تعرّض قانون البيوع العقارية لجملة من الاعتراضات منذ بدء الحديث عنه في العام 2018 واستمرت لما بعد إقراره بالقانون رقم 15 لعام 2021، والتي تمحورت حول السببية والكيفية له، فقد تناولت السببية دوافع الحكومة لاستصداره نظراً لكون السوق العقاري في سورية من دون ضوابط رسمية له بتاتاً، وما الدوائر العقارية الحكومية سوى لإثبات وقوعات البيوع فقط، وبأن الوضع السابق لهذا القطاع والضرائب المفروضة على معاملاته مصدر استقرار له، متناسين فوات المنفعة والإيرادات للخزينة العامة.
أما الكيفية، فتمحورت حول الطرق التي ستساعد بتنفيذه ولا سيما موضوع فتح الحسابات المصرفية وتحويل الأموال فيما بينها، وتعقيد ذلك وفق وجهة نظر المعترضين للقانون إلى الحد الذي اُعتبر تطبيق هذا القانون مستحيلاً.
وبالمقابل قوبلت هذه الاعتراضات ببعض الآراء المؤيدة لإقرار القانون، وبالفعل صدر القانون رقم 15 بتاريخ 2/5/2021 منظّماً لآلية البيوع العقارية ومعتمداً على القيمة الرائجة للعقارات المتداولة عوضاً عن قيمها التاريخية المسجلة في الدوائر العقارية والتي يعود بعضها إلى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، فقد تم وضع معايير احتساب القيمة الرائجة بناءً على عدة أبواب منها الحركة التجارية للعقارات (عالية، جيدة، متوسطة، ضعيفة)، وصفة الاستخدام (تجاري، صناعي، سياحي، خدمي، زراعي، مختلط، أرض، ألخ)، منهاج الوجائب العمراني، منطقة الشريحة (لجهة ميزاتها «ممتازة، جيدة، وسط، شعبية، مخالفات»، مستوى الخدمات «ساحات، حدائق، مولات، الخ»)، مواصفات إضافية (الكثافة السكانية، مساحة المنازل، المنسوب الشاقولي للشريحة)، حيث أضحت الضريبة المستوفاة وفق هذا القانون أكثر عدالةً للوعاء الضريبي الذي تمثله، كما نظّم القانون أيضاً عقود وإجراءات عملية الإيجار سواء تأجير العقارات التجارية أو السكنية في مراكز المدن والمحافظات أو في المناطق والبلدات.
وبموجب القانون أضحى الحديث عن القطاع العقاري وحجم قيم البيوع المنفذة سنوياً أقرب للواقع الفعلي مقارنةً بالأرقام التي كانت ترد سابقاً، وبالتالي توضّح كبر حجم هذا القطاع في سورية، فعلى سبيل المثال وخلال 8 أشهر الأولى لإصدار القانون (3/5/2021- 31/12/2021) تم تنفيذ 186 ألف عقد بيع بقيمة رائجة ناهزت 6.451 مليارات ل. س، وللإحاطة بماهية وأهمية هذا الرقم فيكفي أن نقارنه بحجم الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية للعام 2021 الصادر عن المكتب المركزي للإحصاء والبالغ نحو 25.937 مليار ل. س لنرى أن حجم ما تم تنفيذه من بيوع عقارية خلال 8 أشهر فقط قاربت 25 بالمئة من ناتج عام 2021، أما في العام 2022 فقد بلغ إجمالي العقود نحو 451.3 ألف عقد بيع بقيمة رائجة 14.300 مليار ل.س، ونحو 182 ألف عقد إيجار، وتمثل عقود البيوع ما نسبته 55 بالمئة من الناتج المحلي للعام 2021 نظراً لعدم توافر رقم رسمي عن العام 2022.
وطبعاً تبقى القيم الرائجة للعقارات محل مدّ وجزر، فهي أقل من القيم التي تباع بها بعض العقارات في بعض المواقع، وربما أعلى في بعض المواقع الأخرى كما يتداول بعض المطلعين وبعض المكاتب العقارية، وبغض النظر عن ذلك فإن النسب التي أوردناها كفيلة بتوضيح ضرورة تنظيم هذا القطاع، بل ربما هناك خطوات أكبر يجب العمل عليها أيضاً حيث يقل التحكم الكبير بهذا القطاع من الوسطاء والمكاتب العقارية ولاسيما مع التضخم الكبير في أسعار العقارات بالنسبة لدخل المواطن، ولا نعني هنا أن الأسعار مغالى فيها أو غير حقيقية، فهذا بحثٌ وحديثٌ آخر وخاصةً أن الاستثمار العقاري يبقى واجهة استثمارية دائمة وملاذاً آمناً ولاسيما في الأزمات وإن مرّت بظروف متذبذبة.
وها نحن على بعد 3 سنوات على تطبيق قانون البيوع العقارية نلحظ أن تطبيقه مرّ دونما وجود كل تلك الآثار والعقبات السلبية التي تم الترويج لها عند دراسته والتي تم تسويقها آنذاك، بل وبكل تأكيد فقد ساهم هذا القانون بزيادة إيرادات الخزينة العامة للدولة بالقيمة الواجب توريدها من معاملات القطاع العقاري، الأمر الذي حقق وسيحقق بلا شك عدالةً ضريبية تستند إلى تخمينات رقمية مؤتمتة لا يتدخل فيها العامل البشري، كما منع وسيمنع الفساد في تحصيل الضرائب المستحقة لمصلحة الخزينة العامة.