شؤون محلية

تهرّب ضريبي كبير لكبار المكلفين والصناعيين في حمص … «المالية» لـ«الاقتصادية»: خلل وعدم التزام ضريبي وفوارق بين رقم الأعمال ورقم المبيعات

| الاقتصادية

كشفت وزارة المالية عن تهرب ضريبي كبير من بعض كبار المكلفين والصناعيين، وعدم دفعهم ضرائب مستحقة للمالية بعد انقضاء المدد القانونية المحددة للدفع والربط الإلكتروني.. وحسب «معلومات» أن اللجان ما زالت تجري عملها وتقديراتها المالية مستوجبة الدفع بعد أن نظمت الضبوط بوقوع مخالفات التهرب بحق منشآت لصناعة السكر والزيوت في حمص.. بعد قيام لجنة خاصة بالتهرب الضريبي بزيارة بعض المنشآت في حمص، تبين لها أن هناك تهرباّ ضريبياً من دفع ضرائب بالمليارات حسب «معلومات غير رسمية» فضلت وزارة المالية عدم ذكر القيم مستوجبة الدفع… وحسب المعطيات غير النهائية فإن التهرب كان في منشأة للسكر والزيوت وبفروقات بالمبيعات تجاوزت عشرات المليارات.

حالات خلل وفروقات..!!

من جهتها أوضحت وزارة المالية لـ«الاقتصادية» ماقامت به اللجان المختصة بالتهرب الضريبي:

ضمن خطة عمل وزارة المالية من خلال الإدارة الضريبية في تعزيز الالتزام الضريبي للمكلفين وتحقيق العدالة الضريبية والشفافية بالعمل الضريبي، وبعد صدور المرسوم التشريعي رقم/30/ لعام 2023 المعدل لقانون الضريبة على الدخل رقم 24 لعام 2003 ولاسيما لجهة تخفيض المعدلات الضريبية ورفع الحد الأدنى المعفى من الضريبة، إضافة إلى تخفيض دور العامل البشري في التكليف الضريبي سواء لمكلفي الضريبة على الدخل من فئة الأرباح الحقيقة أم بشكل أكبر لفئة الدخل المقطوع من خلال توسعة نطاق الربط الإلكتروني لتحديد رقم عملهم بشكل دقيق وشفاف ومن دون أي تدخل من العاملين بالإدارة الضريبية للوصول إلى تكليف ضريبي واقعي وعادل وشفاف والحد من التهرب الضريبي.

إضافة إلى صدور القانون رقم /15/ لعام 2024 المتعلق بتعديل رسم الإنفاق الاستهلاكي والذي تناول أيضاً تخفيضاً لنسبة الرسم وخاصة بالنسبة للمصوغات الذهبية والأدوات الكهربائية المنزلية وعدم إخضاع المنتجات التي يدخل في تركيبتها مادة الكاكاو، إضافة إلى مجموعة من التعديلات التي كان في جزء منها مطالب من الأخوة المكلفين.

وبعد أن مضى عام (سنة تكليف مالية عام 2023) على إلزام مجموعة واسعة من المكلفين من فئة الأرباح الحقيقية بالربط الإلكتروني (ولاسيما كبار المكلفين والصناعيين بالمدن الصناعية)، وبعد أن انتهت مهلة تقديم البيانات لهذه الفئة من المكلفين وذلك بعد أن تم تمديدها لمرتين بناءً على طلب المكلفين أنفسهم، كان لابد من البدء بالتوسع في تدقيق مدى التزام المكلفين بالتشريعات الضريبية ولاسيما بعد التعديلات التي صدرت مؤخراً والتي تمت الإشارة إليها، إضافة إلى مجموعة من التعليمات والإجراءات التي قامت الإدارة الضريبية بها خلال الفترة السابقة، حيث بدأت الإدارة الضريبية ومديرية الاستعلام الضريبي بوزارة المالية بجولات تدقيق على مستويات مختلفة ولفئات مختلفة من المكلفين وبكل المحافظات ما ساعد في الكشف عن حالات عدم الالتزام بالتشريعات الضريبية، وذلك استناداً لأحكام القانون رقم /25/ لعام 2003، وقانون الضريبة على الدخل رقم /24/ لعام 2003 وتعديلاته ولاسيما المرسوم التشريعي رقم /30/ لعام 2023، والقانون رقم /15/ لعام 2024، وفي جانب من هذه الجولات تم الاعتماد على الكوادر العاملة بالإدارة المركزية بوزارة المالية والإدارة الضريبية بشكل أساسي والاستعانة ببعض الكوادر من المحافظات التي تتم زيارتها بهدف توحيد منهجية العمل بكل المحافظات والتدقيق الموازي، وضمن هذه الجولات الاعتيادية ووفق خطة العمل المحددة لمديرية الاستعلام الضريبي كان هناك مؤخراً جولة في محافظة حمص لزيارة عدد من المكلفين للتأكد من مدى الالتزام بالتشريعات الضريبية، تضمنت الجولة زيارة عدد من المنشآت من مختلف الفعاليات ومنها منشأة مصانع الشرق الأوسط للسكر والزيوت لتدقيق مدى مطابقة البيانات الضريبية المقدمة للإدارة الضريبية ولاسيما لأعمال عام 2023 مع واقع نشاطهم وفعاليتهم ونتائج أعمالهم وتدقيق التزامهم بالربط الإلكتروني للفواتير المصدرة من قبلهم، مع الإشارة إلى أن الإدارة الضريبية ولأول مرة خلال العمل الضريبي قامت بإصدار تعليماتها بالبدء بعملية تدقيق البيانات الضريبية للمكلفين عن أعمال عام 2023 من اليوم التالي لانتهاء مهلة تقديم البيانات بهدف السرعة والشفافية والدقة في عملية التدقيق والحرص على مصلحة المكلفين والعدالة الضريبية.

ومن خلال عملية التدقيق في الحسابات المالية للمكلفين الذين تمت زيارتهم، تبين وجود بعض حالات الخلل بالالتزام الضريبي من قبلهم حيث وجدت اللجان فروقات بين رقم الأعمال (المبيعات) في سجلات المكلف ورقم الأعمال (المبيعات) المصرح عنه للدوائر المالية، وبناءً عليه تم تنظيم ضبوط تهرب ضريبي وفق الأصول بقيمة الفروقات الناتجة (الفرق برقم المبيعات وليس الفرق بالضريبة المستحقة على المكلف)، وتم إحالة الضبوط المنظمة للإدارة الضريبية للتدقيق واستكمال الإجراءات وفق التشريعات الضريبية النافذة.

وفي هذا المجال تذكّر وزارة المالية السادة المكلفين بحرصها على تعزيز العدالة الضريبية والشفافية بالعمل الضريبي وتؤكد ضرورة الالتزام بالتشريعات الضريبية ولاسيما الالتزام بالربط الإلكتروني للفواتير المصدرة من قبلهم حفاظاً على دقة العمل الضريبي، وتذكر بأحكام الفقرة /أ/ من المادة /7/ من قانون الضريبة على الدخل رقم /24/ لعام 2003 وتعديلاته « يتألف الربح الصافي من مجموع الإيرادات الإجمالية لأعمال المكلف الخاضعة لهذه الضريبة على اختلاف أنواعها بعد أن تحسم منها الأعباء والنفقات التي تقتضيها ممارسة هذه الأعمال أو التي تلازم نوع العمل».

تهرّب بأرقام كبيرة!

في هذا الشأن أشار الخبير الاقتصادي جورج خزام لـ«الاقتصادية» إلى أن التهرب الضريبي ليس ظاهرة جديدة، لكن الجديد فيها هو حجم ومقدار التهرب الضريبي بأرقام كبيرة جداً لم تكن موجودة في السابق في الوقت الذي تعاني فيه الخزينة العامة تراجعً كبيراً بالموارد المالية، فالتهرب يجعل من وزارة المالية ترفع ضرائبها على باقي المكلفين من أجل تعويض ما خسرته الخزينة من الإيرادات الناتج عن التهرب الضريبي، مما يؤدي لارتفاع تكاليف العمل التجاري والصناعي.

إن أسوأ الأضرار التي يسببها من يتهرب من الضريبة بأنه يستطيع أن ينافس بالسعر كلاً من التجار والصناعيين الذين لا يتهربون من الضرائب، وهكذا يتسبب بأضرار لهم من الممكن أن تؤدي لخروجهم من السوق.

ويقال أحياناً: إن التهرب الضريبي بأرقام كبيرة بالمليارات قد لا يكون إلا من خلال التعاون مع شبكة من الفاسدين في الجهات المعنية، لأنه من الممكن التهرب الضريبي لأرقام صغيرة لا يمكن ملاحظتها، ولكن لا يمكن التهرب الضريبي لأرقام كبيرة قد تصل لمليارات مثلاً… من دون وجود شبكة من المتآمرين تقوم بتغطية تلك المليارات بالوثائق المزورة عن حجم العمل والأرباح الحقيقية..!!

وحسب خزام: إن انتشار ثقافة التهرب الضريبي كان بسبب عدم حصول من يدفع الضرائب على أي خدمات تعود عليه في المستقبل القريب والبعيد من تلك المدفوعات، مثل باقي الدول التي يحصل المواطن منها على خدمات حقيقية من الدرجة الأولى بكل مكان يذهب إليه وفي الوقت نفسه، وبالحقيقة من ناحية أخرى هنالك الكثير من المصالح التجارية والصناعية لولا التهرب الضريبي فيها لكانت قد أغلقت وخرجت من السوق بسبب ضعف المبيعات والأرباح وزيادة تكاليف الإنتاج، وهي باقية بالسوق على أمل تحسن الأوضاع الاقتصادية بوقت قريب..!!

آثار التهرّب الضريبي

أما الدكتور علي محمد فيرى أن هناك آثاراً حادة جراء التهرب، ويمكن تقسيم الآثار الناجمة عن التهرب الضريبي: بالآثار الاقتصادية والمالية من جهة، والآثار الاجتماعية من جهة ثانية.

فمن ناحية الآثار المالية والاقتصادية للتهرب الضريبي: جميع الدول مهما كانت أنظمتها الاقتصادية تعتمد على الضرائب بصورةٍ رئيسةٍ لتحقيق أهدافها، لذا فإن التهرب الضريبي سيمنع الضرائب من تحقيق تلك الأهداف، ومن هنا فالتهرب الضريبي يسبب ضرراً ملموساً للخزينة العامة للدولة، من خلال حرمانها لجزءٍ مهمٍ من الحصيلة، وهذا الفقد من شأنه الإخلال بتوازن الموازنة العامة بين الإيرادات والنفقات، ما يسبب إضعاف قدرة الدولة على تمويل نفقاتها العامة اللازمة لتسيير متطلباتها، ما يجبر الدولة على محاولة إعادة توازن الموازنة، إما من خلال اللجوء إلى الاقتراض الخارجي أو الداخلي، أو القيام بالإصدار النقدي الجديد (التمويل بالعجز)، وهذا يُدخل الاقتصاد في دورة تضخمية تقود إلى تدهور القوة الشرائية للنقود وارتفاع الأسعار.

كما أن التهرب الضريبي يحمّل الدولة تكاليفَ إضافيةً باهظة؛ لأنها تنفق بعضاً من مواردها المالية لمواجهة هذا التهرب، كنفقات تمويل أجهزة مكافحة التهرب الضريبي. وتمويل عمليـات التدقيق والمراجعة للحسابات وإقرارات الممولين التي تتم من قبل كوادر متخصصة.

كما أن التهرب الضريبي يسيء إلى نمط تخصيص الموارد المملوكة للمجتمع بين فروع الإنتاج المختلفة، ويضر بحوافز الإنتاج. وبالتالي يخفض مستوى الرفاهيـة الاقتصادية لأفراد المجتمع.

كما يلحق التهرب ضرراً فادحاً بعملية التراكم الرأسمالي، التي تعد جوهر عملية التنمية الاقتصادية، في الدول النامية، وأساس عملية التقدم الاقتصادي في الدول المتقدمة نظراً لكون ذلك يؤدي إلى خفض معدلات الادخار المحلي، ما يسهم في زعزعة الاستقرار الاقتصادي للمجتمع سواء في أوقات التضخم أم في أوقات الكساد.

ومن ناحية أخرى ونظراً لكون الضريبة وفق المفهوم الحديث للمالية العامة تقوم على تحقيق العدالة الاجتماعية وبأنها أحد الأهداف الرئيسة للضريبة، بوساطة دورها الفعال في إزالة التفاوت الطبقي بين فئات المجتمع، من خلال إعادة توزيع الدخل القومي بصورة أكثر عدالةً، فالتهرب الضريبي يقود حتماً إلى إحباط الهدف الاجتماعي للضريبة؛ لأنه يزيد الهوة بين طبقات المجتمع، على اعتباره يجبر الدولة (بدافع الإبقاء على الحد المطلوب من الحصيلة الضريبية لتمويل الإنفاق العام) على عدم مراعاة العدالة الضريبية في فرض الضرائب، فيتحمل المكلفون غير القادرين على التهرب، (وهم عادةً أصحاب الدخول المنخفضة)، العبء الأكبر من الضرائب، على حين يتحمل المتهربون من الأغنياء وأصحاب الدخول المرتفعة العبء الأقل، ما يباعد المسافة بين الطبقات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى