رأي

إصلاح المؤسسات أولاً للحد من التشوّهات وفتح الباب للمشاركة الواسعة للحوار وصنع القرار

| بقلم رئيس التحرير : وضاح عبدربه

ربما يجب على كل سوري وعلى المسؤولين تحديداً قراءة كلمة الرئيس الأسد في افتتاح الدور التشريعي الرابع قراءة معمّقة، ليفهموا معنى الإصلاح الحقيقي للمؤسسات في فكر الرئيس الأسد وعلاقتها ببعضها بعضاً، وكيف يمكن أن ينعكس ذلك على الأداء العام، وعلى السياسات، وعلى المعيشة والهجرة، ويفتح باب المشاركة الواسعة لكل مواطن وكل مختص في صناعة القرار السوري.

فالسيد الرئيس لم يقدم الأسبوع الماضي خطاباً تقليدياً في افتتاح دور تشريعي.. بل كان خطاباً إصلاحياً بامتياز، ينطلق من الواقع الذي وصلنا إليه والظروف المحيطة بنا، ويشخّص الأخطاء الحالية والماضية ومكامن الخلل، ويطالب بحلول واقعية قابلة للتنفيذ، تضع حداً للتشوهات الاقتصادية، مؤكداً، كما عودنا، أن سورية والاقتصاد السوري والمؤسسات السورية، هي مسؤولية الجميع، وأن الإصلاح يعني أن نكون جميعاً شركاء في بناء الوطن، وأن مسؤولية النجاح أو الأخطاء يجب أن تقع على كل المؤسسات مجتمعة، من دون أن نتهم واحدة ونبرئ ثانية، أو نتهم أشخاصاً ونبرئ سياسات.

تطرق الخطاب إلى العديد من القضايا التي تحاكي معاناة كل مواطن سوري وعلى مختلف الصعد، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.

الظروف المعيشية الصعبة كانت حاضرة وبقوة، مع إشارات واضحة إلى ضرورة تغيير أو تعديل سياسات كانت معتمدة وجيدة في حقبة من الزمن، وقد لا تكون مناسبة في حاضرنا، وكل ذلك بهدف تحسين الوضع المعيشي، وتحصين سورية ومناعتها من أزمات حالية وقادمة، وجدّد الرئيس الأسد دعوته للابتكار والإبداع وإيجاد الحلول من خارج الصندوق وطرحها للمناقشة العامة، لتصبح سياسة معتمدة لدى الدولة.

ولم يخلُ الخطاب من نقد ذاتي، حين تحدث الرئيس الأسد عن بعض المشاريع التي اعتقدنا أنها جيدة، ودافعنا عنها وشجّعناها، وتبين فيما بعد أن نتائجها قد تطول، أو لا تأتي أبداً، «لأننا في الأساس لم نسأل عن السياسة التي تظلل أو التي تشكل المظلة أو المصدر أو الراعي لهذا الإجراء».

بكل تأكيد خطاب افتتاح الدور التشريعي الرابع، هو دعوة من السيد الرئيس لكل سوري وكل مختص وخبير، بأن ينخرط في العمل العام، وأن يقدم الأفكار والحلول، وأن يكون مسؤولاً في التطبيق وعلى التطبيق، وهو دعوة لأعضاء مجلس الشعب، وهو المؤسسة الأهم في سورية بصفتها الممثلة المنتخبة لكل المجتمع السوري، الذي يتحمل مسؤولية إيصال مرشحيه إلى هذا المجلس، بأن يكون مجلساً فاعلاً، يمتلك كل الأدوات للمراقبة والمتابعة والتدخل حين يلزم الأمر، ومن أهم الأدوات قد تكون إيجاد آلية للحوار بين مختلف شرائح المجتمع السوري للبحث في الأفكار والطروحات المستجدة ووضع إطار سياسي وقانوني لها، ودراسة إمكانية تنفيذها، وما يمكن أن تصل إليه من نتائج، وبوقت زمني ومهل محددة.

اليوم، علينا أن نسأل أنفسنا الأسئلة الصعبة، وأن نقترح الحلول.

على سبيل المثال، في الماضي وعندما كانت سورية تعيش مرحلة من الرخاء النسبي، كانت سياسة الدعم مطلوبة وضرورية، لكن اليوم ومع الحرب والحصار وتراجع الإيرادات، لا تزال هذه السياسة ضرورية لكن مع توجه حكومي بإيصالها فقط لمستحقيها.. وبات النقاش اليوم في سورية، من هو المستحق الحقيقي للدعم، وهو سؤال لغز في ظل مؤشرات دولية، ربما غير دقيقة، تقول إن نسبة الفقر في سورية تجاوزت 91 بالمئة من عدد السكان!

مثال آخر: في حقبة من الزمن كانت سياسة التوظيف الاجتماعي ضرورة، لكن اليوم ومع تراجع إيرادات الدولة، باتت مستحيلة، ومن نتائجها الملموسة اليوم أن كتلة الرواتب والأجور ونتيجة التضخم وتراجع قيمة الليرة السورية، لم تعد تكفي لتعويض تعب أي موظف من أي رتبة كان، وتحول الراتب إلى «مبلغ رمزي» تقدمه الحكومة لقاء حضور وخدمات الموظفين.

وتدني هذا الراتب جعل الكثير من الموظفين ذوي الكفاءة، يقدمون استقالات، ويغادرون العمل الحكومي الذي كان لعقود من الزمن حلم لكل شاب سوري، وفتح باب الهجرة، وخسرنا خيرة موظفي الدولة من مهندسين وأطباء وكوادر مهنية وحرفيين وصحفيين وغيرهم من مختلف الفئات.

وأمام هذه الكارثة التي حلت بسورية، لا بد لنا أن نطرح السؤال الأهم وهو: كيف يمكن لنا الحفاظ على ما تبقى من كوادر وشباب؟ وكيف يمكن أن نوفر لهم دخلاً لائقاً يبقيهم في وطنهم؟ وهل قانون العاملين في الدولة النافذ حالياً، لا يزال صالحاً وضرورياً؟ أليس الوقت مناسباً لتعديله، بحيث يُعطى كلُّ ذي حق حقه؟

كل ذلك يوصلنا إلى مشروع الإصلاح الإداري الذي بالمطلق هو مشروع جيد وضروري، لكن في الواقع، وفي ظل ندرة الكفاءات وهجرة الكوادر، بات عبئاً.. قد يكون صالحاً للتطبيق في الترويج على سبيل المثال، لكن في سورية علينا أن نتمسك بكل مدير ناجح، وبكل مختص على رأس عمله، وبكل الكوادر البشرية القادرة على الإنجاز، لا أن ننهي «مساره المهني» ونحوله إلى مهاجر اكتسب العلم والخبرة في سورية، وستستفيد منه دولة ثانية أو حتى إلى متقاعد وهو في مقتبل العمر!!

لذلك، إذا أردنا أن نبدأ أي إصلاح، فعلينا أن نفكر كيف يمكن منح رواتب وتعويضات مناسبة، تؤهلنا لتعيين الرجل المناسب في المكان المناسب، وهنا ربما علينا مراجعة سياسة «الإدارة بالأهداف»، إذ يجري تحرير الإدارات من كل القوانين النافذة، شريطة أن تحقق الهدف المطلوب منها، وسبق أن كانت هذه التجربة ناجحة في مؤسسة «تاميكو».

أو علينا أن نبتكر ونبحث في طرق لتمويل رواتب الكفاءات، بحيث نبقيهم في سورية.. قد تبدو المعادلة صعبة، لكنها الأساس في أي إصلاح اقتصادي واجتماعي قادم، وهذه دعوة لتلقي الاقتراحات والأفكار التي تؤهل المؤسسات السورية، لتكون قادرة على دفع الرواتب والتعويضات المستحقة لكل الكفاءات التي تستحق منا كل الاحترام.

مثال أخير: تعيين طبيب في مشفى عام يكون راتبه ١٨٠ ألف ليرة سورية، وهذا المثال يضعنا أمام معضلة أساسية: الاستمرار بمجانية الطبابة، أم الحفاظ على الكوادر الطبية ومنعها من التسرب؟؟ الأمر كذلك حين يتعلق الأمر براتب أستاذ المدرسة أو الجامعة وحتمية الحفاظ على مجانيّة التعليم.

دعونا نتحاور.. ونبتكر الحلول..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى