لقاء مع مسؤول

دير الزور.. من الآلام إلى النماء … كيف نعيد ألقها ونستثمر ما تمتلكه من إمكانيات ومقومات تنموية؟ محافظ دير الزور لـ«الاقتصادية»: نقص التمويل أبرز مشاكلنا .. الخطة الزراعية المقبلة واعدة ولن نتهاون مع حالات الفساد والترهل

| غزل إبراهيم

رغم استمرار الصراع على أرض الواقع لسنوات، هل يمكن لصور الأقمار الصناعية وتحليلات الجهات البارعة بذلك أن تساعد في التخطيط لإعادة إعمار محافظة دير الزور وتخيل حجم آثار الإرهاب الذي طالها وخرب كل المرافق فيها، فحولها إلى واقع يلزمه اعتمادات كبرى لتعود إلى ما كانت عليه محافظة معطاء.

قد يبدو أن العمل الحكومي تأخر في الوصول إليها لجملة أسباب تأتي في مقدمتها التحديات والأزمات الضاغطة والأولويات لمعيشة السوريين، لكن رغم ثقل الصعاب جاء التدخل الحكومي مؤخراً ودخوله من خلال البدء بعشرات المشروعات التنموية والعمل على إنعاش كل القطاعات أولاً باول.

كما هو معلوم تشهد المناطق المحررة في محافظة دير الزور منذ العام 2017 إلى الآن بعض التغيرات البسيطة نظراً لحجم الاحتياجات، وسعياً للوصول إلى نهضة اقتصادية وعمرانية، ولتحسن كبير في تقديم الخدمات في القطاعات كافة، ومتابعة لحركة إعادة إعمار ما خربه الإرهاب في ظل العودة المتزايدة للأهالي إلى مدنهم وقراهم، وسط جهود كبيرة لدعم القطاع الزراعي وتحسينه، إذ تبشّر الخطة الزراعية المقبلة بموسم جيد من المحاصيل الإستراتيجية.

لكن هذا لا ينفي وجود صعوبات كبيرة ومشكلات تحد من تطور المحافظة وتزيد من معاناة الأهالي، وعلى رأس تلك العقبات تردي الواقع الصناعي والكهربائي والصحي.

وهناك الكثير ينتظر تحقيقه والعمل عليه في المدينة، كما صرح محافظ دير الزور المهندس معتز قطان، الذي خص «الاقتصادية» بحوار حول الواقع الخدمي والاقتصادي في المحافظة..

مشروعات مهمة

  • حجم الدعم الحكومي المقدم للمحافظة وما أهم الخطوات المتخذة للنهوض بالواقع الخدمي وتحسين البنية التحتية؟

العمل مستمر لتحسين الواقع الخدمي والمعيشي، إعمار ما دمّره الإرهاب في المحافظة، لتوفير بيئة مناسبة للعمل والإنتاج، وهناك العديد من المشروعات يجري العمل عليها بتمويل ودعم من الحكومة، فقد بلغت الموازنة الاستثمارية المرصودة للمدينة للعام الحالي أكثر من 60 ملياراً و500 مليون ليرة سورية، والموازنة المستقلة أكثر من 11 مليار ليرة سورية، فيما وصلت موازنة مجلس مدينة دير الزور إلى 5 مليارات ليرة.

وهذه الموازنات تضمنت العديد من المشاريع التي أبرمت عقودها للتنفيذ، أهمها مشاريع إعادة تأهيل الطرق والمدارس، حيث رصد مبلغ 20 مليار ليرة لتأهيل وتنفيذ 75 مدرسة، كما تم رصد نحو 10 مليارات لإعادة تأهيل الطرق، وتم تخصيص نحو 4 مليارات لمشروع ترحيل الأنقاض وإعادة تأهيل المرحلة الأولى لمبنى مديرية الخدمات الفنية القديم، وحوالي 2 مليار ليرة لمشروع تأهيل مكب النفايات الصلبة، إضافة إلى مشاريع أخرى كثيرة ستسهم في تحسين الواقع الخدمي في المحافظة.

مشروعات قيد التنفيذ

  • أهم المشاريع التي تقومون بدراستها والعمل عليها؟

عدد لا بأس به من المشاريع يتم العمل عليها حالياً في مختلف القطاعات بما يساهم في إعادة الحياة إليها، ومن أهمها مشاريع تأهيل وتطوير محطات مياه الشرب وتشغيلها على الطاقة الشمسية، حيث تم الانتهاء من تحويل 18 محطة من الطاقة الكهربائية إلى الطاقة الشمسية، وهناك 7 محطات قيد التنفيذ حالياً، و10 محطات قيد الدراسة، وهذا الأمر يكفل استقرار المنظومة المائية وتأمين حاجة الأهالي من مياه الشرب.

وفي القطاع الكهربائي تتواصل الجهود لاستكمال إيصال التيار الكهربائي إلى المنطقة الممتدة من دبلان إلى الدوير بريف المحافظة الشرقي.

كما يتم العمل على استكمال تأهيل منطقة الصناعة ومنطقة الصناعات الإسمنتية بالمدينة، والمنطقة الحرفية في بلدة الشميطية، والمنطقة الصناعية والحرفية بمدينة الميادين.

وبالإضافة إلى تفعيل العمل في مبقرة دير الزور بعد تزويدها بـ51 رأساً من الأبقار من مختلف الفئات لتكون نواة لانطلاقة العمل، الذي سيتنامى مع نمو القطيع وتزويدها بدفعات أخرى من الأبقار.

نقص التمويل والكوادر

  • رغم جهود إعادة الإعمار وعمليات تأهيل البنية التحتية التي ذكرتموها إلا أن واقع المدينة الخدمي والتنموي يحتاج إلى الكثير.. ما أبرز الصعوبات والتحديات التي تواجهكم؟

الصعوبات التي تعترض العمل بالتأكيد ليست قليلة، ويأتي على رأسها نقص الكوادر الفنية والمتخصصة، ولاسيما في القطاع الصحي والقطاع المصرفي وقطاع الاتصالات، فضلاً عن نقص الآليات الثقيلة والهندسية لدى الشركات الإنشائية والدوائر الخدمية، وهناك مشكلات كبيرة في قطاع النقل بعد تدمير الجزء الأكبر من أسطول النقل الداخلي.

إضافة إلى ذلك تعاني المحافظة نقص التوريدات المتعلقة بمستلزمات الإنتاج الزراعي من أسمدة ومحروقات وكهرباء، وهذا الأمر ينعكس سلباً على الزراعة.

كما أن المحافظة تعرضت لتدمير ممنهج من الجماعات الإرهابية المسلحة، وما تزال بنيتها التحتية تعاني الكثير وتتطلب المزيد من الدعم والتمويل، وخاصة أن مشكلتنا الرئيسية تتمثل في نقص الأموال المخصصة لمشاريع التعافي المبكر وإعادة الإعمار، ولاسيما فيما يتعلق بمشاريع الصرف الصحي والطرق وإعادة تأهيل الجسور التي دمرها الاحتلال الأميركي.

عودة المهجرين

  • الخطوات التي تقومون بها لتشجيع الأهالي على العودة وكم بلغ عدد العائدين الآن؟

بالنسبة لعودة المهجرين فإن كل الخطط التي تم لحظها منذ تحرير المحافظة من الإرهاب وحتى اليوم تهدف لتحسين الواقع الخدمي وتهيئة الأرضية المناسبة لعودة أكبر عدد ممكن من الأهالي الذين أجبرتهم ظروف الحرب على الخروج من منازلهم.

ولحد الآن عاد ما يزيد على مليون مواطن إلى الريف، بعد تأمين الاحتياجات الأساسية وتوسيع رقعة الخدمات التي تسهم بتخفيف الأعباء عنهم، وخاصة فيما يتعلق بالسجل المدني والصحة والتعليم.

وحالياً نعمل على تكثيف الجهود لتوسيع رقعة الاستهداف بالخدمات لأكبر عدد ممكن من الأحياء والبلدات، بحيث تتوافر في جميع هذه المناطق الخدمات الأساسية المتعلقة بالمياه والكهرباء والصرف الصحي والمدارس بما يكفل عودة كريمة للأهالي.

كما يتم العمل على تلافي جميع المشكلات الخدمية اليومية المتعلقة بمراقبة الأسواق والفعاليات التجارية، وآلية توزيع الخبز وتحسين جودته، وتحقيق العدالة في توزيع كميات الكهرباء المخصصة للمحافظة، ومنع التجاوزات على الأملاك العامة، وقمع مخالفات البناء وغيرها، وفي هذا الإطار بدأنا بعقد سلسلة من اللقاءات الخدمية مع الأهالي في كل الوحدات الإدارية والمناطق والأحياء للاستماع إلى مطالبهم وشكواهم واقتراحاتهم حول أولوية المشاريع التي يرغبون في إدراجها ضمن خطة تنفيذ المشاريع للعام القادم.

عجلة الإنتاج عادت

  • دير الزور سلة سورية الغذائية ولكن بسبب الحرب الإرهابية تراجع الإنتاج الزراعي بشكل خطير.. كيف تقيم الواقع الزراعي الحالي وما خططكم لدعم المحاصيل الإستراتيجية؟

القطاع الزراعي كغيره من القطاعات الأخرى تعرض للكثير من النهب والتخريب الممنهج على يد التنظيمات الإرهابية، وكانت الأولوية في إعادة التأهيل لهذا القطاع، لأن الدير محافظة زراعية بامتياز ويشكل العمل الزراعي فيها مصدر الدخل الرئيسي لأغلبية السكان.

واليوم عادت عجلة الإنتاج للدوران في القطاع، واتسعت رقعة الأراضي الداخلة في الخدمة بعد توفير مستلزمات الإنتاج وإعادة تأهيل مشاريع الري الواقعة على الضفة الغربية لنهر الفرات في القطاعات الثالث والخامس والسابع وقطاع الوفاء.

ونجحت المحافظة بتنفيذ الخطة الزراعية المعتمدة وحققت معدلات إنتاج مرتفعة ولاسيما في محصولي القمح والقطن، فخلال الموسم الماضي بلغت الكميات المسوقة من محصول القطن بدير الزور 13 ألفاً و972 طناً، وهذا الرقم يشكل نحو 88 بالمئة من كامل إنتاج القطر، وبالنسبة لمحصول القمح وصلت الكميات المسوقة حتى الآن إلى أكثر من 46500 طن، علماً أن الإنتاج المقدر للمحافظة يصل إلى نحو 47 ألف طن ولا تزال عمليات التسويق مستمرة، وتعمل جميع الجهات المعنية على تقديم كل التسهيلات للفلاحين لتسويق محاصيلهم بكل سهولة ويسر.

طموحة ومبشرة

  • ماذا عن الخطة الزراعية للموسم المقبل؟

قبل أيام أقرت الخطة الزراعية للموسم القادم، وهي خطة طموحة تضمنت زيادة في المساحات المزروعة بالمحاصيل الإستراتيجية، نتيجة اتساع المساحات القابلة للزراعة بعد إنجاز مشاريع جديدة للري، وتنفيذ مشاريع تأهيل عدد من آبار الصرف الزراعي، حيث بلغت المساحات المخطط زراعتها بمحصول القمح في المحافظة للموسم القادم 24793 هكتاراً، في حين بلغت المساحة المزروعة هذا الموسم 21112 هكتاراً، وارتفعت المساحات المخططة لزراعة الشعير إلى 8533 هكتاراً بزيادة تصل إلى 4800 هكتار عن الموسم الحالي، الذي تمت فيه زراعة 3733 هكتاراً بمحصول الشعير، في حين بلغت المساحة المخطط زراعتها بمحصول القطن للموسم القادم 6808 هكتارات بزيادة تصل إلى 378 هكتاراً عن خطة هذا الموسم.

الصناعة تعاني!!

  • كيف تقيّمون الواقع الصناعي في المدينة؟

القطاع الصناعي في المحافظة شبه غائب نتيجة لخروج معظم المعامل والمصانع عن الخدمة ووقوع المدينة الصناعية في منطقة خارج السيطرة، وحاليّاً يقتصر عمل القطاع الصناعي على بعض الصناعات الخفيفة المرتبطة بالعمل الزراعي والإنتاج الحيواني، وبالتأكيد هي غير ملبية أو كافية. وفي هذا الصدد نقوم بوضع خطة عمل لجذب واستقطاب عدد من الفعاليات الصناعية، وعلى استعداد تام لتقديم كل التسهيلات للإخوة الصناعيين الراغبين في إقامة منشآت تدعم القطاع الصناعي في المحافظة.

تأهيل للأسواق

  • إعادة ترميم وتأهيل الأسواق كيف ساهمت في تحريك العجلة التجارية في المدينة؟

تشهد المحافظة تطوراً في هذا القطاع بعد إعادة افتتاح وتأهيل عدد من الأسواق في مدينة دير الزور مثل سوق شارع سينما فؤاد وحسن الطه وستة إلا ربع والجبيلة، وهناك مشاريع لإعادة تأهيل الأسواق القديمة في المدينة لدعم وتحفيز التجارة بشكل أكبر. ورغم الوضع الكهربائي الصعب في المحافظة، والتي تتسبب في زيادة معاناة المواطنين، وخاصة في ظل الارتفاع الكبير في درجات الحرارة، فإن مشاريع الطاقة الكهربائية غائبة تماماً، وليس هناك أي مشاريع قيد التنفيذ حالياً.

ونؤكد هنا الاستعداد التام للتعاون مع جميع الجهات الراغبة في إقامة هذه المشاريع في المحافظة وتقديم كل التسهيلات اللازمة.

تدهور القطاع الصحي

  • كيف ترون واقع الصحة وما مطالبكم لدعم القطاع؟

جهود كبيرة تبذلها الكوادر الطبية في المحافظة، وهناك تحسن ملحوظ في القطاع الصحي خلال السنوات الأخيرة، ويتم رفد القطاع بالتجهيزات والاحتياجات اللازمة من أدوية ولقاحات وأجهزة طبية متطورة وعربات جراحية وعيادات متنقلة وسيارات إسعاف، إلا أن واقع القطاع صعب ويحتاج إلى الكثير من الدعم نتيجة نقص الكوادر الطبية والتجهيزات النوعية، وخاصة جهاز رنين مغناطيسي.

وحالياً تمتلك المحافظة 44 مركزاً صحياً، إضافة إلى مجمع المشافي في مشفى الأسد الذي يضم ثلاثة مشاف، هي الهيئة العامة لمشفى الأسد والفرات ومشفى الأطفال والتوليد وافتتاح مخبر الصحة العامة في المحافظة، والذي يحتوي تجهيزات متطورة، والعمل على تجهيز مشفى الأطفال والتوليد والمركز الطبي الحديث في حي الحميدية، كما تمت إعادة تأهيل المشفى الوطني في الميادين، وهو حالياً بانتظار تزويده بالتجهيزات الطبية تمهيداً لوضعه بالخدمة، كما تم افتتاح مركز الأمل لمعالجة الأورام السرطانية بالتعاون مع الجمعية السورية لعلاج سرطان الأطفال ورعايتهم وهو أول مركز متخصص في المحافظة.

ويجري العمل على إعادة تأهيل مبنى العيادات الشاملة في مشفى الباسل البوكمال، والمركز الصحي الرابع بدير الزور والعيادة السكرية.

مبادرات الأهالي

  • ما الدور الذي لعبه المجتمع المحلي في تطوير وتحسين واقع المحافظة؟

للمجتمع المحلي دور مهم في دعم المحافظة، وقدّم الأهالي الكثير من المبادرات والتبرعات والمساهمات في مشاريع تأهيل عدد من المدارس، وصيانة المخابز، وتقديم عدد من المحولات الكهربائية وأجهزة الإنارة وتقديم كميات من المازوت لتشغيل محطات المياه لساعات إضافية، والتبرع بنقل المعلمين من المدينة إلى الريف.

وحالياً يتم التحضير لإنشاء محطة مياه في قرية المسرب، حيث تبرع الأهالي بالأرض وتنفيذ الأعمال المدنية، إضافة إلى دعم العديد من الوحدات الإدارية لتمكينها من تقديم الخدمات بصورة جيدة.

وبين الفترة والأخرى يجري عقد لقاءات مع ممثلين عن المجالس المحلية المنتخبة والفعاليات الأهلية والمجتمعية والنقابات المهنية والمنظمات الشعبية لتحديد حزمة المشاريع الأكثر احتياجاً وتقديم أفضل الخدمات.

ومؤخراً قامت المحافظة بتطبيق تجربة استطلاع آراء الأهالي والمجتمع المحلي في مختلف مناطق المحافظة، حول أولويات تأهيل وصيانة المدارس والطرق التي يتم لحظها في خطة التأهيل.

ضبط آليات العمل

  • ما واقع الترهل وحلقات الفساد، وما سياستكم لضبط التجاوزات؟

نحن نعمل ضمن منظومة عمل حكومي قائمة على أداء المؤسسات لدورها ونسعى لضبط آلية العمل في المفاصل كافة بدوائر ومؤسسات الدولة وفق الأنظمة والقوانين، وبالتالي فإن أي حالة خلل أو تجاوز أو فساد يتم التعامل معها بما ينسجم مع الأنظمة والقوانين، ولا يمكن التساهل والتغاضي عن أي مخالفة أو حالة تنطوي على فساد أو هدر للمال العام، فالجميع تحت سقف القانون.

يبقى القول: أن جهوداً كهذه واعتمادات ومبادرات ما هي إلا خطوة أولى يلزمها خطوات أكبر وأدسم مالياً لتحقيق متطلبات العمل وإعادة الحياة لمحافظة الدير، شأنها شأن بقية العشرات من المناطق التي تحتاج إلى تدخلات كبيرة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى