هل هو اختراع سوري؟.. الطريق الرابع خلطة رأسمالية اشتراكية… د. الحمش لـ«الاقتصادية»: البحث عن طريق يتناسب مع أوضاعنا للوصول لاقتصاد قوي يحقق التنمية
| أمير حقوق
تعد التنمية بجميع مجالاتها وأبوابها، ركيزة أساسية في اقتصاد أي دولة لأهمية الدور الإستراتيجي الذي تقوم به وتحدد مساراته وركائزه، وبما أن التنمية ترتبط بالإعمار بشكل أو بآخر فإن تطوير وتحديث ومتابعة المصطلحين يبقى في غاية الأولوية، وذلك تبعاً لأهميتهما في عملية تحسين الاقتصاد وتحريك عجلة دورانه.
وبناءً على أهمية التنمية ودورها الحيوي في عملية الاقتصاد وتحسينه، ولارتباطها بعملية الإعمار، أقامت جمعية العلوم الاقتصادية منصة حوارية في مكتبة الأسد الوطنية بعنوان: الطريق الرابع للتنمية والإعمار في سورية، يوم الأسبوع الماضي من خلال رؤية أو مقترح قدمه الدكتور منير الحمش حول تصور للطريق الرابع للتنمية وللإعمار وحاوره الدكتور عابد فضلية والدكتور غسان إبراهيم.
بدأت المنصة الحوارية بحديث الدكتور منير الحمش قائلاً: بعد الحرب العالمية الثانية طُرح باب التنمية في البلدان النامية من خلال طريقين، أولهما الطريق الليبرالي والطريق الثاني هو الاشتراكي، وبعد أكثر من 50 عاماً المسار الليبرالي أثبت إخفاقه في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والخيار الاشتراكي أخفق والدليل على ذلك انهيار الاتحاد السوفييتي، ولكن هذا لا يعني سقوط الاشتراكية بل ستبقى لأنها نبض الراغبين بالتقدم، وليست فقط الاشتراكية تعرضت للأزمات بل أيضاً الرأسمالية التي بطبيعة تكوينها هي في أزمات متوالية، أما الطريق الثالث فهو جاء لحماية الرأسمالية وليس لتجاوزها.
سياسات متتابعة
وبعدها انتقل بسرد تاريخي عن السياسات الاقتصادية المتتابعة في سورية منذ عصر الوحدة مع مصر والتي صدر فيه أول خطة اقتصادية وقانون الإصلاح الزراعي وتأميم الشركات الزراعية والصناعية والبنوك وشركات التأمين، وبعدها بعهد الانفصال حصلت محاولات لإلغاء خطط عهد الوحدة ولكن فشلت بسبب اضطراب النواحي السياسة، وصولاً إلى عام 1973 مع صدور مرسوم دستور الجمهورية العربية السورية طرح شعار التعددية الاقتصادية، وفي تسعينيات القرن الماضي زاد الانفتاح على القطاع الخاص وتطبيق نصائح البنك الدولي والنقد الدولي، وفي بداية عام 2000 ظهرت مناداة للإصلاح الاقتصادي على مستوى متعدد، كما أن الخطط الخمسية في سورية بدأت منذ السبعينيات، وكانت آخر خطة عام 2011 الخطة الخمسية الحادية عشرة، معتبراً أن الخطة الخمسية العاشرة كان تقييمها على أنها لم تكن على مستوى الهدف الذي رُسمت لأجله، وقد تبنت اقتصاد السوق الاجتماعي، إلا أن التطبيق كان نحو اقتصاد السوق الحر.
وأكد الدكتور الحمش أنه خلال المرحلة السابقة تم تخريب ممنهج للاقتصاد السوري، ومن هنا تنبثق أهمية وضرورة التنمية والإعمار في سورية، موضحاً أن التنمية بلا رؤية مستقبلية لا مستقبل لها، وأنه يجب البحث عن الطريق الذي يتناسب مع أوضاعنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والحضارية للوصول إلى قوة الاقتصاد وتحقيق التنمية والإعمار، كما يجب تحديد هوية الاقتصاد السوري.
ملامح ومنطلقات
وفي مجمل العرض، قدم الدكتور الحمش رؤية عن الطريق الرابع للتنمية والإعمار في سورية، حيث حدد ملامح ومنطلقات هذا الطريق والتي تمثلت في السعي إلى تحقيق زيادة حقيقية في الناتج المحلي الإجمالي والذي يحقق في التالي زيادة بنصيب الفرد من الناتج ورفع المستوى المعيشي وتأمين الاحتياجات الأساسية ويمكّن الاقتصاد من الإسهام في تعزيز قوة الدولة بدورها في التنمية والإعمار، وأيضاً تحقيق العدالة الاجتماعية، وبهذا فإن الطريق الرابع يتمتع بالملامح الأساسية والمنطلقات لتحقيق التنمية الشاملة والمستقلة والمستدامة التي تعتمد على القدرات الذاتية وتتوضح من النقاط التالية: أولاً: الترابط الوثيق بين النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، وهذا الترابط نتاج عملية حيوية ديناميكية ومخططة.
ثانياً: السوق وحده بما فيه من قوانين وعلاقات وآليات لا يستطيع تحقيق التنمية المطلوبة، وأيضاً التخطيط المركزي المستند إلى الدولة وقوانينها ومؤسساتها لا يستطيع تحقيق التنمية، وبالتالي المطلوب إيجاد نوع من التنسيق والتزاوج بين السوق وآلياته والدولة ومؤسساتها للخروج بنظام يستطيع أن يحشد كل الموارد البشرية والمادية في البلاد ويوجهها نحو تنفيذ برنامج تنموي شامل ومتوازن ومستدام، ثالثاً: إعداد وتكوين الكوادر البشرية وزجها في عملية التنمية وضمان التوزيع العادل والشامل لإتاحة الفرصة للجميع للمشاركة في المجهود التنموي، رابعاً: الإنصاف داخل الجيل القائم والإنصاف بين الأجيال، خامساً: الجهد التنموي المتعدد الأبعاد يجب أن يتوجه للقضاء على التخلف بأشكاله كافة كالفقر والجهل والبطالة، سادساً: إقامة حياة سياسية تسمح للمواطنين جميعاً بممارسة حقوقهم السياسية، سابعاً: الانفتاح على الخارج يجب أن يبقى مضبوطاً ويجري على نحو انتقائي، ثامناً: حشد الموارد المتاحة وتوجيهها نحو الأهداف التنموية، تاسعاً: مراعاة الخصوصية البنيوية للاقتصاد السوري، وأخيراً: مواجهة ظاهرة الاقتصاد الريعي الذي أصبح سائداً في مجال الخدمات، وضرورة العناية بقطاع الحرفيين والصناعية الحرفية ومحاربة الفساد من أجل المحافظة على قيم المجتمع لأسباب أخلاقية، وتحقيق المشاركة بين القطاعات من خلال خطة اقتصادية على أن يحتفظ القطاع العام بمهامه الأساسية، ووضع سياسة واضحة للدعم الحكومي في القطاعات.
ركائز
وتجلت ركائز الطريق الرابع وفق رؤية الدكتور الحمش، في الموارد الوطنية التي لها الدور الأساس في المشاركة الشعبية، وضبط العلاقات مع الخارج والتعاون مع الدول العربية، وأيضاً القيم التي يحملها المجتمع السوري عبر السنين وهي حصيلة تاريخية متداخلة، فيجب المحافظة على القيم فهي ركن أساس من أركان الطريق الرابع.
صعوبات
الصعوبات والمعوقات التي يمكن أن تواجه الطريق الرابع تتمثل في كل المتضررين من هذا الطريق، لأنهم سيقفون ضده ويعملون على إعاقته، ومن لهم مصلحة في التحول نحو اقتصاد السوق للداخل بدعم كامل.
الشروط
لنجاح هذا الطريق، يجب تحقيق عدة شروط وهي تعميم ثقافة التنمية وإدراك حجم الصعوبات التي تواجه هذا الطريق وتقدير حجم التكاليف التي ستقع نتيجة هذا الطريق، وإعادة ترتيب الإدارة الاقتصادية وإقامتها على أسس جديدة، وتحقيق المشاركة الشعبية الواسعة، ومواجهة الممارسات والضغوط من أعداء الطريق.
تعقيب
بعد إنهاء رؤية واقتراح الدكتور الحمش، رأى الدكتور غسان إبراهيم أن الطريق الرابع هو طريق تجاري يمر بالدول الاشتراكية وبالدول الرأسمالية، أي عابر للثقافات، ويحق لكل مفكر أو باحث أن يقترح حلا للأزمات، ومنطقياً كان على الباحث الدكتور منير الحمش الحكم على كل التجارب التنموية الوطنية والخارجية بالإخفاق لكي يكون المقترح شرعياً ومنطقياً، وبالمقابل أشرك الشرعية والعقلانية على مقترحه، ويجب أن يستنفد الطريق الرأسمالي إمكانية تطوره وأن يستنفذ الطريق الاشتراكي إمكانية تطوره والطريق الثالث أن يستنفد إمكانية تطوره، ويبقى السؤال هل ينطبق المعيار الذي طرحه الدكتور منير الحمش في حكمه الرهيب على إخفاق كل التجارب التنموية الوطنية والخارجية في الحكم على الطريق الرابع؟ كما أشار إلى ملامح منظومة القيم وهو موضوع معقد ومتشعب وكبير، وكما يجب طرح السؤال أين البنية الفوقية التي ستبنى على البنية التحتية؟، واعتقدَ الدكتور إبراهيم أن الفصل بين القطاع العام والقطاع الخاص فصل مصطنع متكلف وإيديولوجي لا دلالة له ولا معنى له.
أما الدكتور عابد فضلية فجاء تعقيبه في عدة نقاط وهي: مسألة التنمية والتطور هي مسألة إدارة موارد، واعتقد أنه ليس هناك طريق رابع أو خامس أو سادس، ولكن هناك طريقاً ثالثاً ولكن بنماذج معينة، بما يتناسب مع ثقافة وخلفية وعقلية البلد وظروفه، وتعليقاً على رأي البعض أن التجارة الخارجية هي قاطرة النمو أكد الدكتور فضلية أن في سورية الزراعة هي قاطرة النمو، والتنمية لا تقوم على نموذج معين بل تقوم على الواقع، وواقعنا هو ليس الطريق الرأسمالي ولا الاشتراكي بل الطريق الثالث، ويجب عدم الفصل بين القطاع العام والقطاع الخاص، والاقتصاد السوري يحتاج إلى الدولة والحكومة والقطاع العام والقطاع الخاص، ونطالب بأن تتدخل الدولة أكثر في القطاعات الإستراتيجية المهمة وأن تتدخل أقل في القطاعات الهامشية، كما أشار إلى ضرورة إصلاح القطاع العام الذي يشكل ثلث الاقتصاد السوري.
عبر الدولة ومؤسساتها
وفي حديث خاص مع «الاقتصادية» أوضح الدكتور منير الحمش أن آلية تنفيذ الطريق الرابع تكون عبر الدولة ومؤسساتها وأدواتها وآليات عملها، فالحكومة بما لديها من أدوات بعد أن تقرأ المشروع من القوى السياسية ويقر المشروع في مجلس الشعب بالطرق الدستورية، وبالطبع سيكون للمشروع حامل سياسي واقتصادي واجتماعي، وهذا الحامل هو القوى السياسية مع جميع المستفيدين، وكما سيلقى معارضة من جميع المتضررين وخاصة من قوى الفساد والقطاعات المرتبطة بالمشروع الليبرالي وقوى السوق وخاصة قوى الاحتكار والاستغلال، وجميع المستفيدين من اقتصاد السوق المرتبطين بأجندات خارجية.
وحول السياسة المتبعة، أردف الدكتور الحمش أنه بعد إقرار المشروع دستورياً تضع الحكومة الخطة التنفيذية وتوزع مسؤوليات التنفيذ على المؤسسات وفق الاختصاص، حيث تترجم إلى سياسات، ويتولى مجلس الشعب المتابعة والمساءلة والمحاسبة، وينعكس هذا المشروع على الخطة الاقتصادية والاجتماعية الخمسية وعلى الموازنة السنوية العامة للدولة ويتولى مجلس الشعب المراقبة والمتابعة والمحاسبة والمساءلة.
طريق ثالث مطور
إنه لم يطرح بكل الجلسة أي شيء له علاقة بالطريق الرابع، بل هو طريق ثالث مطور، وبما أنه لا يطبق النظام الاشتراكي ولا النظام الرأسمالي ولكن يطبق شيء مختلط، فسمي الطريق الثالث وهو لكل دول العالم ولكن يغلب عليه حرية السوق أكثر أو أقل، وتدخل الدولة أكثر أو أقل، ولكن ترسخ دور الدولة في القطاع العام، ولم يتم إصلاح للقطاع العام، والورقة التي قدمها الدكتور منير هي أفكار نموذجية، ولكن يصعب تطبيقها لأنه يكون مختلفاً، ورؤية الدكتور منير شاملة لكنها تعتمد أكثر على العوامل النفسية والأخلاقية وغيرها، ومشكلتنا تكمن في كل هذه النواحي، حسبما أشار إليه الدكتور عابد فضلية في حواره مع «الاقتصادية».