تؤثر تحركات سعر الصرف في الأسعار وفي معدلات التضخم بشكل عام، حيث إن تخفيض قيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية من شأنه أن يزيد التضخم بطريقتين، الأولى من خلال ارتفاع أسعار السلع والخدمات المنتجة في الخارج والمستوردة للبلد سواء كانت مواد أولية أم وسيطة أو نهائية، وهذا الارتفاع في أسعار السلع والخدمات المستوردة يسهم بشكل مباشر في التضخم من خلال قناة دفع التكاليف، الثانية من خلال قناة جذب الطلب، والتي تنتج من زيادة الطلب الكلي في فترة لاحقة.
كما يؤثر تخفيض سعر صرف العملة المحلية في توقعات التضخم التي تتبناها الأسر والشركات بشأن الزيادات المستقبلية في الأسعار، حيث تعتبر هذه التوقعات على درجة عالية من الأهمية لأنها يمكن أن تؤثر في القرارات الاقتصادية الحالية التي قد تؤثر بدورها في نتائج التضخم الفعلية، فعلى سبيل المثال، إذا كانت الشركات تتوقع ارتفاع التضخم في المستقبل وتعمل وفقاً لهذه التوقعات، فإنها قد ترفع أسعار سلعها وخدماتها بمعدل أسرع، ويمكن أن تسهم هذه السلوكيات، التي يطلق عليها أحياناً «علم نفس التضخم»، في ارتفاع معدل التضخم الفعلي، بحيث تصبح التوقعات بشأن التضخم محققة لذاتها، ويمكن بالفعل أن تؤثر في الأسعار الفعلية وتحديد الأجور، وبناء عليه فإن مدى «رسوخ» توقعات التضخم له آثار في نتائج التضخم في المستقبل.
وفي هذا الصدد، تطبق النشرة الرسمية التي يصدرها مصرف سورية المركزي في تفرعات عدة، منها تمويل مستلزمات القطاع العام، تقييم بيانات المصارف، دفع بدل الخدمة الإلزامية، إلا أن الاستخدام الأكثر تأثيراً هو تمويل احتياجات البلد كاستيراد القمح والمشتقات النفطية، حيث أن فاتورة استيراد نحو مليون ونصف مليون طن قمح سنوياً، ونحو 27 مليون برميل نفط سنوياً، تعد فاتورة ضخمة، وسيتم احتسابها الآن على سعر 13,668 ل.س بدلاً من 12,562 الساري منذ تاريخ 03/12/2023 حيث خُفّض السعر حينها من 11,551 والذي استمر لشهرين فقط وتحديداً من 01/10/2023، فيما كان تخفيض سعر الصرف في النشرة الرسمية سابقاً من 8542,6532,4522 (السعر في 02/02/2023)، 2512 (السعر في نيسان 2022).
هذا يعني أن المبلغ المخصص بالليرة السورية لعمليات الاستيراد المذكورة قد ارتفع نتيجة التخفيض المتتالي لسعر صرف الليرة مقابل الدولار، ما يعني ارتفاعاً في الرقم المقيّد بالليرة السورية لزوم الاستيراد آنف الذكر.
وبالنظر لرقم كتلة الدعم في موازنة 2024 البالغة 6210 مليارات ليرة، وبافتراض بقاء الدعم على حاله خلال خمسة الأشهر القادمة (لنهاية العام 2024)، متزامناً مع تخفيض دعم مادة البنزين 90 نتيجة الارتفاعات المتتالية في سعره خلال العام 2024 (والمحتمل أن يرتفع مجدداً خلال الأسبوعين القادمين نتيجة لتغيير سعر الصرف الرسمي الآن)، فإن كتلة الدعم قد تغطي في هذه الحالة المتطلبات الجديدة الناتجة عن تغيير سعر الصرف الرسمي اليوم، أما في حال حصول خلاف ذلك (وإن كان مستبعداً) فقد نكون أمام احتمالين إما تحويل كتلة الإنفاق الاستثماري إلى بند الدعم ضمن الإنفاق الجاري، أو زيادة الاستدانة من المصرف المركزي لتلبية متطلبات كتلة الدعم الجديدة من خارج اعتمادات الموازنة، ما يعني زيادةً في حجم الدين العام، ما قد يؤدي إلى انكماش الموازنة وتثبيط الجانب الاستثماري فيها وتأخير الدعم للمشاريع الاستثمارية والإنتاجية، وزيادة نسب الدين العام بشكل ملحوظ عاماً عن عام.