تضمن تقرير أعلنته جمعية رجال الأعمال والصناعيين العرب بتركيا وبحسب اتحاد غرف التجارة والصناعة التركي، أن حجم استثمارات السوريين في تركيا من عام ٢٠١٠ ولغاية عام ٢٠٢٣ بلغت عشرة مليارات دولار هذه الاستثمارات لعبت دوراً كبيراً في تنشيط الصادرات التركية.
وأوجدت فرص عمل ووظفت أكثر من ٥٠٠ ألف شخص وقد بلغ مجموع هذه المشروعات ١٣٨٠٠ مشروع وشركة أنشئت للسوريين في تركيا وهي تمثل ٣٠ بالمئة من مجموع الشركات المملوكة للأجانب بحسب تصريح لوزيرة الاقتصاد التركي السابقة، وقد تنوع نشاط وإنتاج هذه المشروعات في مجموعة من القطاعات وأهمها المنسوجات- البلاستيك- السجاد- الأحذية- السياحة- الزراعة- والثروة الحيوانية. وذكر التقرير أن هناك ٣.٢٠٠ ملايين سوري في تركيا ٥٩ بالمئة منهم تم تسميتهم ضمن فئة الحرفيين وهي العنصر الأساس في سوق العمل حيث اعتبر الحرفي السوري من امهر الحرفيين على مستوى العالم.
السؤال المطروح هل الفكر الحكومي السوري والمنهجية في التعاطي وبغض النظر عن وضع البنى التحتية، قادران على استقطاب هذه الاستثمارات وإعادتها لسورية؟ وهل منهجية التعاطي والسياسات والقوانين مشجعة لأصحاب هذه المشروعات للعودة للسوق السورية؟
هل سياسات ومنهجيات مصرف سورية المركزي مشجعة لعودة هذه الاستثمارات لسورية بظل احتكار واضح لعملية تمويل المستوردات، وبظل سياسة ترشيد الاستيراد؟
هل استطاع أو يستطيع مصرف سورية المركزي من إيجاد أقنية لموارد قطع يستطيع من خلالها تلبية احتياجات هذه المشروعات؟
كم عام يلزمنا لوضع خطط وسياسات شفافة قادرة على زرع الثقة بنفوس المستثمرين السوريين في الخارج وتشجعهم على العودة لسورية؟
هل بات الاقتصاد السوري مرتبطاً بدفع الدعم نقداً وتأمين المواد الأساسية، وربطة بموارد تحويلات غير مستقرة؟
أين هو الفكر الحكومي القادر على وضع تعليمات تنفيذية جاذبة وخالية من استثمار القوانين من دون وضع العصي بعجلتها لتفتح أبواب الفساد وتدعو لنفور المستثمرين من دخول السوق السورية؟
وأهم هذه القوانين التي تعتبر من الأدوات المهمة جداً للسياسات الاقتصادية والمالية والنقدية وهي القانون ٣ لعام ٢٠٢٤ والمرسوم ٢٩ لعام ٢٠١١ والقانون ٨ لعام ٢٠٢١ والقانون ١٨ لعام ٢٠٢١ والقانون ٤٠ لعام ٢٠٢٣.
ما الطروحات الحكومية والمعطيات التي تعطي هذه القوانين ثقلها لتكون أداة فاعلها في جذب الاستثمار وبالتالي محاربة التضخم وخلق أقنية لموارد قطع؟
كيف ستتعامل وزارة الاقتصاد والصناعة مع هؤلاء المستثمرين إذا قرروا العودة للسوق السورية؟ وما تحضيرات تلك الوزارتين؟
أين السياسات النقدية والاقتصادية التي تخلق الأرضية الصالحة للتشجيع وتحسين العملية الإنتاجية وتطويرها؟ ما (الكيفية) التي ستعالج بها السياسات النقدية الانكماش الاقتصادي والتضخم الجامح، وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع معدلات البطالة وتراجع الاستهلاك والاحتكار؟
ماذا عن النمو الاقتصادي الشامل وسياساته التي تحقق رفع المستوى المعيشي للمواطن وتوفر فرص العمل المنتجة؟
والسؤال المهم ما الرؤية التي سيتم بموجبها معالجة الفقر وعدم المساواة في توزيع الدخل والثروة؟ أين الفكر الاقتصادي الذي يستطيع قلب المعادلة من اقتصاد احتكاري قائم على الاستثراء لاقتصاد تنموي إنتاجي؟
اعتقد أنها أسئلة مشروعة في ظل انعدام حتى الشعور بوجود إرادة حقيقية وقوية تهدف لتشجيع المستثمرين السوريين للعودة للسوق الاقتصادي السوري، فتحليل الواقع يشير إلى اتباع منهجية إشغال للمواطن والمسؤول نعم إنه إشغال وليس اشتغال؟ ما يحدث اليوم بخصوص الشأن المالي والنقدي وتأثرهما بموضوع الدعم لا يستلزم كل هذا الضجيج، والأمر لا يعتبر أهم من التفكير بالكيفية وخلق الأرضية لتشجيع السوريين على العودة، فمعالجة بعض السياسات كسياسة الدعم تأتي كنتيجة طبيعية عندما يكون الاقتصاد متعافياً وقوياً وعندما تستعيد الليرة السورية قوتها وتعود عجلة الإنتاج للدوران؟ ما يحدث اقتصادياً لا يعطي مؤشرات إلى أن التعافي الاقتصادي يبدأ من الداخل ولا يمكن الرهان على الخارج ليحدث تعافٍ في الداخل.
الانطلاق من الداخل والاستثمار يبدأ بالداخل قبل دعوة دخوله من الخارج، فتحقيق النمو الاقتصادي الحقيقي والبعيد على الرؤية الوهمية للنمو والعمل على رفع منسوب الثقة بالأنشطة الاستثمارية الوطنية غير الاحتكارية لقادة الأعمال، ووجود سياسة نقدية تتناغم مع المتطلبات النقدية والاقتصادية وتحقق مصالح الاقتصاد الوطني وتخرج من دائرة سيطرة أصحاب المصالح عليها ووقوف المسؤولين بالدولة على مسافة واحدة من كل أصحاب المصالح الوطنية بالاقتصاد. كل هذه العوامل تعتبر أساساً لدفع السوريين للعودة لبلادهم.
ختاماً ألا يستحق ٣.٢٠٠ ملايين مواطن سوري أن نفكر بهم وبكيفية عودتهم إلى بلدهم الأم، إلا يستحق أكثر من ١.٥ مليون مهني سوري التفكير بهم ومساعدتهم وتشجيعهم على العودة لبلدهم؟ ألا تستحق ١٠ مليارات دولار بذل الجهود الكبيرة ووضع كل الإمكانات والتسهيلات بتصرف أصحابها لإعادة استثمارها في الأسواق السورية. فانطلاق الاستثمار يبدأ بمشروعات السوريين الاستثمارية واستقرارها ببلدها قبل أن تبذل جهود حكومية لدعوة الاستثمار الأجنبي لدخول سورية، التعافي الاقتصادي يبدأ من الداخل.