لا تنمية بلا تخطيط… ولا تخطيط من دون بيانات دقيقة..! … التخطيط الإقليمي ضرورة ملحة في سورية تصطدم بنقص التمويل..!! … معمل للإسمنت في ريف دمشق وأكثر من 15 مشروعاً للطاقات المتجددة … رؤية تخطيطية منسجمة مع التطلعات المستقبلية لإقليم الساحل
| غزل إبراهيم
سياسات خاطئة اعتمدتها الحكومات المتعاقبة في سورية مرتكزة على مبدأ ترحيل الأخطاء في ظل غياب التخطيط والإستراتيجيات لفهم المشاكل اًولاً ثم تحليلها والبحث عن حلول ممكنة لها، يضاف إليه عدم الاعتماد على الخبرات التخطيطيّة، ومقاومة التغيير بشكل دائم.
وفي ظل هذه العقلية جاء إحداث هيئة التخطيط الإقليمي في سورية سنة 2010 ليعطي أملاً في إحداث نقلة نوعية في البلاد والاتجاه نحو وضع الإطار الإقليمي للتخطيط في سورية مدة خمسة عشر عاماً، لكن الحرب قضت على هذا الأمل، واستدعى الواقع الحالي الانتقال من حالة التخطيط الإستراتيجي إلى الحالة الإسعافية الطارئة لتأمين مستلزمات الحياة.
الحاجة للتخطيط
تحتاج أي خطة أو رؤية مهما كان نوعها إلى التخطيط لوضع المبادئ الأساسية التي تمر بمراحل محددة في العملية التخطيطية، فالمخطط لا يسعى لوصف الواقع أو الحاضر كما هو فقط، ولكن لاقتراح وعرض أساليب وطرق يمكن من خلالها تغيير هذا الواقع إلى وضع أفضل.
ويقود المخطط عملية متشعبة ومتعددة الأبعاد وهي تشمل إستراتيجية واعية وعمليات ذات غايات وأهداف محددة مرحلية وطويلة الأمد، ذات هدف عام وشامل لعملية ديناميكية تحدث بالمكان والوعي بالتفاوت المكاني المهم لاقتراح التنمية المناسبة المعتمدة على التحكم بحجم ونوعية الموارد الطبيعية والبشرية والمالية المتاحة للوصول بها إلى أقصى منفعة ممكنة وبأقل مدة زمنية لتحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية، وفق ما صرحت به رئيسة هيئة التخطيط الإقليمي ريما حداد لـ«الاقتصادية».
داعم للتنمية
التخطيط ينطلق من أهداف التنمية المستدامة، ويقوم بتحديد أهدافها، وبناء المؤشرات الوطنية من مصفوفة كل المؤشرات التي تقوم عليها هذه الأهداف والتي تبنى عليها أساساً الخطط التنموية في التخطيط والدراسات الإقليمية، وهي مؤشرات عالمية تم البناء عليها وفق غايات ومقاصد تخدم دراسات غرضية في مجالات المياه والقطاعات الاقتصادية والزراعية والبنى التحتية واللوجستية.
تم التوجه حديثاً إلى التخطيط الإقليمي بناء على البعد المكاني في سورية والذي قام المعهد العالي للتخطيط الإقليمي على أساسها بتقديم مشروع الدليل الوطني لمؤشرات التنمية المكانية للتخطيط الإقليمي في سورية وفق توضيح عميدة المعهد غادة بلال.
هيئة التخطيط
تفتقر سورية لآليات وإستراتيجيات استغلال الموارد المتاحة فيها، وهناك استنزاف يومي لهذه الموارد أحدث خللاً في السياسات الاقتصادية والسكانيّة.
وجاء إحداث هيئة مستقلة للتخطيط الإقليمي عام 2010 ليحدث نقلة نوعية في مجال التخطيط في سورية. إذ لم يقتصر التغيير على زيادة الفاعلية التخطيطية على المستوى الوطني فحسب، بل إن الميزة النوعية لاختصاص الهيئة الجديدة تكمن في عملها على مستوى تخطيطي جديد وهو المستوى الإقليمي.
وبالتركيز على زيادة فاعلية البعد المكاني، تخطو سورية خطوات عملية سبقها إليها عدد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلا أن السبق في الإطار القانوني للتخطيط الإقليمي كان في جعل مخرجات الدراسات التخطيطية المعتمدة ملزمة لكل جهات القطاعين العام والخاص -حسب حداد-.
دراسة المشاريع
الهيئة تقوم بتصميم وبناء نظام معلومات وبيانات التخطيط والتنمية الإقليمية باستخدام أفضل وأحدث تقنيات نظم المعلومات الجغرافية، حيث تضم كل المعلومات الجغرافية والاقتصادية والبيئية اللازمة لعملية تخطيط وإدارة التنمية الإقليمية، الأمر الذي يتيح للهيئة من خلال بنك المعلومات الجغرافية في مديرية المرصد الإقليمي، دراسة وتحليل البعد المكاني لهذه المشاريع ومنعكساتها الإيجابية والسلبية وإعطاء الرأي المناسب في ضوء هذه المعطيات.
حالياً تم الطلب ببيان الرأي في عدد من المشاريع منها 13 مشروع طاقة شمسيّة في ريف دمشق وهي (وديان الربيع، الرمدان، النبك، دير عطية)، وفي حمص (جندر، تدمر، التيفور، أبو الفوارس)، حلب (بئر الخفي، المخلف، الموالح، الجلالين، الطريفاوي)، بالإضافة إلى ثلاثة مشاريع للطاقة الريحية في محافظات: درعا (غباغب)، القنيطرة (الحلس)، حمص (السنديانة).
تمت الموافقة عليها لكونها تتوافق مع مخرجات الإطار الوطني للتخطيط الإقليمي وتقع ضمن مناطق الكمون الشمسي والريحي المناسبة وقريبة من محطات وشبكات الطاقة الكهربائية وفقاً لحداد.
وبالنسبة لمشروع معمل إسمنت في منطقة أبو الشامات في محافظة ريف دمشق تؤكد حداد أن الهيئة وافقت عليه لكونه ضمن منطقة خامات صناعة الإسمنت، ومتوافق مع الخريطة الاستثمارية لمواقع الثروات الباطنية ومتوافق مع مخرجات الإطار الوطني للتخطيط الإقليمي، وضمن إحدى المناطق الرمادية (الاقتصادية الخاصة) المخصصة لصناعة الإسمنت ومواد البناء.
كما طلب من الهيئة إبداء الرأي في سبع توسعات لمخططات تنظيمية وتمت الموافقة عليها شريطة ضبط حدود العمران للمحافظة على الأراضي الزراعية.
الصعوبات والمعوقات
في الظرف الحالي هناك الكثير من التحديات والعقبات أمام عمل الهيئة، لأن دراساتها ذات مستوى وبعد مكاني على المستوي الوطني وعلى مستوى الأقاليم التخطيطية، وتبعاً لهذه المستويات تظهر نقاط القوة والضعف والفرص والتحديات التي تستوجب تطوير سيناريوهات مختلفة للوصول إلى أفضل تنمية مكانية مستدامة.
وهناك تحديات كبيرة أمام الهيئة تبعاً لحداد وعلى رأسها محدودية توافر البيانات وصعوبة تداولها وتحديثها المستمر إضافة إلى جودتها وتعدد مرجعيتها، وضعف البنية التحتية الرقمية، وإلى عدم تفعيل المراصد الحضرية.
الخريطة الوطنية للسكن والإسكان
مشاريع مهمة أنجزتها الهيئة خلال الفترة الماضية منها الخريطة الوطنية للسكن والإسكان والتي تهدف للربط المكاني للسياسات السكانية الإستراتيجية على المستوى الوطني من خلال تحديد الاحتياجات الفعلية اللازمة لإعادة التعافي والنهوض بقطاع السكن من جديد وفق برامج زمنية محددة، وتوجه النمو العمراني وفق المحاور والأقطاب التنموية بعيداً عن الأراضي الزراعية، كما أنها تلبي الاحتياجات السكنية وتسهم في إعداد مقترحات تخطيطية للتجمعات العمرانية وتساعد أصحاب القرار في رسم خطط وإعداد مشاريع إعادة إعمار المناطق المتضررة بفعل الحرب وبما ينسجم مع توجهات الإطار الوطني للتخطيط الإقليمي، وتم الانتهاء منها وعرضها واعتمادها سنة 2020، إضافة إلى دراسة التوزع المكاني لأسواق الهال في سورية وتم الانتهاء منها أيضاً عام 2020.
كما أنهت الهيئة دراسة المخطط الإقليمي للإقليم الساحلي وهو من المشاريع المهمة والواعدة لرسم معالم التنمية المكانية المستقبلية للإقليم وفق برنامج زمني وبما يتناسب مع قدراته الحالية والكامنة لإعداد المسارات التوجيهية الإستراتيجية للتطوير المستقبلي، متضمنة الأسباب الداعية والتحليلية للمقترحات المحددة وذلك بهدف إظهار واستكشاف الموارد الطبيعية واستعمال الأراضي المستقبلي والإمكانات الاقتصادية والتنمية السكانية وإعداد الإستراتيجيات للتنمية المستدامة لهذه العناصر وفق توجهات الإطار الوطني، إضافة إلى إعداد رؤية تخطيطية منسجمة مع التطلعات المستقبلية للإقليم الساحلي ودوره الإقليمي والعالمي، تتناسب مع الأهمية السياحية والاقتصادية له، ووضع الحلول المناسبة للإشكالات التي أفرزتها الأزمة على الشريط الساحلي.
الثروة المعدنية
تعتبر خامات الثروة المعدنية من الموارد الطبيعية غير المتجددة نظراً لظروف ومراحل تشكّلها المختلفة التي تستغرق ملايين السنين ضمن شروط جيولوجية وبيئية محددة، الأمر الذي يفرض ضرورة استثمار ثرواتنا بأفضل شكل ممكن من خلال تقديم كل التسهيلات الممكنة لاستخراج هذه الثروات ووضع المشاريع الاستثمارية المتناسبة مع خطط التنمية المحلية والإقليمية والوطنية، من ضمن المشاريع التي طرحتها المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية والإطار الوطني للتخطيط الإقليمي حيز التنفيذ، بغية تحويل المواد الخام إلى منتجات ذات مواصفات فنية وتقنية عالية قابلة للاستخدام في شتى القطاعات (التقنية، الزراعية، البيئية، العمرانية، الخدمية وغيرها)، أو لمواد أولية تدخل في الصناعات المتنوعة (الدوائية، الغذائية، النفطية وغيرها)، ما يحقق قيمة مضافة إلى الخام ويمد السوق المحلية بهذه المواد والمنتجات ويغني عن استيرادها، إضافة إلى إمكانية التصدير وبالتالي تنمية مستدامة تشكل رافعة للاقتصاد الوطني وتحقق الاكتفاء الذاتي الذي ننشده.
تمت الموافقة على النسخة النهائية للخريطة الاستثمارية لكل المواقع الصالحة للاستثمار كمقالع للثروة المعدنية في سورية.
التمويل
التمويل موجود في كل الدراسات التخطيطية وبناء على السياسات والإستراتيجيات الحكومية والتي تصدر من هيئة التخطيط والتعاون الدولي، يتم البناء على أساسها ويحدد لها التمويل المخصص لكل قطاع، ويتم وضع الدراسات التخطيطية على المستوى الإقليمي والمحلي.
ولكن قلّة الموارد المالية تقف عائقاً في إحداث أي تقدم في كل المجالات وليس فقط في التخطيط الإقليمي، وهناك العديد من المشاريع التي قامت الجهات المعنيّة بدراستها وإعدادها لكنها بقيت حبراً على ورق.