التضخم وسياسة الاستقرار الاقتصادي
| عامر إلياس شهدا
تعتبر السياسة النقدية للمصرف المركزي المحدد الأول لنجاح الحكومة في القضاء على التضخم والبطالة. فسياسة الاستقرار الاقتصادي رغم صعوبتها لاعتمادها على الخبرة والمهنية التي من المفترض توافرها في المصرف المركزي لتمكنه من خلق تناغم بين السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية كافة وهذا يعتبر إنجازاً مهماً إن حصل. يترافق ذلك مع خلق سياسة توازنية بين متطلبات الاستثمار في القطاعات الاقتصادية ونسب السيولة المخصصة لتمويل تلك الاستثمارات. على أن يضمن نجاحه في سياسات الاحتياطات النقدية للمصارف. فحزمة هذه السياسات تحقق أهداف سياسة الاستقرار الاقتصادي لجهة تخفيض نسب التضخم بالاقتصاد، أي إن المصرف المركزي هو المسؤول من خلال سياسته النقدية وأدواتها أن تكون دافعه بقوة لتحقيق أهداف السياسات الاقتصادية والمالية كافة التي تحقق الحفاظ على مستوى قريب من مستوى التشغيل والتوظيف الكامل لقوة العمل وتخفيض حدة الفقر وحماية المستوى المعيشي للمواطن ولجم حدة التضخم الذي يؤثر في قوة العملة الوطنية. مع الحفاظ على مستوى معين من الإنفاق الاستثماري الخاص والعام والحد من مقدار العجز في ميزان المدفوعات، وكل هذا يعتمد على سياسة نقدية تعالج الكتلة النقدية المتداولة لجهة مكافحة واحتواء الضغوط التضخمية في الاقتصاد الوطني، هذه السياسة تترافق مع سياسة مالية تدفع بالإنفاق العام لتوليد آثار مضاعفة في الاقتصاد الوطني أي توسيع نطاق الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي توسيع مستوى النشاط الاقتصادي من خلال دعم الإنتاج وتخفيض تكاليفه ومن ثم التوسع بالقاعدة الضريبية.
إن الوصول لأهداف الاستقرار الاقتصادي يتطلب معالجة وجود اختناقات في جانب العرض، حيث تستخدم الواردات للتقليل من أثر تلك الاختناقات على المدى القصير. مع معالجة لفائض الطاقات الإنتاجية القائمة، وتحقيق زيادة في مستوى إنتاجية العمل في الاقتصاد الوطني لزيادة المعروض من السلع والخدمات دون زيادة الأسعار، أي المحافظة على نسبة التكاليف وعدم زيادتها في الإنتاج للحفاظ على مستوى أسعار بحيث تتناغم مع قدرة الدخل على الاستهلاك. هذا الجانب الخاص بالأسعار وتكلفة الإنتاج يحقق نمواً في الصادرات الذي يحدث تحسناً في شروط التبادلات الدولية لمصلحة الصادرات الوطنية.
إن الدفع بالمصرف المركزي لاتباع سياسة الاستقرار النقدي يعبر عن قوة التأثير في الاقتصاد الكلي، وبالتالي تعتبر السياسات النقدية التي يطرحها المركزي موثوقة اجتماعياً، ما يضمن له نجاح سياساته في لجم حدة التضخم.
سياسة كهذه تتطلب استخدام أدوات تساعد في تخفيض نمو السيولة الذي غالباً ما يؤدي إلى الركود التضخمي كما هو الحال في سورية، حيث فشلت السياسات التي اتبعها المركزي للحد من التضخم ومنع الوصول إلى ركود تضخمي، فإذا قمنا بإجراء مقارنة بين النتائج التي يحققها التضخم في الاقتصاد مع نتائج الركود نجد أن نتائج التضخم لها آثار سلبية كبيرة على الاقتصاد، حيث أمست حلولها مكلفة جداً إذا ما قيست بتكاليف حل مشكلة الركود. وكلتا المشكلتين التضخم والركود لم تتمكن سياسات المركزي ولا السياسات الحكومية من وضع حلول أو الحد من تأثير كل منهما. بل على العكس أتت القرارات الحكومية أمام ضعف في السياسة النقدية وغياب التناغم لتعمق المشكلة وتخلق صعوبات في حلها.
لهذا ننصح البنك المركزي للعمل على اعتماد سياسة تخصصية لمحاربة التضخم. على أن تتناغم مع سياسة تنقذ الاقتصاد من حالة الركود، وذلك من خلال التشدد في الاعتماد على الإصدار النقدي والضغط الأدبي على الحكومة للكف عن الاستدانة لمواجهة إنفاقاتها الجارية أو تمويل بعض المشاريع غير التنموية. على أن يتلازم ذلك مع سياسة داعمة لمشاريع النمو الاقتصادي المستدام من خلال التوجه لتمويل مشاريع صغيرة ومتناهية الصغر. وضغط تكاليف الإنتاج لتخفيض أسعار المنتجات ما يرفع الطلب بالسوق. وبالتالي يدفع باتجاه رفع وتيرة التصدير من خلال خلق سعر منافس. كما يمكن للمركزي التشجيع على مشاريع ذاتية التمويل التي تحقق نتائج مذهلة للاقتصاد الوطني وهي ليست بحاجة إلى رؤوس أموال ضخمة. وبالتالي تحقق موارد بالقطع الأجنبي للخزينة العامة ما يساعدها في رفع القوة الشرائية للعملة الوطنية والتأثير في أسعار المستهلك وبالوقت نفسه تحد من ارتفاع نسب التضخم. إن مشاريع ذاتية التمويل التي تحقق موارد كبيرة تنتج حلولاً لحزمة مشاكل يعانيها الاقتصاد الكلي.
هنا لا بد لنا أن نشير إلى أمر مهم وهو أن سورية قريبة جداً من دخول مرحلة التحول الاقتصادي وهو الأمر الذي ستفرضه المباحثات الجيوسياسية التي يمر بها العالم بشكل عام وسورية بشكل خاص. فملامح ولادة نظام اقتصادي جديد تفرض تحولات اقتصادية على الدول، ومن ضمنها سورية. هذه التحولات تؤدي إلى توقع تضخم حتمي.