من المسؤول عن أزمة البطاطا والبندورة هذا العام؟ بين التخطيط والواقع يضيع حق الفلاح تجربة الأمس لا تحمي المنتج الزراعي
| بارعة جمعة
«إما أن نزرع أو لا نزرع»، لكن قالها الفلاحون «سنزرع»، من هنا تبدأ الحكاية بفصولها الأربعة، وملحق إضافي هو إحصاء الخسائر المتلاحقة بالمنتج الأكثر طلباً على موائد الأسر السورية، أو كما يصفه البعض «لحمة الفقراء» أو «زوادة الفقير»، لاستخداماتها المتنوعة وبطرق مختلفة تلبي حاجة الغذاء اليومي، لتغدو البطاطا والبندورة نجميّ الموسم الزراعي لهذا العام، ضمن فوارق سعرية ليست بالقليلة، بين يوم وآخر، وتسجيل حالة ارتفاع بالسعر لا مثيل لها في الأسواق، وغياب أي دراسة لحاجة الأسواق المحلية، التي اتسمت بقرارات ارتجالية من القائمين على العمل بها، في الوقت الذي يجب التركيز فيه على سد حاجة السوق المحلية والاحتفاظ بمخزون يكفي إلى حين طرح المنتج نفسه.
معادلة خاسرة، حملت الكثير من التساؤلات عن تنظيم الخطط الزراعية، ليبقى الفلاح الخاسر الأول والتاجر الرابح الأكبر، أما حق المواطن فيضيع هباء منثوراً، متسائلاً… إلى متى سيبقى قوت المواطن عرضة للمتاجرة من الأطراف كافة؟ وهل من سبل لدعم الفلاح الأكثر تحملاً للخسارة؟
رصد ميداني
كغيرها من المنتجات، دخلت البطاطا بورصة أسعار بشكل تصاعدي أثار حفيظة المستهلكين، لتسجيلها في آخر تسعيرة لها سعر 9500- 10000 ليرة سورية للكيلو الواحد، حسب تأكيدات المواطنين بمعظم أسواق دمشق، مع تجاوز سعر كيلو البطاطا في بعض الأحياء الراقية الـ15000 ألف ليرة، في سابقة من نوعها بتاريخ الزراعة السورية، يأتي هذا الارتفاع بعد استيراد كميات من المادة بهدف تخفيض أسعارها، إلا أن الذي حصل وفق مراقبين هو استقرارها ضمن فترة قصيرة عند حدود 5500 ليرة سورية، وسرعان ما عادت إلى الارتفاع بشكل تدريجي، وهو الأمر الذي بدوره انعكس على قدرة الناس في شراء المادة، باعتبارها من الأساسيات على المائدة.
استثناء المزارعين من الدعم الحكومي، رتّب عليهم أعباءً كثيرة، لكون أسعار السّماد مرتفعة، وكلف البذار واليدّ العاملة، إضافة لأجور النقل والتحميل، إحدى الأسباب التي دفعت بأسعار الخضار والفواكه للارتفاع تباعاً، مع وعود بعض المراقبين لحركة الاستيراد والتصدير بأن إنتاج العروة الثانية أي موسم القطاف في فصل الصيف الذي يوافق شهر تشرين، سيسهم في تخفيض سعر المادة بعد توافرها، لتعود إلى ما كانت عليه سابقاً.
واقع العمل
منتجٌ قابل للتخزين، وعليه يعمل التاجر على شرائها ومن ثمّ تخزينها لفترة محددة، وهو ما يؤثر سلباً على عدم انسيابية المادة وتوافرها في الأسواق، من هنا كانت زيادة الطلب وقلة العرض، أحد أهم أسباب الارتفاع وفق تصريح الخبير التنموي أكرم عفيف للاقتصادية، إضافة إلى ارتفاع تكاليف المحروقات وعدم حصول أغلب الفلاحين على مخصصاتهم من المازوت والسماد، وارتفاع أجرة العامل، إضافة لأجور النقل والحلقات الوسيطة، التي بدورها ستنعكس على القيمة النهائية للمستهلك.
غلاء التكاليف للإنتاج الزراعي وغياب الجهة التمويلية للإنتاج الزراعي وتذبذب الأسعار، عوامل تواجه الفلاح بشكل سنوي حسب توصيف عفيف، يرافق ذلك عدم الثبات السعري للمنتج الزراعي، حيث إن الفلاح يبيع الكيلو منها بسوق الهال بسعر يتراوح بين 9000-9700 وهو غير راضٍ عنه، ويطالب بسعر الـ4000، فليس من المنطقي أن يبيع اليوم بـ9000 ليرة مع احتمالية بيعه العام القادم 1500 ليرة مثلاً، ما يحمله خسائر كبيرة وبمئات الملايين حسب رؤية الخبير التنموي أكرم عفيف للواقع، آخذاً من موسم الثوم العام الماضي الذي بيع بسعر 200 ليرة سورية، بينما كانت تكلفة نقله إلى سوق الهال 2500 ليرة سورية، ليرتفع سعر الثوم بعد فلاحة الأراضي ويتم طرحه بالسوق بسعر 40 ألف ليرة، ما دفع الفلاح نحو الثبات السعري، الذي لا بد أن تقوم بمسؤوليته مؤسسة التدخل الإيجابي، أي «السورية للتجارة»، لتلعب دور التاجر الرابح، وبالتالي التوفير على المستهلكين.
تكاليف عالية
وفي النظر لما يتم تداوله يومياً من ضبوط مخالفة للتسعير لدى التجار، يؤكد أن تباين التكلفة بين مزارع وآخر ومنطقة وأخرى هو حقيقة وليس مجرد تداول إعلامي أو مبرر لهذا الفعل، والأمر الذي أكد وجود مثل هذه الحالات تصريح أمين سر جمعية حماية المستهلك والخبير الاقتصادي عبد الرزاق حبزة، آخذاً من قضية ارتفاع أسعار البطاطا مدخلاً لتشخيص الواقع الزراعي لها، حيث بات الإنتاج قليلاً في الغاب خلال العروة الحالية، بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة، وإقبال التجار على تخزين المادة، وعليه يعمل التاجر على شرائها ومن ثمّ الاحتفاظ بها لفترة محددة، ما يحمل المستهلك قلة في العرض وسط الطلب أيضاً من المغتربين في هذه الفترة من العام.
أما البندورة، التي استحوذت على اهتمام الكثيرين، ممن استهجنوا ارتفاع أسعارها متأثرة بالتصدير وفق الخبير حبزة، لكون النوعية التي تمتاز بها من «العصيرية»، التي تحتمل وقتاً أطول، يضاف لذلك تراجع الكميات الواردة من درعا للأسواق المحلية، وارتفاع أجور النقل من الأرض وصولاً لتجار المفرق والجملة، بالمقابل نجد أن المناطق الخاصة بزراعة كلتيهما (البطاطا والبندورة)، تتعرض لعزوف الفلاحين عن الزراعة، واعتماد مبدأ تصدير المادتين لغايات لم تعد خافية على أحد بحسب حبزة، مع احتمالية وجود حالات تهريب أيضاً لكلتيهما، هذه المعوقات تأتي ضمن قائمة ارتفاع تكاليف النقل وتأخر رسائل المازوت للفلاح أيضاً، ما يحمله ارتفاع كلفة الإنتاج وكثرة الحلقات الوسيطة، وسط غياب التدخل الحكومي.
يعود الخبير الاقتصادي عبد الرزاق حبزة ليؤكد الصعوبات المتعلقة بعملية التسويق، ونقل المنتجات الزراعية من مكان إنتاجها في الغوطة إلى سوق الهال المركزي، ومن ثم استجراره من السوق بواسطة البائعين لمناطق استهلاكها محلياً، ما يؤدي لدفع تكاليف النقل مرتين، ليبدو الحل برأيه من خلال المطالبة بإقامة أسواق فرعية للنواحي والبلدات.
أمام هذه الآراء وغيرها ممن أجمعت على أسباب الارتفاع، أرجع رئيس لجنة تجار سوق الهال في مدينة حماة غالب عدي ارتفاع أسعار البطاطا في حماة إلى قلة الإنتاج وارتفاع تكاليفه والطلب عليه، مبيناً أن سعر كيلو البطاطا يتراوح بين 7300 و9 آلاف ليرة مشيراً إلى أن الظروف الجوية وارتفاع درجات الحرارة وموجات الحر والآفات الحشرية أثرت بشكل سلبي على المحصول، مع احتمالية أن تعاود البطاطا الانخفاض، مع استجرار كميات إضافية من محافظة حلب، وسط صعوبة توقع أسعار كيلو البطاطا، وبأنها تخضع للعرض والطلب، هذا عدا تذبذب سعرها بين الحين والآخر.