وزير الاقتصاد: خيارات متلاحقة لتحويل الدعم النقدي لمادتي المازوت والغاز المنزلي
| بارعة جمعة
في الوقت الذي تتركز فيها الجهود الحكومية نحو تقديم التوضيحات عن آلية الدعم الجديدة بتحويلها إلى نقدي، وأخذ رؤية الحكومة بعين الاعتبار من قبل الجهات كافة بما فيها المواطنون، يأتي دور وسائل الإعلام كحالة متوازية ومساوية من حيث الأهمية في تبيان وشرح هذه الخطوات التي باتت تأخذ الكثير من التأويلات والتفسيرات غير الواضحة لدى الكثير، التحول من دعم السلع للنقد يحمل أوجهاً عدة، لتأتي التأكيدات من قبل وزيري المالية والشؤون الاجتماعية باقتصاره على الخبز مبدئياً، فيما تلاها حوار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية الدكتور سامر الخليل في لقائه الأخير الذي أتى مكملاً لحلقة الدعم، بتأكيده على أن الحكومة لن تدخر أي جهد لإيصال الدعم إلى مستحقيه وبكل الطرق، مع التزامها المطلق بأشكال الدعم القائم على مستوى التربية والتعليم والصحة والكهرباء والماء والخبز.
آلية الدعم
منذ إقرار عملية الدعم تعددت أشكاله وتنوعت طرق إيصاله للمستحقين له، ما جعل لدى أغلبية المواد هدراً كبيراً وعدم الوصول للغاية الحقيقية المرجوة منه، لذا كان لا بد من التمييز بين أشكال الدعم وبين تحويله من عيني إلى نقدي في مادة الخبز أولاً، لأن الغاية منها ليست التخفيض في الإنفاق وإنما الوصول إلى كفاءة أكبر باستخدامه، وضمان وصوله إلى مستحقيه للتخفيف بشكل تدريجي من حالة الفساد الموجودة في عملية إنتاج وبيع الخبز، الذي وفق الوزير الخليل ربما سَتَمُرُّ مرحلة تسعير الربطة نقدياً بثلاث مراحل، بدءاً بسعر معين ووصولاً لسعر التكلفة، ولاسيما أن سياسات الدعم الحالية أثبتت عدم كفاءتها والسبب يعود بالطبع لاستهداف المادة لا مستحقي الدعم، ما يؤدي إلى تحميل الدولة أعباء مالية كبيرة، تنعكس بشكل سلبي على الوضع الاقتصادي ككل، والذي سجل اليوم تراجعاً ملحوظاً وعدم العدالة في توزيع هذه الثروات أيضاً.
ضرورة فرضت نفسها على الواقع الحالي للاقتصاد، ما يفرض أيضاً وجود آلية مختلفة يتم تطبيقها مستقبلاً برأي الوزير الخليل، هذه الضرورات دفعت بالحكومة لمقاربة هيكلة ملف الدعم، والتفكير ملياً عبر تحديد المجالات التي سيستمر الدعم فيها والمجالات الأخرى التي من الواجب اختلاف آلية الدعم فيها بهدف الوصول إلى الكفاءة والتوفير وتخفيض العجز في ميزانية الدولة لإنفاقه في مجالات أخرى يحتاجها المواطن.
دراسات أخرى
أظهرت دراسات الباحثين والأكاديميين وجلسات الحوار التي أجريت بأن السياسات الحالية للدعم تقادمت، وبأن شكل الدعم الحالي والأموال التي يتم إنفاقها لا تسير بالاتجاه الصحيح، كما أن تطور الأسعار والتضخم وبروز الحاجة لاستيراد المواد، أدى لتحول المبالغ المرصودة للدعم إلى عبء كبير، عدا عن حالة عدم الرضا من قبل المواطن عن أشكال الدعم السابقة، ما استدعى معالجات بأشكال جديدة ومختلفة عن الأخرى بالاستناد لتقييم التجارب ومراعاة مسألة الاختلاف بين تجربة وأخرى، توصيف للواقع قدمه الوزير الخليل برر من خلاله الاتجاهات الجديدة في عمل الحكومة، إلا أنه لم يكن للتحول النقدي قدرته على استيعاب كل أشكال الدعم، هي حالة من الإجماع على هذه النقطة تناولها الوزير ضمن حديثه أيضاً، مبيناً صعوبة تشميل الكهرباء والمياه والصحة في هذا التوجه، والاقتصار على مادة الخبز حالياً، لكن ما هي الخيارات المتاحة اليوم؟
يجيب الوزير الخليل قائلاً: «ربما سيكون هناك خيارات متلاحقة لتحويل الدعم من مادي إلى نقدي، لكن بعد إجراء دراسات، الآلية الجديدة في المرحلة المقبلة قد تضم مازوت التدفئة والغاز المنزلي، لكنها لا تصلح في موضوع الكهرباء والمياه أو الصحة».
كما بين الوزير أن الاتجاه في مسألة الدعم لم يعد مطروقاً لدى الدول الأخرى، كما أن سياسات الدعم متنوعة في سورية وتأخذ أشكالاً كبيرة، وأغلبيتها غير موجودة وفق حديث الوزير الخليل، كما أظهرت الوقائع والدراسات والمتابعات وجلسات الحوار بأن سياسات وأشكال الدعم القائمة الحالية غير سليمة، لذا كان لا بد من إعادة قراءة أساليب الدعم.
في وقت بدت فيه سياسة تحسين كفاءة الإنفاق العام أحد أهم أهداف الآلية الجديدة للدعم، لتحقيق الوفر المالي الذي سيتم توزيعه على أوجه النشاطات الأخرى، بناء على قواعد وبيانات تم تحديدها سابقاً، لتحسين الوضع المعيشي للمواطنين.
في وقت وجد فيه الخبير الاقتصادي جورج خزام أكد أن عملية تحويل الدعم إلى دعم نقدي أمر غاية في الصعوبة، بدءاً من طريقة فتح الحسابات المصرفية، لأن ذلك يعني عدم حصول المواطن على الدعم النقدي بسبب الازدحام الشديد أمام الصرافات وفي المصارف وبقاء المليارات مجمدة في المصارف برأيه، مع العلم بأن اقتراح إعادة توزيع الدعم نقداً تمت المطالبة به منذ سنوات، وليس وليد اللحظة، وذلك ضمن اقتراحات قدمها الخبير خزام عبر وضع مبلغ الدعم النقدي برصيد مالي على البطاقة الذكية لشراء الخبز والغاز والسكر والرز من صالات السورية للتجارة بالسعر غير المدعوم أو توزيع كمية مجانية محسوبة من المواد المدعومة مثل الخبز والغاز مقابل كامل مبلغ الدعم حسب الاستحقاق، مع الإشارة لعدم صحة توزيع الدعم نقداً لموضوع الكهرباء والمياه، مع إمكانية تقديم الدعم على شكل أول شريحة استهلاك من كمية مجانية محسوبة تساوي بقيمتها مبلغ الدعم، ليبدأ بعدها السعر بالارتفاع بتصاعد الشرائح المحسوبة.
وبما أن كيلو الرز والسكر تم تسعيره سابقاً على البطاقة الذكية 1.000 ليرة بخصم 50% عن سعره الحقيقي في السوق أي إن عائلة مؤلفة من 5 أشخاص مخصصاتها 10 كغ سكر و10 كغ رز سوف تدفع عند الاستلام عن شهرين 20.000 ليرة وهذا المبلغ من الممكن ألا يكون متوافراً للطبقة الفقيرة من المجتمع المستحقة أكثر من غيرها لهذه الإعانة، ويتساءل الخبير الاقتصادي جورج خزام لِمَ لا يتم توزيع نصف هذه الكمية مجاناً 5 كغ رز و5 كغ سكر؟ بما يضمن بقاء مبلغ الدعم المالي ذاته مالياً ولمصلحة الجميع، كما أنه في حال التوزيع مجاناً لنصف الكميات المستحقة، فإن ذلك سوف يشمل جميع حاملي البطاقة الذكية من دون أن يتم حرمان أي عائلة من حصتها بحجة عدم وجود كميات كافية للجميع، أو أن يتم حساب قيمة الدعم المالي للسكر والرز والغاز والمازوت وتحويله إلى رصيد مالي في البطاقة الذكية ويمكن به شراء السكر والرز والغاز والمازوت بالسعر غير المدعوم من السورية للتجارة بخصم قيمة فاتورة المشتريات من الرصيد المالي في البطاقة الذكية للدعم.
سيناريو التصحيح
مبدأ العمل من منطلق التصحيح، هو الاتجاه الحكومي الجديد للدعم النقدي، القائم بشكل رئيس على الرفع التدريجي لأسعار السلع المدعومة وصولاً إلى سعر التكلفة وفق قراءة الدكتور في كلية الاقتصاد عابد فضلية للمشهد اليوم، ومن ثم تخصيص تحويلات مالية لمستحقي الدعم (وفق مفهوم الاستحقاق الحالي) مع الحفاظ على القيم الحالية للدعم، أي تحويلات مالية لحسابات المستحقين وفق فرق السعر، يحقق هذا السيناريو بعد استكمال تنفيذه (الوصول إلى سعر التكلفة)، وبالطبع لهذا الاتجاه مزايا لخصها د. فضلية بتصحيح التشوهات السعرية بين المواد المدعومة وغير المدعومة وتحسين جودة المنتج نتيجة المنافسة وتوفير استهلاك الطاقة نتيجة ترشيد الاستهلاك، وتخفيف الضغط على القطع الأجنبي نتيجة تخفيف الاستهلاك، وبالتالي انخفاض استيراد مدخلات الإنتاج.
تعزيز التحول إلى الربط الإلكتروني هو أهم أهداف هذا التحول بتوفير كتلة نقدية لدى المواطنين في الحساب المصرفي أو الموبايل، تتيح لهم التحكم بتأمين احتياجاتهم حسب الرغبة، إلى جانب تحسين قاعدة البيانات، بما يساعد على تنفيذ سياسات صحية اجتماعية أكثر عدالة وشمولية، وقد يؤدي انخفاض الطلب على بعض السلع المدعومة إلى انخفاض في فاتورة المستوردات وبالتالي انخفاض الضغط على القطع الأجنبي، ما قد يعزز سيناريو التنافسية التي ستنعكس على انخفاض الأسعار وتحسين النوعية.
بالمقابل قد تسجل هذه الخطوة وفق رؤية فضلية بعض الجوانب السلبية مثل ارتفاع في معدلات التضخم نتيجة ضخ كتلة نقدية كبيرة من السيولة في السوق، وتغير في النمط الاستهلاكي للأسر السورية، والتحول نحو أنماط جديدة أقل استهلاكاً من الشكل الحالي، عدا عن احتمالية لجوء البعض لاستخدام المبالغ المحولة في أوجه ذات غير أولوية من أرباب الأسر، وبالتالي تضرر في مستويات الأمن الغذائي، مع الخوف من بقاء التشوهات السعرية نتيجة عامل التدرج، في الفروقات السعرية وهذا ما سيؤدي إلى وجود أكثر من سعر للسلعة الواحدة، وبالتالي استمرار المتاجرة في أسعار السوق السوداء.
إضافة لعدم وجود قدرة مؤسساتية ولوجستية لدى البنوك والشركات المصرفية لفتح مزيد من الحسابات المصرفية، وعدم القدرة على حساب كل تلك الأموال عند بداية كل شهر، بالتزامن مع انعدام القدرة لدى المصارف العامة والخاصة على تأمين فروع أو نقاط مصرفية، في الأرياف والقرى.