إن ربط الأجور بالأسعار يتطلب أسباب نشوء التضخم
هل منشأ التضخم ناتج عن ازدياد الطلب العام على السلع والخدمات؟
طبعاً في وضع السوق السورية، هناك تراجع في مستوى الطلب العام، وهناك ضعف شديد في قدرة الدخل على الاستهلاك ناتج عن انخفاض القوة الشرائية لليرة السورية وغياب إستراتيجية تخص سلم الرواتب والأجور.
هل منشأ التضخم ناشئ عن انخفاض العرض لكميات من السلع والخدمات في الحالة السورية؟
السلع والخدمات متوافرة رغم ترشيد الاستيراد، إلا أن التهريب لم تتمكن الحكومة من ضبطه، لهذا فمعظم السلع متوافرة إضافة إلى الخدمات، لهذا لا يمكن اعتبار التضخم ناتجاً عن انخفاض كميات السلع والخدمات.
هل التضخم ناشئ عن ضعف في الإدارة الاقتصادية، وإخفاق السياسة النقدية والإنفاقية؟ لنوضح ذلك.
أولاً: إن اعتماد الحكومة على الإصدار النقدي وبيع سندات الخزينة جاء من أجل تسديد نفقاتها الجارية وتأمين السلع الأساسية، والكارثة نتجت عن قيام الحكومة بضخ عملة جديدة في السوق بحجة سعيها للسيطرة على سعر الصرف، حيث تورطت بعملية شراء وبيع العملة الأجنبية، واخترعت المنصة سيئة الصيت، وأهملت بشكل عميق مسألة التوازن في حجم العرض والطلب على العملة المحلية، ما أدى إلى ارتفاع في الكتلة النقدية المتداولة وأدخل الاقتصاد في حالة تضخم، وقد عمّق إخفاق السياسة النقدية هذا التضخم حتى دخل السوق مرحلة الركود التضخمي. وما زاد الطين بِلة غياب السياسة الإنفاقية للدولة نتيجة ضعف الإدارة، وعدم اعتبار أن الاقتصاد يعيش حالة الحرب، حيث اعتمدت الإدارة اليومية على الاقتصاد، ما أدى إلى انسياقها للسوق الذي سيطر على قراراتها.
ثانياً: القرارات الحكومية التي غرقت في مستنقع الاقتصاد الريعي وغيّبت الاقتصاد التنموي أدت إلى تراجع موارد الخزينة. فكانت المعالجة من خلال إصدار قرارات رفع أسعار السلع والخدمات من دون بذل جهود لمعالجة عجز الموازنة العامة للدولة، وغياب تام لمجلس النقد والتسليف الذي بات مجلساً اسمياً لا أكثر.
هذه القرارات رفعت من تكاليف الإنتاج فارتفعت الأسعار، فسعت الحكومة لسد الفجوة السعرية للرواتب والأجور من دون وجود سياسة نقدية، فأدخلت الاقتصاد بحالة التضخم الجامح لدرجة أن الحكومة لم تستطع حتى دفع التزاماتها، إضافة لكل ذلك غضّ الطرف عن الفساد والهدر، هذا الأمر أدى إلى انهيار دراماتيكي بالأجور والرواتب، وباتت السياسات تلبي متطلبات التضخم الذي صعّد من الأعباء من دون وجود موارد، وانتقلت إدارة الاقتصاد من يد الحكومة إلى يد مجموعة من الأشخاص الذين حققوا ثروات هائلة نتيجة استغلالهم للأزمة، وباتوا مسيطرين على القرار مستغلين ما أبدته الحكومة من حاجاتها لهم. فلعبت توقعات هؤلاء الأشخاص لعبتها نتيجة توافر السيولة، واستطاعت أن تخلق اقتصاداً احتكارياً بذريعة ارتفاع الأسعار مستقبلاً، ما ضاعف في حدوث التضخم، وما ساعدهم في ذلك سياسة ترشيد الاستيراد وحصريته بأشخاص معينين.
في مثل هذه الحالة التضخمية، وتحت ضغط المستوى المعيشي للمجتمع، تراجع الإنتاج نتيجة غياب سياسة الدعم له، وباتت الحاجة ملحة لتحريكه ودعمه، ما دفع باتجاه الحاجة لرفع الطلب العام بالسوق عن طريق زيادة الرواتب، على أن يسبق ذلك محاربة للفساد والهدر وتوجيه وفوراته لزيادة الرواتب ودعم الإنتاج وتشجيع التصدير، واعتماد سياسة نقدية محكمة للوصول بالأسعار إلى مرحلة توازنية. إلا أن ذلك لا يكفي حيث ينشأ عنه ضرورة قصوى لتفعيل عوامل تراكم الثروة لنستطيع النهوض، وأهم هذه العوامل:
– رفع مستوى التعليم بالمدارس والجامعات.
– إدخال التكنولوجيا الحديثة.
– تحديث وإصلاح البيئة القانونية.
– تحديث وسائل الإنتاج للعام والخاص، وتشجيع إنشاء مؤسسات صغيرة ومتوسطة، وتشجيع الصناعات التي تقوم على مبدأ تقليد منتجات دول أخرى.
– تحفيز روح المبادرة والابتكار، ورفع مستوى الإنفاق على البحث العلمي، مع تخصيص إيرادات للمشاريع الرائدة ودعمها من خلال صناديق استثمارية وتنشيط البيئة التنافسية.
– وأخيراً دعم التصدير ولو كان بتكلفة مادية تقوم الحكومة بدفعها للمصدر الحقيقي.
بالخلاصة نجد أن الاقتصاد السوري يتطلب دفع عجلة الاستهلاك لتحريك عجلة الإنتاج وتعظيم التصدير، هذا الثالوث هو البداية المجدية لإدخال الاقتصاد مرحلة التعافي.