إن «دونالد ترامب» الذي يصفه الكثيرون، بمن فيهم محللون أميركيون، بـ«المجنون» و«المرعب» «غير الكفء» و«الخطير»، وهو كذلك برأينا، إلا أن لهذه الصفات في القاموس الحالي للاقتصاد السياسي للنظام الرأسمالي أصبح لها مفاهيم أخرى، غير تقليدية، إنها «التكتيك» عبر «الترامبي» المستخدم لتنفيذ إستراتيجية دفاعية عن وجود وكيان واستمرارية النظام الرأسمالي بشكل عام، وعن كيان وقوة وسيطرة الولايات المتحدة الأميركية «مركز الطغم المالية» على وجه الخصوص، هذا التكتيك الذي «ربما» لا يشترط له «كما أراد مصمموه» أن يعكس ذكاءً وحكمةً ورجاحة عقل في التصرفات الملموسة، وحتى تلك التي يمكن رؤيتها بالعين المجردة.
وبالتالي، صحيح أن «ترامب» كارثي وخطير، ولكن ليس على النظام الرأسمالي المتوحش بالمعنى الذي عبرنا عنه أعلاه، ولا على المصالح الأميركية التي يمثلها أو الطغم المالية التي انتخبته ليمثلها، بل هو مرعب، هو كارثي وخطير على كل شيء عدا ذاك النظام وتلك المصالح، فمن يعتقد أن «ترامب» هو الذي يكتب تغريداته بيده، فهو «غالباً» مخطئ، وربما مخطئ أيضاً من يظن أن الأخطاء اللغوية التي ترد فيما يكتبه «ترامب» وبعض الغباء فيما يصرح به، هو من حقيقة شخصيته أو محض أمر واقع ابتلي به الأميركيون بهذا الرئيس، فاللوبي الصهيوني وكبار دهاقنة الماسونية العالمية والطغم المالية هم خلفه، وهم كانوا وما زالوا اليوم موجودين خلف أخطر وأهم أحداث العالم، وهم يقارعون ويصارعون اليوم أكثر من أي وقت مضى، الحراك المقاوم لأعداء سلوكياتهم من الدول الحرة المستقلة ذات السيادة، ويستذئبون لمواجهة الوعي المتزايد للشعوب المقاومة، المظلومة والمقهورة والفقيرة، وبالتالي فإن «أو ربما» وراء كل «غباء» فكرة «خبيثة» وخلف كل «غلط تصرف أو قرار جسيم» صيغ معقدة مسبقاً لتصحيح هذا الغلط ومعالجته.
فخلال العقود السابقة، ومع تعاقب العديد من الرؤساء الأميركيين بمختلف مشاربهم ومع تناوب حزبيهما الجمهوري والديمقراطي على استلام السلطة، لم يتجرأ أي عاقل ورزين منهم على ارتكاب ما ارتكبه «ترامب» بحق الأديان والقوانين والأعراف والمواثيق الدولية والسماوية، عندما نقل غصباً وزوراً السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، وعندما ألغى تعسفياً اتفاقاً نووياً دولياً مع إيران، كما لم يتجرأ أي من هؤلاء الرؤساء الأميركيين السابقين على فرض «ولا حتى التلويح بفرض» رسوم جمركية على الصين «الشريك التاريخي التجاري الأهم» وعلى حلفائه الأوروبيين «الذين يشكلون تاريخياً القاعدة الخلفية السرية والمعلنة لتمرير السياسات الأميركية»، بل منذ بضعة أشهر فقط لم يكن أي محلل سياسي ليتخيل أن «ترامب» سيجلس بعد حين مع رئيس كوريا الديمقراطية، ليتحدثا عن نزع الأسلحة النووية للدولة التي بقيت خلال العقود الماضية ولأسباب أيديولوجية عصية على أي حوار مع أي جانب غربي.
فهل السياسات والتصرفات الأميركية التي استبدلها فيها الكاوبوي «ترامب» الحوارات بالتهديدات، والتصريحات بالتغريدات، والقلم الرئاسي المخصص لتوقيع القرارات السيادية بعتلة إطلاق الأسلحة النووية؟ هل هذه كلها يمكن وصفها بـ«غباء» شخص السيد الرئيس؟ هل يكفي «أو من المنطقي» أن يتم تبريرها بـ«الجنون» و«عدم الكفاءة»، وهي التي جعلت التصرفات الأميركية ألغازاً وأحجيات، ألا يفرض علينا منطق الأمور أن نعرف «أو نشكك» أن كل ذلك هو نتاج مطابخ سياسية سرية لا مرئية، تمثل مصالح عالمية مالية ماسونية صهيونية، أعقل من ترامب وأكبر من إدارته الرئاسية، وأبعد من حدود ولاياته الأميركية؟
إن الوصول السابق والمتوقع في شهر لـ«ترامب» إلى الرئاسة الأميركية هو ليس عبثاً سياسياً، وهو ليس خياراً انتخابياً محضاً ولا محايداً ولا بريئاً، لأن شخصيته هي الشخصية الرئاسية الأميركية المناسبة لما حدث في فترته الرئاسية السابقة، ولما سيحدث، وما يجب أن يحدث، خلال المرحلة القريبة والمتوسطة القادمة، فهو الخيار الأفضل للمراحل التي مر وسيمر بها تطور النظام الرأسمالي العالمي، والتي عنوانها إن صحت التسمية (خيارات وبدائل تجاوز الأزمات البنيوية للنظام الرأسمالي العالمي في مواجهة دول وتكتلات المحور الآخر)، ولاسيما الأزمة الأخيرة التي انفلتت عام «2008»، والتي لم تنته تداعياتها بعد، ولاسيما إذا علمنا أن متوسط النمو الاقتصادي العالمي خلال السنوات الأخيرة لم يتجاوز «3 بالمئة»، وأن للدول الرأسمالية هاجساً آخر يتمثل بنسب النمو الاقتصادي العالية التي حققتها الدول التي لا تقف في صف دول المركز الرأسمالي.