هل تتحول سورية إلى بلد كهل..؟ نزيف هجرة الشباب متواصل ونسبة الأطباء والمهندسين وأصحاب الشهادات العليا بالمقدمة
| هني الحمدان
هل سيأتي وقت يصبح المجتمع السوري كهلاً بعد التغني بفتوته..؟ وهل يصبح جل أعمال الوظائف أنثوية بعد التحولات التي طرأت ودفعت بزيادة نسبة الإناث على الذكور في الوظيفة العامة حالياً..؟! والأخطر هو نزيف الكوادر الطبية والتمريضية ولأعداد تجاوزت الـ5 آلاف طبيب وكادر حسب إحصاءات غير رسمية وربما أكثر من ذلك بكثير..!!
ما ساقني لهذه الاستهلالية بعض المؤشرات الخطرة التي بدأ بعض المتابعين والأكاديميين برصد نسبها الآخذة بالزيادة، وهذا لا شك مؤشر يجب الوقوف عنده ملياً..!
سورية عانت وستعاني تبعات الهجرة، والكل يعرف المسببات، ولاسيما الهجرة الخارجية وتسرب الشباب والكفاءات العلمية ظاهرة خطيرة أخذت تقلق المجتمع والمهتمين، يوماً بعد آخر، لكون الشباب أحد الأركان الأساسية للبناء والتنمية في العالم، وذلك لما يمتلكه من طاقات واستعدادات لبناء المجتمع بناء قوياً وفاعلاً، ويواجه هذا القطاع الكثير من العقبات، لذا أصبح من الطبيعي تسليط الضوء اللازم على كل المشاكل والقضايا التي تخص هذه الشريحة المهمة.
تحديات كثيرة
يواجه الشباب في سورية تحديات كثيرة نتيجة للظروف الصعبة التي مروا ويمرون بها، جراء مفرزات الحرب والأوضاع الاقتصادية الصعبة، ما حدا بهم إلى الهجرة، فالهجرة التي أصبحت تشكل تحدياً كبيراً أمام المجتمع لما قد تخلفه من آثار سلبية، تغير المعادلة التي من شأنها الحفاظ على نمو المجتمع وتطوره باعتبارها متغيراً ثقافياً رئيسياً في المجتمع، ولا تقتصر آثار الهجرة على الناحية الاجتماعية والثقافية فحسب بل آثارها المترتبة سلباً على الحياة الاقتصادية والديموغرافية أيضاً، وتعد من أهم التحديات التي تواجه المجتمع في الوقت الراهن، حيث أخذت أبعاداً خطيرة على حاضر ومستقبل المجتمع في الوقت الراهن.
مسببات دفعت للهجرة
الدكتور والخبير الاقتصادي علي محمد يرى أن الهجرة من سورية والشرق الأوسط ليست وليدة الحاضر، إنما هي هجرة قديمة ومستمرة تجاه دول الشمال وبعض الدول الأخرى، فهناك سوريون هاجروا منذ سنوات ما قبل الحرب، لكن مع سنوات الحرب، وبعدها وما رافقها من أحداث ازدادت وتيرة الهجرة الخارجية وبشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، وكان العام 2015 هو العام الأكبر في نسب الهجرة الخارجية، لتعود بعد هذا العام لتخف نوعاً ما ومن ثم تعود وتيرتها صعوداً حتى أيامنا الحالية، فالدوافع ليست أمنية بل صارت اقتصادية بامتياز، وهناك من لا يرى مؤشرات على نهاية أحداث ومفرزات الحرب، ورافق ذلك تراجع في النمو الاقتصادي والإنتاج وما رافق ذلك من تفشي البطالة والفقر، الذي حدا بالكثيرين وخاصة في سني العطاء والمراهقة إلى الهجرة، فالقوة الشرائية وتدهورها وضعف الدخول كلها ساهمت في تشكيل دوافع عند شريحة الشباب تحديداً للهجرة والبحث عن مورد اقتصادي يؤمن معيشة مقبولة ضمن الحدود.
حديث الأغلبية اليوم تراجع الخدمات ونقصها، وسوء بالمعيشة، وارتفاع أسعار وتضخم أكل كل شيء وصعوبة تأمين متطلبات قسم بسيط من الحياة، والشباب لم يجدوا أي بارقة أمل لكي يقدروا تأمين حياتهم ومايترتب عليه بحال التفكير بأي مشروع مستقبلي.. هي تحديات لا شك أمام متطلبات محقة للشباب السوري، والذي دفع بالمزيد من الشباب ما حققه البعض من الشباب السوري خارجاً ونجاحاتهم على كل صعيد دفع بالمزيد بالتفكير جدياً وبقناعة للهجرة وتسخير كل مؤهلاته خدمة في البلد الذي هاجر له تحت ضغط الحاجة وحالة العوز..!
نزيف متواصل!
الدكتور علي أشار إلى عدم معرفة حجم الهجرة والنزيف الذي سببته وستسببه على الوضع الاقتصادي والاجتماعي لاحقاً، وهناك إحصاءات لمنظمات وهي رسمية محلياً تقول إن هناك أكثر من 6 ملايين طالب لجوء، لكنه عاد وأشار إلى أن الأرقام غير رسمية، لكنه تخوف من النقص الشديد الحاصل في نزيف الكوادر الطبية والتمريضية الخبيرة إضافة للمهندسين وبعض التخصصات العلمية المهمة لمرحلة إعادة الإعمار، وأشار إلى خطورة أن تصل المشافي بشقيها العام والخاص إلى العوز الشديد، كما هو حاصل الآن بتخصص التخدير، حيث إن كل المخدرين غادروا سورية، والنزيف لا يزال مستمراً..! والخشية أيضاً حسب الدكتور علي أن تتحول سورية من دولة فتية إلى دولة كهلة، أي إن جيلاً كاملاً صار مهاجراً وهناك تواتر بهذا الشق، وهنا على الحكومة إصدار المزيد من القرارات التي تشجع الشباب على البقاء ليغيروا قناعاتهم بأن هناك تحولات جدية ستشهدها سورية منها اتباع بعض الإجراءات التي تحض على المحافظة على شبابها وتسهيل الإجراءات، ونخشى أن نصل إلى مرحلة لا نجد فيها طبيباً ولا مهندساً ولا عاملاً.. فالنقص صار ملموساً وبقوة في مرافق الطب والاقتصاد وبعض الاختصاصات الجامعية، وكل يوم يمضي سورية تخسر كفاءات بشرية مؤهلة وعلى مستوى الدراسة الجامعية، وهذا سيؤثر حكماً، على نقص الكفاءات المطلوبة في المنشآت الصحية وفي مواقع العمل والإنتاج ويحولنا من مصدرين إلى طالبي عمالة وشهادات، فالوضع خطير يجب الانتباه إلى مفرزاته طويلاً.
إفراغ البلد!
تعد الهجرة استنزافاً خطيراً للموارد البشرية ولا سيما الكفاءات والخبرات العلمية، الأمر الذي يهدد بإفراغ البلد من كفاءاته العلمية، هكذا وصف دكتور الاقتصاد مجدي الجاموس واقع وخطورة الهجرة الحاصلة في سورية، كاشفاً أنها تركت آثاراً نفسية واجتماعية على الأسرة وعلى أواصر العلاقات الاجتماعية، فانقطاع هؤلاء الذين هاجروا ويهاجرون كل يوم ولاسيما لفترات طويلة واستقرارهم سوف يخلق نوعاً من الانقطاع في التواصل بين المهاجرين وامتداداتهم وأصولهم وتغيراً في التركيبة السكانية، وجاءت الأسباب حسب زعمه إلى أسباب اقتصادية وتدهور الظروف المعيشية بمعدلات غير مسبوقة، والذين يهاجرون اليوم من مستويات أعمار الـ20 سنة إلى 24 سنة، والملاحظ ارتفاع وتيرة هجرة الكفاءات وخاصة العلمية وأصحاب الاختصاصات الأخرى كالمهندسين وغيرهم، وهذا لا شك يسبب خسارة كبيرة للبلد وللاقتصاد برمته، فأي أساس للاقتصاد اعتماده بالدرجة الأولى على الشباب المؤهل والمختص، فأي دورة اقتصادية بغياب الشباب والأيدي العاملة المختصة يعني خسارتها، فالمورد البشري هو الركن الأساسي لاكتمال وإنجاح العملية الإنتاجية كلها، وكل شب يهاجر سواء أكان مختصاً أم مؤهلاً أو عاملاً عادياً هو خسارة مركبة وثقيلة على الاقتصاد السوري وخطط التنمية، فالازدهار يكمن في قوة الأيدي العاملة المؤهلة والقادرة على إنجاز المسؤوليات الإنتاجية، وسورية كانت بلداً منتجاً وبقوة للعمالة ليست صاحبة الكفاءات بل العمالة العادية، فخسارة الأيدي العاملة وطاقات الشباب ستؤدي حتماً إلى تأثير سلبي على مستويات الإنتاج والإنجاز، ومهما توافرت مستلزمات الإنتاج لا تنفع في ظل غياب الأيدي العاملة، وسورية من الصعب توريد عمالة خارجية إليها، وهذا ليس وارداً لا بالعرف ولا بتوافر الإمكانيات. الخسارة كبيرة جداً وخاصة في مجال الكفاءات الطبية والصحية وشريحة المهندسين وهما ركنان أساسيان، ويخشى أن تعلن مؤسساتنا أو مشافينا الطبية عن مدى العوز لهذه الفئة مستقبلاً..؟!
خسائر كبيرة ستمتد آثارها طويلاً!
وهنا وجوب ضرورة النظر إلى أن لهجرة الأطباء والمهندسين باتجاه مناطق عديدة في العالم واقعاً لا يستهان فيه، وسيترك فراغاً واسعاً في بعض المؤسسات الصحية ومؤسسات إعادة الإعمار مثلاً ما يجعله يعتمد على الخبرات الضعيفة وهذا يساهم أيضاً بدوره في زيادة الفقر والبطالة وفشل في التنفيذ وتأجيل في المواعيد وغيرها.
إن ما يقارب حسب الإحصاءات واختلاف التقديرات بين 7 ملايين و8 ملايين من السوريين خارج البلاد، «هي إحصاءات غير رسمية» معظمهم من الباحثين عن عمل أي هم بمرحلة «قمة العطاء» ما يشكل خسارة وخللاً، فالخوف اليوم هو أن يتحول المجتمع السوري لمجتمع كهل، بعد فقدان شريحة واسعة من شبابه، ولا تزال الهجرة قائمة، بعد أن كنا نتفاخر حسب «الجاموس» بالمجتمع السوري الفتي، وفي ظل تنامي هجرة الشباب السوري طغت الأنثوية بنسبها التي فاقت أعداد الشباب اليوم في الوظائف العامة، فأصبحت نسبة الأنوثة أكثر من 60 بالمئة عن الشباب. فنسبة طغيان الإناث ليس في مجال عمل الوظيفة العامة بل في مؤشرات أخرى..
فالإناث قادرات على العمل في الوظائف الإدارية، ولكن ماذا سيكون الحال في المهن الأخرى وأعمال المشروعات وسواها..؟! فالتأثير الاقتصادي كبير جداً جراء خسارة هجرة الشباب السوري وتاليا بحال استمرار الهجرة وعدم وجود مسوغات تخفف من تفاقمها يتعذر مستقبلاً المقدرة على تحقيق الإنتاجية المطلوبة والتراجع في بعض المشروعات لفقدان الأيدي العاملة، وهنا على الحكومة المسارعة في اتخاذ قرارات أكثر تشجيعاً لبقاء الشباب والنظر في الدخول وترتيبها بما يحقق نوعا من التحفيز.
خسارة عقول خلّاقة واقتصاد
تبرز هنا ضرورة إجراء دراسات مسحية وميدانية عن ظاهرة الهجرة ولاسيما هجرة الشباب والعقول والكفاءات من أجل كشف النقاب عن كل ما يمكن تقليل آثار المسببات وتقديم الحلول المناسبة لحلها، بالإضافة إلى ذلك توافر الجهود الرسمية على وقف العوامل الطاردة لهجرة الكفاءات خارج البلد.. وأردف الجاموس قائلاً هنا يهمنا ما التأثير على واقع الاقتصاد الذي يجب أن يستدرك من اليوم؟ فالهجرة وخاصة لشريحة منتجة سيكون وقعها قاسياً، أولاً سنخسر عقولاً خلاقة وكفاءات علمية، وتالياً خسارة العمالة المتخصصة ذات الخبرات العلمية العالية، إضافة إلى قلة في العمالة العادية والتي بدأت الشركات الإنتاجية ومواقع الزراعة تتحدث عن ارتفاعات وقلة في الأيدي العاملة العادية التي كانت متوافرة بكثرة في سورية، وكما هو معروف سورية غير مهيأة لاستقطاب عمالة من الخارج وبالتالي، يخشى من تحولات في مؤشرات المجتمع ودائرة الأعمال، فالساحة صارت خصبة لأنثوية المجتمع وبعض الأعمال بعد انسحاب الشباب وهجرتهم خارجاً، كل ذلك سيترك أثراً سيئاً على العمليات الإنتاجية والاستثمارية وتراجعاً في معدلا ت النمو لتأثير الأيدي والكفاءات التخصصية على الإنتاج والعمل.
آثار اجتماعية خطرة!
وكذلك من ضمن الآثار الاجتماعية التي تسببها الهجرة تأخر سن الزواج لكثير من الفتيات، ما أدى إلى العنوسة بسبب هجرة الكثير من الشباب إلى خارج البلد، وسيعطي هذا الأثر تحول المجتمع من مجتمع شبابي إلى مجتمع كهولي غير قادر على العمل، مما يسبب الاعتماد على الكفاءات الوافدة إلى البلد لتعويض النقص نتيجة هجرة الشباب وهذا يسبب أيضاً استنزاف ميزانية الدولة وهو إجراء لن يتم لأنه غير مقبول أو متبع، إلا أن المفرزات الاجتماعية ستتوسع بحدة كبيرة.
وبالمجمل تشمل الآثار الاقتصادية للهجرة بشكل عام وليس في سورية بعدد من الفعاليات الاقتصادية المرتبطة بها مثل القوى العاملة والمهارات والادخار وسوق العمل والاستهلاك وبذلك تختلف الآثار الاقتصادية بين المناطق الجاذبة والمناطق الطاردة كما تسمى، ، ففي المناطق الجاذبة يزداد عرض القوى العاملة، وكلما تزايدت أعدادها كثيراً تقل أجورها وبالتالي قد تولد البطالة ما تنعكس آثارها الاجتماعية السلبية على المجتمع وخاصة بين المهاجرين فضلاً عن ارتفاع بدلات الإيجارات وأسعار المواد الغذائية وقلة تقديم الخدمات العامة، أما في مناطق الطرد أو المرسلة، فهي على العكس من ذلك حيث تسبب النقص في سوق العمل وقد تؤدي إلى ارتفاع أجور العمل وقد تؤدي إلى بعض الآثار الأخرى. كما ترتبط بالهجرة آثار عديدة ومتنوعة في مناطق الجذب والطرد إلى حد ما تبعاً إلى حجم الهجرة وطبيعة المهاجرين من حيث التربية والنشأة والثقافة والوضع الاقتصادي، وعادة ترتفع نسبة الجرائم والجنح مثل الاحتيال والسرقات والجرائم في مناطق الجذب التي تستقبل المهاجرين وخصوصاً إذا كان حجم الهجرة كبيراً، أما مناطق الطرد فتتمثل المشكلات الاجتماعية في ضعف تربية الأبناء لعدم وجود الإشراف السليم وأيضاً تزداد نسب الجريمة وضعف العلاقات الاجتماعية وارتفاع نسب العنوسة وما شابه ذلك.