كلام في الاقتصاد

سياسة نقدية واقتصاد حيوي

|عامر إلياس شهدا

وردت في الخطاب الرئاسي جملة مهمة تقول: «لا شيء أخطر علينا اليوم من اتباع سياسة الهروب إلى الأمام وإنكار الواقع بدلاً من مواجهة التحديات ومعالجة المشكلات» انتهى الاقتباس.
إن مواجهة التحديات ومعالجتها ليستا فعلاً مفرداً وإنما فعل جماعي مجتمعي، وأعتقد أن أهم خطوة باتجاه التصدي لسياسة الهروب إلى الأمام هي الوقوف بوجه التضليل.

نحن بما سنورده أدناه لا ننتقد لكننا نوضح معاني مصطلحات ونقارن بعض المعطيات بهدف معالجة المشكلات.
مصرف سورية المركزي طرح مصطلح الاقتصاد الحيوي حيث ورد في نشرته:
إن مصرف سورية المركزي يعمل على إدارة السيولة النقدية من خلال التغذية النقدية المستمرة لقيم رواتب القطاع العام والخاص والمواسم الزراعية إضافة للقيم المقابلة للقطع الأجنبي. بلغ معدل النمو لقيم التحويلات المنفذة من خلال منظومة التحويلات الفورية 122,7 بالمئة الأمر الذي يؤكد على (حيوية الاقتصاد) ونشاطه في كل حلقاته من إنتاج واستهلاك وتداول.
في الحقيقة الرواتب والأجور وشراء القطع ودفع المستحقات لا تعتبر إدارة للسيولة ولن نخوض بهذا الأمر لاحتياجه لصفحات، علماً أن حجم قيم التحويلات من دون الالتفات للتضخم لا يقود الاقتصاد ليكون حيوياً.

الاقتصادي الحيوي بحاجه إلى سياسات شاملة، حيث يتم دمج المكونات الحيوية عبر القطاعات ودمج أهدافها فيما يتعلق بالاستدامة والاقتصادات الدائرية، وحتى لا يكون هناك أي تضليل فنحن لا نملك إستراتيجيات وطنية للاقتصاد الحيوي، رغم أننا نملك مقومات هذا الاقتصاد، وهناك فرص كبيرة متاحة يمكن أن تجعل الاقتصاد حيوياً والأمر يحتاج إلى تشريعات وسياسات ناضجة، فالاقتصاد الحيوي يهدف إلى توفير حلول مستدامة من خلال معلومات ومنتجات وعمليات وخدمات عبر جميع القطاعات الاقتصادية لتمكين عملية التحول إلى اقتصاد مستدام، ويشمل الاقتصاد الحيوي نطاقاً واسعاً من الزراعة المستدامة وصيد الأسماك والغابات وتربية الأحياء المائية، إلى تصنيع الأغذية والأعلاف، والتكنولوجيا الحيوية والمنتجات والطاقة الحيوية.

فعندما نقرأ أن الحكومة ستوجه وفورات الدعم للتخفيف من عجز الموازنة وتحسين الرواتب والرعاية الاجتماعية لمحتاجيها، وإذا أسقطنا هذا الهدف على الاقتصاد الحيوي والسياسة النقدية، نجد أن هناك خللاً حقيقياً ونوعاً من الهروب إلى الأمام. فإذا حللنا ما طرح حكومياً بخصوص توقف الحكومة في اعتمادها على الاستدانة والإصدار النقدي، والاستعاضة عنها من خلال رفع الأسعار نجد أن طرحاً كهذا غير منطقي ويعمق المشكلة أكثر، فمن الأجدى اقتصادياً ونقدياً هو القيام بمعالجة تراجع الادخار الأسري في سورية، فانخفاض المدخرات يعتبر من أهم العوامل التي تقف وراء انخفاض معدلات النمو الاقتصادي، فالمدخرات المحلية تعد أمراً حيوياً لتحقيق معدل النمو الاقتصادي، والمدخرات الأسرية تعتبر إحدى الأقنية المهمة لتمويل إنفاقات الحكومة على أن يترافق ذلك بسياسة تهدف إلى تفعيل سوق السندات الحكومية ما يدعم السياسة المالية ويحارب التضخم.
تشجيع الادخار الأسري يتم من خلال ميزات وعائدات مجزية للمدخرين، لكونه يحارب التضخم ويرفع من المستوى المعيشي للمواطن. نحن نعلم أن الادخار الأسري لا يكفي لسد احتياجات الحكومة، لهذا من الأجدى توجيه وفورات الدعم لتمويل مشاريع إنمائية تحقق استدامة في الموارد هدفها رفع مستوى التمكين المالي للحكومة من أجل استدامة تحسين المستوى المعيشي للمواطن وخلق فرص عمل للعاطلين عنه.
أعتقد أن هناك دعوة حقيقية واهتماماً كبيراً لجعل الاقتصاد السوري اقتصاداً حيوياً يبدأ من خلال سياسات الاستثمار المتاح وخلق البدائل من دون رفع التكاليف لمحاربة التضخم.
فقد أشرنا أعلاه إلى أن الاقتصاد الحيوي يهدف إلى نمو اقتصادي مستدام من خلال الاعتماد على الاقتصاد الدائري.
هناك سؤال يقول: هل تملك سورية مقومات الاقتصاد الدائري؟ الجواب نعم وبكل تأكيد، فعندما نقرأ تقريراً خاصاً بسورية صادراً عن UNDP يقول إنه يتم إنتاج 1,04 طن متري من النفايات الصلبة في مدينة حلب كل دقيقة، هذا الأمر يستلزم اهتماماً لأنه من مقومات الاقتصاد الحيوي، وبالتالي يعتبر استثماراً متاحاً لتخفيض التكاليف ومحاربة التضخم، ومشجعاً للاستثمار في الاقتصاد الدائري. هذه النفايات معالجتها متاحة والتكنولوجيا اللازمة لمعالجتها أيضاً متاحة، فالمعالجة تولّد الطاقة الكهربائية إضافة إلى غاز الهيدروجين، ما يساعد على تخفيض تكاليف الزراعة والصناعة، ويضغط الحاجة للقطع الأجنبي، ويحل أزمات المشتقات النفطية وعلى رأسها الغاز والمازوت إضافة إلى الكهرباء، ويحقق في الوقت نفسه موارد بالقطع الأجنبي. أعتقد أن حلول إدارة النفايات الصلبة السليمة بيدنا وهي مجدية اقتصادياً وتعتبر من الأمور المهمة للحد من التلوث.
كما أنه من المهم جداً أن نعمل على وضع إستراتيجيات وسياسات تجعل من الاقتصاد السوري اقتصاداً حيوياً يهدف لاستثمار المتاح ويساعد على حل حزمة من المشكلات أهمها التضخم والبطالة والمستوى المعيشي للمواطن.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى