تحويل الدعم من سلعي لنقدي ودفعه إلكترونياً لا يرتبط بقرار وإنما بإستراتيجيته.. لوجود رابط بينه وبين الناتج المحلي الإجمالي والنمو الاقتصادي المستدام. فقرار فتح الحسابات لأصحاب البطاقات الذكية لم يخضع لدراسة تربط بينه وبين برمجات ومنظومة الدفع الإلكتروني، وهو ما كشف النقاب عن ضعف حكومي شديد بالموضوع التكنولوجي رغم أن ما سمعناه أتحفنا بالرقمنة والحكومة الإلكترونية، والدفع الإلكتروني. وهذا الضعف أظهر بشكل جلي ضعف المعرفة باستثمار تلك التكنولوجيا والبرمجيات التي تشغل المنظومة بالشكل الذي يحقق نهوضاً اقتصادياً حقيقياً في البلد. أشرنا لهم أنه لا حاجة لحضور المواطن للمصارف فالحسابات موجودة ويمكن أن يكون هناك حساب صفري لكل صاحب بطاقة ويفعل عند أول دفعة فيه. واشرنا إلى أنه من الخطأ دعوة المواطنين لفتح الحسابات فكان الرد ضحلاً جداً وينم عن عدم معرفة. حيث برر أحد من تبنى القرار في الحكومة قائلاً: إننا لم نطلب من المواطن سوى فتح حساب. تلت ذلك تصاريح عن الدفع الإلكتروني والشمول المالي، إلا أنه لم يقدم أحد من المسؤولين أي رابط بين فتح الحسابات والنمو الاقتصادي أو تأثر الناتج المحلي الإجمالي.
إن قرار فتح الحسابات كان هدية مجانية بتريليونات الليرات السورية منحت للمصارف بسبب غياب القرار الإستراتيجي. قد يسأل البعض كيف؟ ولماذا؟
سنجيب أولاً عن شق لماذا؟
العالم دخل عصر الرقمنة ووضع لها نظماً لتحويل المجتمع لرقمي بامتياز حيث باتت أغلبية القرارات مرتبطة بالمنظومة الرقمية التي تجعل من القرار استثماراً حقيقياً يخلق موارد وينتج نمواً اقتصادياً مستداماً.
فالنمو العالمي بات مرتبطاً بشكل وثيق بمنظومة الدفع الإلكتروني ففي إحدى الدراسات التي شملت ٥٦ دولة تمثل ٩٣ بالمئة من الناتج المحلي العالمي في الفترة ما بين ٢٠٠٩ و٢٠١٤ أشارت إلى أن الاستخدام المتزايد لمنتجات الدفع الإلكتروني أضافت ما يقدر بنحو تريليون دولار إلى الناتج المحلي العالمي خلال الفترة. وكل ذلك كان نتيجة أن الدول قطعت شوطاً كبيراً في مجال الخدمات المالية التكنولوجية وحولت مجتمعاتها إلى مجتمع رقمي. وباتت وسائل الدفع الإلكتروني وأدواته ثقافة عامة، حققت معها الشمول المالي كإحدى الدعائم لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة والمستدامة وتم ربط هذا التحول بالإصلاح الإداري حيث يأتي كنتيجة بديهية للمجتمع الرقمي.
ما ذكر أعلاه يثبت أن أي قرار مرتبط بمنظومة الدفع الإلكتروني يجب أن يستند إلى إستراتيجية. نحن بدأنا بالإصلاح الإداري وشعارات محاربة الفساد والهدر بغياب وجود إستراتيجية تنقل المجتمع إلى مجتمع رقمي وبغياب الثقافة المصرفية وتراجع في فهم المجتمع لمنظومة الدفع الإلكتروني، لهذا يمكننا أن نصف البداية بالفوضوية ونتائجها ستكون غير موفقه.
أما الإجابة عن كيف هدرت الفرصة وباتت هدية مجانية فهي كالتالي..
في علم المصارف هناك ما يدعى بتكلفة الحصول على السيولة وأهم هذه التكاليف الفوائد التي تدفع لهذه الحسابات. الحكومة طلبت فتح حسابات وصرحت وتبنت أمام غياب وصمت لمجلس النقد والتسليف ومصرف سورية المركزي، رغم إستراتيجية مثل هذه الملفات. فذهب الأمر ليصبح لقمة سائغة وضعتها الحكومة بفم المصارف، لنحسب لهم ونوضح ما نقصد من خلال الأرقام، إذا كان هناك مليونا حساب لأصحاب البطاقة الذكية يتم تحويل الدعم النقدي الشهري لنفرض اعتمد مبلغ ٣٠٠ ألف شهرياً. بهذه الحالة الحكومة ستحول للمصارف سنوياً ٧٢٠٠ مليار ليره سورية ببلاش. ومن دون أن تتكلف المصارف أي قيمة على اعتبار أن هذه الحسابات لا تستفيد من فوائد، لهذا فتكلفة الحصول على هذه الكتلة النقدية تساوي الصفر.
ولكن بالحد الأدنى ستحقق المصارف أرباحاً بنسبة ٤ بالمئة تحت تسمية عمولات سحب وإيداع أي ٢٨٨ مليار ليرة سورية سنوياً. ناتجة عن تحويل الدعم إلى نقدي، من دون أن تقوم الحكومة بالزام المصارف بأعمال ومهام تحقق نمو مستدام وترفع من نسبة الناتج المحلي الإجمالي.
معروف عالمياً أن إحدى أدوات السياسة النقدية الهادفة لدفع عجلة الانتاج وتشجيع الاستثمار تكمن في تخفيض فوائد الإقراض أي حصول الصناعي والمستثمر والمواطن على سيولة منخفضة التكاليف. فتخفيض تكاليف الحصول على السيولة يؤدي إلى تشجيع دخول الاستثمارات ودفع عجلة الإنتاج وخلق فرص عمل وتخفيض التكاليف والأسعار ورفع وتيرة التصدير والحد من التضخم ورفع الطلب بالأسواق وتثبيت سعر الصرف. وتحقيق نمو اقتصادي مستدام ورفع نسبة الناتج المحلي الاجمالي.
كان من المفترض أن يسبق القرار دراسة مستفيضة حول تخفيض فوائد الاقراض لحدود ٥.٥ بالمئة إلى ٧ بالمئة وإعفاء القروض من العمولات نظراً لأن تكاليف حصول المصارف على كتلة كبيرة من السيولة تساوي الصفر.
السؤال الجوهري، هل تم عرض دراسة على متخذي القرار تتضمن انعكاس تكاليف السيولة الصفرية على الفوائد الدائنة والمدينة وعلى العمولات بحيث يتم خلق توازن بينها تخفض مجمل التكاليف وتؤدي إلى اعتماد سياسة نقدية توسعية تحقق استثماراً تنموياً يؤدي إلى نمو اقتصادي مستدام وارتفاع في نسبة الناتج المحلي الاجمالي. وهل يمكننا المطالبة بنشر هذه الدراسة، حتى ننفي اتهام اعتباطية اتخاذ قرار فتح الحسابات؟