ليس لمجلس الشعب دور اقتصادي تنفيذي مباشر، فهو لا يضع السياسات ولا يصوغ القوانين، هو يوافق أو لا يوافق عليها، يُقرها أو لا يُقرها، يستمع لبيان الحكومة المتضمن رؤيتها وبرنامج عملها في بداية تشكيلها، يناقش ويُقر الموازنة العامة وقطع الحسابات السنوية للدولة، يدرس خطط التنمية لمختلف الوزارات، يدرس القوانين الاقتصادية وغير الاقتصادية، يناقشها، وقد يُعدّل بعضاً من أحكامها، ومن ثم يُقرها، وبالتالي فإن ما يصدر عن مجلس الشعب وما يوافق عليه هو المنصة والقاعدة التي ينطلق منها، ويُبنى عليها عمل الحكومة، وهو المؤشر الذي على أساسه يراقب المجلس الأداء الحكومي، ويقيّمه.
فمجلس الشعب لا يحكم ولا يُدير ولا ينفذ، إلا أنه، إضافة إلى مهامه التشريعية، هو الذي يحوكم العمل الحكومي، يراقب الأداء، ويُساءل من لا يُنفِّذ ولا يُطبِّق، ويحاسب الجهة التي تُقصّر وتتقاعس وتفشل في تحقيق الأهداف العامة، وبالتالي ليس صحيحاً، كما تعتقد عن حسن نية شرائح عريضة من الناخبين وكما تقول، للتهرب من الإحراج، قلة ليست قليلة من أعضاء مجلس الشعب، أن مجلس الشعب ليس مسؤولاً عن أداء ونتائج عمل الجهات الحكومية لكونه ليس جهة تنفيذية، وليس صحيحاً كذلك أنه ليس طرفاً وشريكاً تشريعياً رقابياً في إخفاقاتها إن أخفقت وفي نجاحاتها إن نجحت، ما دامت الحكومة بجميع جهاتها تعمل في ضوء وحدود تشريعاته، وما دامت تخضع لرقابته ومساءلته ومحاسبته، لذا فإن صمت مجلس الشعب حيال تقصير هذه الجهة الحكومية أو تلك، يُعد أكثر من تقصير في أدائه لمهامه وواجباته الدستورية.
على هذه الأرضية، وفي إطار الحق الدستوري للناخب أيضاً، يجب أن يستند تقييم أداء مجلس الشعب كمؤسسة وأداء أعضائه كأفراد منتخبين، وخاصةً منهم وأولهم رفاقنا البعثيون ممثلو الحزب ورؤساء المنظمات الشعبية، وعلى الأخص تجاه القضايا التي تهم وتمس الشرائح العريضة من العاملين والكادحين وذوي الدخل المحدود.
لا شك بأن كلتا السلطتين التشريعية والتنفيذية، في خندق واحد، يتكامل عملهما ليصب في مصلحة الوطن والمواطن، ولكنهما ليستا على الضفة ذاتها في هذا الخندق، بل على ضفتين متقابلتين، لكي ترى إحداهما الأخرى وتحسب حسابها وتراعي وجودها، ولتقف السلطة التنفيذية على ضفتها، لتشتغل وتقوم بما عليها، ولتضع ما تريد من إستراتيجيات وسياسات في إطار صلاحياتها الدستورية، ولتتخذ ما تراه مناسباً من قرارات وتطبق ما هو لازم من إجراءات، في ظل تشريعاتها النافذة وواجباتها الوطنية ومهامها الوظيفية.
وليكن مجلس الشعب على الضفة الرديفة الموازية المقابلة، الصديق اللدود والخصم الشقيق للجهات التنفيذية، مسلحاً بدستورية دوره وحاملاً مصالح ناخبيه، ليكون الحكَم بحوكمته، والحاكم الرقابي بدراسات وتوصيات لجانه وآراء أعضائه، وصاحب الرأي الحق بحاكمية الحكومة وحكمة أدائها ونتائج عملها.
أما المواطن، وهو على كل الضفاف، يثق بالسلطات جميعها، ويؤمن بها وبرسالتها، لكنه، بالوقت ذاته يثق بعقله ويعرف مصلحته، ولا يستطيع بالتالي إلا أن يؤمن بما يلمسه وما ينعكس عليه من نتائج على أرض الواقع، وعلى هذا الأساس يحكُم على الأداء ويُقيم النتائج.
فإذا تحسبت الحكومة القادمة لمجلس الشعب الجديد، فلن تكون جريئة جداً في اتخاذ القرارات غير الشعبية، وإذا تحسب مجلس الشعب الجديد لأصوات ناخبيه، فسوف يكون أكثر جرأةً في حراكه وسعيه لاتخاذ القرارات الأكثر شعبية، أما إذا لم يتحسب أحد لأحدـ، فسوف ترتد أصوات الناخبين على ممثليهم بعد أن كانت لهم.
إن العمل الرقابي واجب، ويتطلب الخبرة والجرأة والموضوعية والمتابعة، ونجاحه يتطلب من المجلس تدعيم لجانه السبع عشرة ورفدها بخبرات ومستشارين، وخاصة الاقتصادية منها، وعلى الأخص لجان الموازنة والقطع والقوانين المالية والتخطيط والإنتاج والزراعة والخدمات، كما يتطلب من أعضائه تواصلاً شعبياً يُعزز الثقة مع الناخبين عبر الوسائل المتاحة، وعلى الأخص عبر وسائل الإعلام الوطنية.
لذا، وللوقوف في حضرة الشعب، لا بد من تعميق وتفعيل الواجب الرقابي للمجلس الجديد. فصلاحياته الدستورية، في السؤال والمساءلة والاستجواب وسحب الثقة، ليست اتهاماً أو تشكيكاً بأحد، ولا عقوبة لأحد، بقدر ما هي الغاية صيانة المصلحة العامة، وضمان العدالة والشفافية والموضوعية ومنع الانحراف والفوقية في العمل التنفيذي، إن وجد.