كلام في الاقتصاد

التخوف من زيادة الرواتب

| عامر إلياس شهدا

إذا سألنا أنفسنا سؤالاً واحداً: ماذا نريد من القيادة..؟ فالجواب يكون: نهضة سورية… نريد من القيادة أن تستعين أو تؤسس لمراكز أبحاث وخبراء اقتصاديين لوضع منهجية كاملة، يمكن من خلالها تخطي الصعوبات والعقوبات، وتؤسس لمرحلة قادمة.

الرواتب ورفع القدرة على الاستهلاك مطلب يحدث ضجيجاً يومياً، يشرح عدم تناسب الأجور والرواتب مع الأسعار والمطالبة بزيادتها. وصف يومي لحالات الفقر والجوع والعوز، كل ذلك يحدث بظل موازنة عامة عاجزة، وتراجع بموارد الخزينة العامة، وكلاهما نتاج التهرب الضريبي والتهريب والفساد والهدر، وقد نتج ذلك عن سوء إدارة وغياب الرؤية، ما نقل الاقتصاد إلى مرحلة المعانة من التضخم الجامح، وهو الآن على أبواب مرحلة الكساد، نتيجة تراجع الإنفاق المجتمعي والافتقار لسياسة حكومية إنفاقية ونقدية.

المشكلة الحقيقية تكمن في الأخطاء التي تضمنتها السياسات الاقتصادية، ومنها سياسة تقليص الدعم واعتماد أسعار التكلفة للمواد الأساسية وبعض الخدمات وتقليص الإنفاق الحكومي والمجتمعي. إلا أن الفكر الحكومي حمل هذه النتائج على الدعم، وشرع في تقليصه من أجل التخفيف من عجز الموازنة ورفع إمكانية زيادة الأجور والرواتب. متجاهلاً بذلك الهدر والفساد.

هذه السياسة خلقت آلاماً تفوق تحمل المواطن السوري واقتصاد بلد خارج من حرب تخطت السنوات العشر، كان الفكر الحكومي خلالها يقود عملية نقل الاقتصاد، من اقتصاد شبه اشتراكي إلى اقتصاد نيوليبرالي استثرائي، بدلاً من أن يدير اقتصاد حرب.

بهذه الظروف التي يصفها البعض استثنائية، وهي بالواقع وليدة نمط فكري منغلق استحوازي فوضوي، طرح سياسة التدرج في زيادة الأجور ورواتب مترافقة مع سياسة رفع الدعم المتدرج أيضاً، إلا أن هذه السياسة لم تترافق مع سياسة نقدية مجدية لكبح جماح التضخم وسياسة إنفاقية تدعم الإنتاج بشكل حقيقي لتحقيق النمو، لهذا فالزيادات التي حصلت تلاشت بسبب التضخم، وبسبب هدفها المخفي وهو سد نوافذ نفقات ناتجة عن قرارات التسعير الاعتباطي الذي رفع تكاليف الإنتاج وخفض قدرة الدخل على الاستهلاك، فوصل الاقتصاد إلى بوابة الكساد متخطياً التضخم الجامح.

هذه النتائج جعلت من زيادة الرواتب كارثة أدركها الفكر المنغلق بعد فوات الأوان ووصول القوة الشرائية لليرة السورية، لأدنى مستوى، وحول الاقتصاد من اقتصاد استثماري تنموي إلى اقتصاد استثرائي.

هذه النتائج تطرح سؤالاً: ما السياسة الصحيحة التي تناسب الوضع الاقتصادي.

إن أهم متطلبات الاقتصاد السوري هو زيادة الإنفاق لدفع عجلة الإنتاج. أي رسم سياسة إنفاقية محكمة، تهدف لزيادة الدخل أولاً، ومن ثم النظر بمواضيع أخرى مثل تقليص الدعم ودفعه نقداً وغير ذلك. فمثل هذه السياسة تمنح الأفراد فرصة في تحسين أحوالهم التي خلقتها الحرب والعقوبات والوقت نفسه تمنح المنتجين الفرصة في الاستجابة للزيادة في مستوى الطلب الكلي، وذلك من خلال إعادة خطوط الإنتاج وترميم المصانع، أي يصبح الهدف من السياسة معالجة مخلفات الحرب اقتصادياً واجتماعياً.

للأسف الفكر الاقتصادي الحكومي قرر الزيادات في الرواتب والأجور بهدف الاستجابة لتطورات سعرية معينة ناتجة عن قرارات حكومية، ولم تنتج عن حركة اقتصادية، وأهمها قرارات رفع تكاليف الإنتاج التي أحدثت تضخم وزيادة سعرية، أضعفت بشكل عميق قدرة الدخل على الاستهلاك. ما أجبر الحكومة على زيادة الرواتب، إلا أن هذه الزيادات المتتالية، لم تترك أي أثر يمكن من خلاله نقل الاقتصاد من مرحلة إلى أخرى، إلا أنها خلقت مخاطر كبيرة على الاقتصاد، وعلى الوضع المعيشي للمواطن، وخلقت تهديد بوصول الاقتصاد لمرحلة الكساد، وما نعيشه اليوم بالواقع الحسي خير دليل على ذلك.

السؤال: ما المطلوب لترميم وإصلاح والتخفيف من أثر النتائج؟

أولى وأهم الخطوات تبدأ في تقليص الهدر لأدنى مستوى ومحاربة الفساد وتوجيه وفوراتهما لدعم حقيقي للإنتاج، وزيادته والعمل على تشجيع التصدير.

و تأتي الخطوة الثانية وهي زيادة الأجور والرواتب.

خطوات كهذه تخرج الزيادة من صفة الصورية، وتجعلها مجدية ومؤثرة في رفع المستوى المعيشي للمواطن.

نحن نعلم مسبقاً أن أي زيادة سترفع الطلب الكلي، وستؤدي إلى ارتفاع الأسعار بسبب عدم تجاوب العرض وارتفاع تكاليف الإنتاج. إلا أننا أشرنا إلى تقليص الهدر، فوفوراته توجه لدعم الإنتاج والمساهمة في توسيع قاعدته، ما يؤدي إلى وفورات اقتصادية تعالج الارتفاع السعري، وتحقق توازناً مقبولاً بين العرض والطلب، فالوصول لهذه النتيجة يتطلب خطوتين، الأولى تأجيل تنفيذ سياسة رفع الدعم لحين تحقيق هذا التوازن. والثانية المضي قدماً بسياسة نشر ثقافة الدفع الإلكتروني وتعميمها. فالفكر الاقتصادي العقلاني يقتضي أولاً زيادة الأجور والرواتب، ودعم الإنتاج، ومن ثم إعادة توزيع الدعم.

ندعوكم لإعادة قراءة مقدمة الزاوية، وما ورد بزاوية «ماذا نريد من البعث»، لنجد أن تشكيل مجلس إصلاح اقتصادي يعتبر من أهم الخطوات التي تخدم النهوض بسورية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى