة عن (استصدار.. طرح.. بيع) هذه الأنواع الثلاثة من الصكوك، خلال الفترات الماضية، قد صبت لتغطية هذا (استثمارات) أو ذاك (تمويل عجز)، فلا أحد من الجمهور العادي يعرف ذلك، لأنها تبقى قضايا حكومية مالية داخلية سيادية ليس من الضروري الإفصاح عنها، ولا بأس في ذلك، فهي في معظم الأحوال تبقى أفضل من الاقتراض الخارجي من مؤسسات التمويل الدولية.
لكن عموماً، وباستخدام منهج الاستقرار التحليلي العملي والملموس، نستنتج أن سيولة الموازنة العامة للدولة كانت تمول بجزء كبير منها لتغطية العجز طوال فترة الحرب، لذا نستطيع أن نستنتج بأن كل أو معظم مبالغ الأذونات والسندات الحكومية (بما فيها شهادات الإيداع التي يُصدرها المركزي) التي تم طرحها خلال السنوات الثلاث الماضية (على الأقل) قد استخدمت (وأنفقت) لتغطية نفقات غير استثمارية، وهذا أمر سلبي لأنه ربما سيشكّل عبئاً مالياً ثقيلاً لاحقاً على الخزينة العامة للدولة، عدا أنه أضاف عبئاً جديداً على أعباء المديونية الحكومية، وما يبرر ذلك أن هذا يحدث (قسراً) بسبب الحرب وظروف الحصار والعقوبات الظالمة طوال فترة الحرب، وما زالت آثارها وبعض مفاعيلها مستمرة ومؤثرة حتى اليوم.
تصدر الصكوك والأوراق المالية التي تُصدرها وزارة المالية (أذونات وسندات الخزينة) المنوه إليها أعلاه (بالتنسيق مع المصرف المركزي كوكيل إصدار)، بموجب أحكام المرسوم التشريعي (رقم 60 لعام 2007)، وتعليماته التنفيذية ودليل إجراءات الأوراق المالية الحكومية، وذلك بهدف إدارة أكثر فعالية للدين العام (وفق النص)، وهي تستند (كما نوهنا آنفاً) إلى توفير مصادر لتمويل النفقات الجارية والاستثمارية الواردة في الموازنة العامة للدولة، حيث لا يسهم ذلك في زيادة الضغوط التضخمية، وبحيث ألا يكون لها تأثيرات إيجابية في السياستين النقدية والمالية والاقتصاد الوطني على وجه العموم.
وحول تكاليف و/أو أرباح الجهة الرسمية أو المكتتبين، فإن أذونات الخزينة يتم إصدارها بخصم من قيمتها الاسمية، بمعنى أنه لو كانت القيمة الإسمية للصك الواحد (1000 ل.س)، فإنه يباع للمكتتبين على سبيل المثال بـ(900 ل.س) فقط، أما سندات الخزينة فيتم إصدارها بقيمتها الاسمية، وتُمنح فائدة سنوية ثابت طوال فترة سريان التاريخ المتفق عليه.
إن استصدار الصكوك المالية الحكومية، وباعتبار أنها سيتم رد قيمتها (ولها تكلفة، إما حسم من قيمتها بالنسبة للأذونات، أو بتسديد فوائدها بالنسبة للسندات وشهادات الإيداع، بتواريخ محددة، فإن هذا قد يُشكل عبئاً على الخزينة العامة للدولة لاحقاً، وبالتالي لا بد من عقلنة تكرار استصدارها، وربط الاستصدار (زمنياً ومالياً) بالقدرة المتوقعة على الإيفاء، وإلا فتُعتبر هذه العملية بمنزلة (دفش) المشكلة الحالية إلى الأمام.
وحول الجهات التي تشتري الأوراق المالية الحكومية، هي المصارف والصناديق النقابية والاستثمارية وبعض المؤسسات الحكومية (مثل التأمينات الاجتماعية). أما بالنسبة لإمكانية بيعها من حاملها قبل استحقاقها، فهذا أصبح ممكناً، فهي مدرجة للتداول والبيع والشراء في سوق (بورصة.. دمشق للأوراق المالية.