معارض مؤتمرات لقاءات أهم مفرزاتها تصريحات باتت استهلاكية لا أكثر نتيجة غياب وضوح عمق المعاني للمفاهيم الاقتصادية التي تتضمنها هذه التصريحات، فعلى سبيل المثال نقرأ تصريحاً تم إطلاقه في اجتماع رجال الأعمال يدعو إلى استنهاض العملية الاقتصادية والاستثمار، طرح كهذا من المفترض أن يستند إلى إستراتيجية ترسم مسبقاً على أن تراعي الوضع الاقتصادي الواقعي للبلد. مع ضرورة وأهمية التسلح بالإرادة والجرأة للخوض في عملية الاستنهاض التي تلزمها أرضية صالحة من أهم مقوماتها الاعتماد على الذات ونبذ الاتكالية على الدولة التي يعاني اقتصادها عجزاً مالياً مترافقاً مع شح بالموارد المادية والبشرية وضعفاً شديداً بالبنى التحتية.
إن هذا الوضع يتطلب التحول إلى اقتصاد اجتماعي تضامني، يبدأ بصهر الاقتصاد ورجال الأعمال وريادة الأعمال ببوتقة واحدة، يليه العمل على وضع إستراتيجية واقعية لدعم القطاع الثالث الذي يتكون من المؤسسات غير الربحية مثل المؤسسات الخيرية والحقوقية والنقابات غير الحكومية والمجموعات المجتمعية التي تقدم الخدمات الأساسية وتساعد على تحسين رفاه المجتمع وتسهم في النمو الاقتصادي المستدام.
هذا الأمر يطرح سؤالاً عن الكيفية التي يتم فيها ذلك؟ البداية تكون بإصدار قانون الاقتصاد الاجتماعي التضامني. فإطلاق شعار الاستنهاض بالاقتصاد يلزمه مصداقية من أطلقه من خلال تأسيس شركات الريادة الاجتماعية، التي تفرض مسؤوليات على المستثمرين الذين يمتلكون قدرات تمويلية والتي تعتبر أهم من قدرات الدولة، هذه القدرات يمكنها القيام بمساهمات مكملة لدور الدولة حيث تسمح بتحسين الاستجابة للحاجات الاجتماعية بكل قطاعاتها. هذا الأمر يواجه تحدياً كبيراً يكمن في إمكانية القطاع الخاص ومموليه على فهم المشاكل الاقتصادية والحاجات الاجتماعية والاستعداد للعمل على معالجتها مع المحافظة على هدف المصلحة العامة فوق المصالح الخاصة. والتحدي الآخر يكمن في قدرة هذه المؤسسات على رسم سلم أولويات في الاستجابة للحاجات الاجتماعية وأهمها العمل على استنهاض القدرات الاجتماعية للمشاركة الحقيقية في بناء اقتصاد تنموي مستدام، ولو وفق منطق ربحية الأعمال. إن عملاً كهذا يدفع باتجاه ضرورة تنظيم وقوننة عمل مختلف هيكليات هذا القطاع للاستفادة الأفضل من إمكاناته وقدراته الواعدة ليكون له دور مكمل لأدوار القطاعين الأساسيين التقليديين العام والخاص.
نسأل بهذا الإطار وخارج ما نلمسه من اتكالية القطاع الخاص على الدولة للقيام بمهمة الاستنهاض كعنوان لتمرير قرارات تخدم مصالح فئة قليلة من المجتمع. السؤال ما مدى اطلاع ومعرفة القطاع الخاص السوري لحقوق المجتمع السوري في البرامج والمبادرات الدولية الهادفة للنمو الاقتصادي والبحث العلمي؟ ما مدى نضوج فكرة ريادة الأعمال الاجتماعية والتحلي بروح المبادرة والاستثمار ومراعاة المسؤولية الاجتماعية، والتفكير بالأعمال وابتكار الحلول والأفكار، والربط بين نظرية الإدارة والحياة العملية، ووضع دراسة التأسيس وتحفيز الإبداع وإدارة الابتكار والاستدامة مع خلق تشابكات مع ريادة الأعمال الاجتماعية؟
نسأل قطاع المال والأعمال في سورية والذين ينادون بعملية استنهاض الاقتصاد والاستثمار، أين دوركم في خلق التشابكات مع مبادرة الميثاق العالمي للأمم المتحدة والذي بات اليوم يضم العديد من الشركات المتوسطة والصغيرة الحجم والمعاهد والمنظمات غير الحكومية؟
نقول لكم إن من حق المجتمع السوري الاستفادة من هذا الميثاق العالمي، أين دوركم في تفعيله؟
أين دوركم في تفعيل عمليات تمويل تأسيس شركة بفكرة عمل مبتكرة واحتمال نسبة نمو مرتفعة؟ حيث يرتبط نجاح الشركات الناشئة في مدى قدرة القطاع الخاص على خلق تشابكات بين هذه الشركات الناشئة والبرامج التمويلية التي تعتمده دول ذات اقتصاد متين وتحترم دورها في النهوض الاقتصادي داخل المجتمعات الأهلية ذات الاقتصاد الضعيف. أين تشاركية القطاع الخاص مع هذه البرامج لأجل استنهاض وإنجاح الشركات الناشئة التي تعتمد بالأساس على القدرة الابتكارية والمرونة والحداثة والتسلسل الإداري الهرمي والمسطح؟ أين دور القطاع الخاص الذي ينادي باستنهاض الاقتصاد والاستثمار في خلق التشابكات بين ريادة الأعمال الابتكارية وبرامج البحث العلمي الأكاديمي الممول بمبادرات دولية؟
لنوضح للذين ينادون باستنهاض الاقتصاد والاستثمار أن الاقتصاد الاجتماعي التضامني الذي يعتمد على القطاعات الأهلية في الاتحاد الأوروبي يشمل 10 بالمئة من مجموع المؤسسات ويوفر 6,5 بالمئة من فرص العمل المدفوعة وذلك من خلال انتشار نحو مليوني مؤسسة. تشغل 14 مليون شخص. منها 200 ألف مؤسسة فرنسية ضمن الاقتصاد الاجتماعي حققت زيادة في التوظيف بالقطاع الخاص بنسبة 4 بالمئة مع الإشارة إلى أن القطاع الثالث يسهم بحوالى 10 بالمئة من الناتج المحلي في فرنسا.
نقول لكم إن إطلاق شعار استنهاض الاقتصاد والاستثمار يخلق مسؤوليات كبيرة على عاتق من يتبناه والرهان يكون على المجتمع وليس من خلال الاتكال على الدولة.