تحضيرات انتخابات غرف التجارة «باهتة» ومنزوعة الدسم!… فتور كبير وخلافات ومقاطعات!..هل يمكن أن تصبح غرف التجارة شريكاً في القرار الاقتصادي؟
|هني الحمدان
كشفت التحضيرات لانتخابات مجالس غرف التجارة وغرف التجارة والصناعة بكل المحافظات تباينات وملاحظات لم تكن معهودة من قبل، فالأجواء باهتة، والترشح كان بالتقسيط حيناً، والتقصير وعدم الاقتناع حيناً آخر، كل ذلك كشف حقيقة الشيخوخة المبكرة التي أصيب بها قطاع التجار، وما شيخوخة أي من القطاعات، أو حالة الوهن التي تعتريه، إلا انسداد آفاق عمله وقصور أنشطته، باستثناء هيمنة زمرة من بعض التجار«الشاطرين ربما» على المشهد بطرق تختلف عن حيوية وروح الحماس لدى شريحة التجار بالشكل المعهود، لكن يبدو أن هناك تغيرات في السلوك والتعاطي وحسابات جديدة.
الملاحظ لم يبد التجار اهتماماً كما يجب أن يكون بالتحضيرات اللازمة لخوض غمار السباق إلى منصب شهبندر ورؤساء غرف التجارة، حتى قسم من التجار لم يكن متجاوباً وراضياً عن الآليات وكأنه فاقد الهدف المتوخّى من معركة الانتخابات الباردة جداً، وعلل أحد التجار لـ«الاقتصادية» الحالة بأن الأزمة الاقتصادية أثرت على أجواء ترتيبات انتخابات هذه الدورة، مع عدم تجاوب الحكومة الكامل، وفقدان أي مسعى لتحقيق اختراع مهم يقوم به التجار، فالتاجر اليوم مكبّل بسيل من الإجراءات الإدارية التي جعلته غير قادر على أخذ دوره كما يجب، ناهيك عن بعض السلوكيات من بعض الزملاء في مجالس الغرف الحاليين الذين لم يكونوا بالمرتبة الأجدر والأقدر، لكنهم عملوا فقط لمصلحتهم الشخصية، وهناك تدخلات من جانب بعض الإدارات لتقريب تاجر عن آخر، وأجواء الجو العامة غير مشجعة لظهور حالة تفاعل مع استحقاق دورة انتخابات جديدة.. هناك غرف لم يتقدم إليها سوى مترشحين أو ثلاثة، وغرف ستنجح بالتزكية، وزملاء غير مقتنعين بكل العملية، فالحالة يمكن وصفها بالباهتة، التي لا لون ولا طعم لها، وبعض التحضيرات ببعض الغرف جرت في أجواء مشحونة، لاستفراد بعض الزملاء من رؤساء الغرف بقرارات غير صحيحة، ما أدى لتدخلات وزارة التجارة أكثر من مرة لتصويب الأمور! فإذا كان رأس الهرم مخالفاً فكيف سيقتنع التاجر أن الأمور ستتغير ويصل الشخص النظيف..؟
في مرات سابقة كان هناك حماس يفوق ترتيبات هذه الدورة عشرات المرات، أيام الزمن الجميل، وكانت الانتخابات تدل على حالة اندفاع وغيرية على العمل لمصلحة الجميع، هي عكس حالة اليوم، فلا برامج نسمعها ولا شعارات هادفة نراها، ولا ندوات مركّزة أقيمت، ولولا بعض الجهود الإعلامية لما شعر الناس بأننا في فترة انتخابات لقطاع التجار.. فلا استغراب إذا التجار أنفسهم قاطعوها.!!
تاجر من إحدى المحافظات قالها باختصار: أنا مرشح لخوض الانتخابات ليس حباً فيها ولا بالمجلس أو الوجاهة الزائفة التي يحارب البعض للظفر بها، بل لحالة التقوقع والضعف وعدم تمثيل التجار بالصورة الأجمل، مجالس الغرف بقي بعضها بمرحلة سكون كامل، شرب شاي وقهوة، لم تحرك ساكناً أو تطالب وتعمل من أجل مَن انتخبها، عملت فقط من منظور باب المصلحة الشخصية، فالإنسان أو الزميل التاجر الناجح كل الزملاء يحبونه ويحرصون على إعادة انتخابه، في حين مَن لم يعمل ويرتكب الأخطاء ولم يؤدّ الواجبات، عندها على كل الزملاء التقدم والمشاركة لتحييده من المشهد برمته.
مجالس غرف عليها مسؤولية مهمة، وعليها أن تعمل أولاً لخدمة التجار وتذليل أي إشكالات تواجه عملهم، لا أن تتفرغ لمصالح ضيقة وتعيش حالة «البريستيج» غير مهتمة بالأوجاع الحاصلة! وعلى عكس ذلك وحسب رأيي، أن هناك زملاء من التجار بغرف أخرى لم يتقدموا لخوض الانتخابات لثقتهم بمجلس غرفتهم، بسبب تلبية الواجبات والمهام هكذا يبدو..!
تراجع دور الغرف
المشهد الانتخابي لمجالس إدارة الغرف التجارية في المحافظات بشكل عام يلخص إلى حد كبير الواقع الاقتصادي في البلد، والفتور الذي نلاحظه في هذه الانتخابات له عدة أسباب متشابكة، أولها: شعور التجار بتراجع دور الغرف وتأثيرها في القرار الاقتصادي، وثانيها: هو ظهور خلافات وصراعات بين أعضاء مجالس الغرف أنفسهم، الثالث والأكثر أهمية: تزامنت الانتخابات التجارية مع حالة ركود شبه عام في الأسواق، عدا السلع الغذائية والمواد الضرورية، فقد تراجع الاستهلاك العام عند أغلبية الناس بشكل كبير نتيجة لضعف القدرة الشرائية، كل ما سبق، كان له أثر سلبي على الأداء العام للغرف وساهم في الحد من التعويل على دورها في تمثيل المجتمع التجاري وإبداء رأيها في القرارات الاقتصادية ومساهمتها في تعزيز التنمية.
في سياق الحديث عن الانتخابات، لنعد إلى المرسوم التشريعي رقم 21 لعام 2024 الذي صدر بهدف تنظيم انتخابات الغرف التجارية وغرف التجارة والصناعة المشتركة، إذ عدّل المرسوم 21 المادتين 20 و103 من القانون رقم 8 لعام 2020، لجهة إضافة إمكانية إجراء الانتخابات الإلكترونية، والتعديل الثاني المهم ينص على أنه يمكن لكل ناخب ينتمي لشريحة معينة، حق انتخاب مترشحين لعضوية مجلس إدارة الغرفة ضمن الشريحة نفسها، طبعاً بموجب هذا التعديل أصبح التجار الذين ينتمون للشريحتين الثالثة والرابعة لا يستطيعون انتخاب إلا مترشح واحد يمثل الشريحة التي ينتمون اليها، وهذا أشعرهم بالإقصاء عن المشاركة بالانتخابات، وساهم بانعدام الحماسة أو الضجيج الذي يرافق الحملات الانتخابية عادة، ولسان حالهم يقول: يفترض من عضو مجلس الإدارة للغرفة التجارية أن يمثل مصالح المجتمع التجاري كاملاً وليس فقط الشريحة التي ينتمي لها، وبالمقارنة مع انتخابات مجلس الشعب، فبالرغم من وجود شرائح متعددة وفئة أ وفئة بـ(العمال والفلاحون والمستقلون وغيرهم)، فإن كل ناخب يستطيع أن ينتخب من يريد من الشرائح الأخرى بغض النظر عن انتمائه لشريحة مختلفة، فمثلاً، يستطيع أي ناخب من العمال والفلاحين انتخاب مترشح من عموم فئات الشعب أو المستقلين، والناخب غير ملزم بأن ينتخب مرشحاً من الشريحة التي ينتمي إليها، هذا التعديل سيؤدي إلى بناء تحالفات جديدة بين التجار ضمن الشرائح الممتازة، الأولى والثانية.. وذلك حسب رأي الدكتورة وزيرة الاقتصاد السابقة لمياء عاصي لـ«الاقتصادية».
عادة ما يكون الحماس لأي انتخابات مدفوعاً بعاملين هما، الثقة بالمترشحين، ومدى التغيير الذي يمكن أن يحدثه فوز مترشح معين دون آخر، ونزاهة العملية الانتخابية، أما بالنسبة للنزاهة فقد سعى المرسوم إلى إتاحة إجراء الانتخابات إلكترونياً، أما العامل الأول فما زال محل نقاش، بكل الأحوال تشي حالة الفتور الحالية بأنها ستكون انتخابات منزوعة الدسم!!
ترهّل وفقدان بريق!
وإزاء ذلك على ماذا تدل الحالة أيضاً..؟
يتساءل تاجر: هل أصاب الترهل غرف التجارة والصناعة وفقدت بريقها؟ وهل أصبحت كدائرة تابعة لوزارة التجارة الداخلية؟ وهل هذا له تأثير على عزوف التجار عن الترشح لانتخابات غرف التجارة؟ ففي سبر بسيط لتصريحات أعضائه المتناقضة من خلال الصحف والمواقع الإلكترونية والعلاقات الشخصية.. نجد أن هناك انقساماً حاداً، غير معلن، في الآراء، وعدم رضا عن أداء الغرف بشكل عام، وفقدان تأثيرها لمصلحة التاجر.. وهنا نتساءل أيضاً: هل اتحادات غرف التجارة والصناعة شخصيات اعتبارية.. مستقلة؟!
لقد أصبح دور غرف التجارة واتحاداتهما مترهلاً، إضافة إلى أنه مجرد وجاهة وديكور واستغلال للمصالح الشخصية، وتبييض لبعض تجّار الأزمة المتسللين والمتسلقين وليس للتاجر أو المواطن، وبات تجمّعاً للتجار الذين لم يستطيعوا إنجاز أي اختراق يذكر منذ انتخابهم، من هنا حالة الزهد كانت موجودة عند الأكثرية. والاقتراح اليوم لماذا تعامل هذه الغرف معاملة القطاع العام.. وتخضع لجهاز الرقابة وكأن أعضاءها موظفو قطاع عام.. بمعنى هنا، تفريغ وتقييد لدورها لا خدمة لتطور الاقتصاد والاستثمار!!
شراكة في القرار
ودعا تاجر إلى ضرورة وجود شراكة ما بين قطاع التجار والحكومة من أجل الوصول إلى قرار اقتصادي موزون، فالقرارات الاقتصادية الإستراتيجية والمهمة يجب أن تتم بالتوافق بين اتحاد الغرف التجارية ووزارة التجارة واللجنة الاقتصادية، وبتوافق دائم لا ضرر ولا ضرار.. وبالمقابل نطرح السؤال: ماذا فعل اتحاد الغرف والغرف في هذه الحملة الممنهجة ضد التجار الذين يُفرض عليهم الجبايات والجمارك والضرائب والتضخم والمنصة مثلاً، يتساءل تاجر..؟
وهل نجح في المطالبة والضغط على الوزارات في خفض الجبايات والرسوم التي تؤخذ من التجار على مدار العام، ابتداءً من وصول البضائع رصيف الميناء إلى مرورها بالطرقات حتى تصل إلى رفوف العرض؟ فهذه هي المشاكل الحقيقية التي ينبغي حلها، وهل نجح في جذب الاستثمارات الخارجية والمساهمة في خلق البيئة الحاضنة إلى سورية؟
يمكن القول: لم ينجح اتحاد الغرف في الحفاظ على هوية الاقتصاد والدفاع عن التاجر السوري، والوقوف في وجه هذه الهجمة القوية، والتغول والعبث لغير مصلحة التاجر، كما أنه لم يملك ولا يقدم رؤية للقطاع الخاص لإعادة الإعمار في سورية، وجلب الاستثمارات الداخلية أولاً والخارجية ثانياً، لقد أصبح دور اتحادات الغرف عموماً محدوداً فقط باجتماعات كثيرة، ومهرجانات لا تغني ولا تسمن من جوع، وتصوير وضخ إعلامي وتصاريح مكتوبة لأعضاء أؤكد أنهم لا يعرفون الكتابة من دون أي نتائج أو إنجازات حقيقية ملموسة..! من هنا نستنتج الاستنتاج الخطير…. لماذا التاجر لم يكن راضياً عن أمور كهذه!!
على أي تاجر أن يكون مقتنعاً بأن يضع نصب عينيه خدمة سورية ورفع مستوى اقتصادها، وليس خدمة المصلحة الشخصية والجاه كما هو الحال.. حان الوقت لقرار من رجالات اقتصاد حقيقيين من ذوي الإحساس العالي بأن أمن اقتصاد سورية يعتبر خطاً أحمر.. فيجب أن يكون للغرف وأعضائها الآن بصمات في تاريخ سورية ودور عظيم في مستقبلها.