شؤون محلية

هل ستنجح في إنقاذ الاقتصاد؟ المشروعات الصغيرة.. أهداف كبرى بجهود مبعثرة! … تمويل ضعيف وروتين وشروط قاسية للمصارف!

| غزل إبراهيم

شكّلت المشروعات الصغيرة أملاً واعداً للاقتصاد السوري المنهك باعتبارها إحدى ركائز التنمية الاقتصادية والاجتماعية لكنها اصطدمت بعوائق كبيرة من نقص التمويل مروراً بالروتين الإداري وليس انتهاء بتقلبات سعر الصرف، حيث حدّت هذه العوامل من تطورها ونموّها بشكل يحاكي التجارب العالمية الناجحة في الاقتصادات التي نهضت على يد هذه المشروعات.

وفي هذا الصدد وانطلاقاً من رؤية السيد الرئيس ودرايته بأهمية هذه المشروعات ودورها كحامل للاقتصاد كان هناك العديد من القرارات والإجراءات المهمة من أهمها القانون رقم /8/ لعام 2021 الذي سمح بتأسيس «مصارف التمويل الأصغر» لتأمين التمويل اللازم، إلى الاجتماع الأخير والمهم جداً مع ممثلي صندوق التعاضد الاجتماعي والتنمية لبحث واقع هذه المشروعات والذي تلاه إصدار القانون رقم 18 لعام 2024 القاضي بتعديل المادة 16 من القانون رقم 8 لعام 2021 والذي يهدف إلى تحقيق المزيد من دعم عمل مصارف التمويل الأصغر في تقديم قروض بتكلفة مصرفية منخفضة.

فهل ستترجم هذه القرارات والمراسيم على أرض الواقع لتأسيس بنية تنظيمية وهيكلية صحيحة لهذه المشروعات.. وهل بدأت عجلة هذه المشروعات بالدوران فعلاً..؟!

حول هذه المحاور تواصلت «الاقتصادية» مع الدكتورة ثريا إدلبي مدير عام هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي أوضحت أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة تؤسّس وفق طبيعة القطاع وخصوصية كل محافظة، ضمن أربعة قطاعات رئيسة (زراعي- صناعي- تجاري- خدمي).

وتشكل المشروعات الزراعية والتصنيع الزراعي النسبة الكبرى من المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة القائمة.

أهمها مصارف التمويل

وعن الخطوات المتخذة لتفعيل عمل هذه المشروعات لفتت إدلبي إلى أن أهمها هو إصدار دليل تعريف المشروعات الصغيرة والمتوسطة الذي يتيح تصنيف المشروعات حسب حجومها لتكون أساساً في تقديم الدعم اللازم، وإصدار القانون رقم /8/ لعام 2021 وتعديلاته الذي سمح بتأسيس مصارف التمويل الأصغر وقدم مجموعة من التسهيلات والإعفاءات لأصحاب هذه المشروعات بما يعزز الخدمات التمويلية المقدمة من تلك المصارف، كذلك توجيه المصارف العامة والخاصة لإطلاق برامج تمويلية نوعية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة ضمن القطاعات ذات الأولوية.

نقص التمويل

وفيما يخص المشكلات والصعوبات التي تواجه هذا المشروع أوضحت إدلبي أن المشروعات الصغيرة وخاصة الجديدة منها تعاني من صعوبة تحقيق متطلبات وشروط المصارف المقدمة للتمويل وارتفاع نسب الفوائد المفروضة، إلى جانب صعوبة تأمين الضمانات اللازمة لإتمام عملية الإقراض، الأمر الذي تسبب بإحجام معظم أصحاب المشروعات عن التقدم بطلب التمويل من المصارف الموجودة.

إضافة إلى ذلك تعتبر إجراءات وشروط التأسيس لهذه المشروعات، وتعدد الجهات ذات العلاقة بالترخيص إحدى أبرز المعوقات التي تقف في طريق الراغبين في إنشاء مشروعاتهم الخاصة، ناهيك عن ضعف الخبرة التسويقية والمحاسبية والإدارية لأصحاب هذه المشروعات وغيرها.

غير محفزة

وحول رأي الهيئة بالإعفاءات الضريبية الممنوحة لتاريخه أوضحت إدلبي أنه لم يصدر حتى الآن أي إعفاءات ضريبية مشجعة وعادلة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، مع وجود قوانين وقرارات تتيح لأصحاب تلك المشروعات الوصول إلى مصادر التمويل اللازمة.

ولم تغفل إدلبي أهمية تعزيز برامج الدعم المقدمة لهذا القطاع لتغطي أيضاً جانب النفقات للمساهمة في تعزيز قدرة أصحاب المشروعات على البدء بمشروعاتهم واستمرارية عملهم خلال مرحلة التأسيس، وبحث إمكانية تقديم معاملة تفضيلية خاصة لأصحاب المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة على صعيد فرض الضرائب والرسوم، خاصة أن هذا التوجه اعتمد لدى معظم الدول التي باشرت بتنفيذ سياساتها وإستراتيجياتها لدعم المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة.

مستمرون بالدعم

وتعمل الهيئة على مساعدة أصحاب المشروعات المسجلين لديها في تخطي العديد من العقبات والمشكلات التي يمكن أن تواجههم لدى تأسيس مشروعاتهم الجديدة أو التوسع في مشروعاتهم القائمة من خلال تقديم البرامج التدريبية المناسبة التي تعزز من مهاراتهم الإدارية والتسويقية والمحاسبية والمهنية ضمن مجالات عملهم وتمكينهم من عرض منتجاتهم في الأسواق المحلية وتعريف المستهلكين بها من خلال المعارض ومهرجانات التسوق التي تقيمها الهيئة في مختلف المحافظات، إضافة إلى تقديم المساعدة اللازمة في الحصول على السجل التجاري المؤقت والعلامة التجارية لمنتجاتهم بالتعاون مع الجهات المعنية.

وقد أولت الحكومة السورية ولا تزال اهتماماً كبيراً لتحسين بيئة العمل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، واتخذت إجراءات عدة في إطار دعم أصحاب هذه المشروعات على مختلف الصعد القانونية والتنظيمية والتمويلية وغيرها ولا يمكن إنكار هذه الجهود أو تجاهل نتائجها، فالحاجة الملحة لمزيد من التنسيق لضمان تحقيق الترابط والتكامل في عمل هذه الجهات وتوحيد كل الجهود المبذولة لتكون ضمن بوتقة واحدة، كذلك رفع مستوى التعاون مع الجهات الخاصة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المحلي لدعم مبادرات وبرامج الهيئة.

منافذ تسويقيّة

رئيس غرفة تجارة حمص إياد دراق السباعي بين أن دعم وتمكين المشروعات الصغيرة من أولويات الغرفة، وتم العمل منذ نحو عامين على هذا المشروع بالتعاون مع undp لتزويد أصحاب هذه المشروعات بكل مستلزمات الإنتاج من مواد وآلات، مبيناً أن دور الغرفة تركٌز على وصل منتج هذه المشروعات مع منافذ البيع في الأسواق لتحقيق الانتشار والتسويق الأوسع، مضيفاً: الغرفة تواكب أصحاب المشروعات منذ بداية التنفيذ حتى اكتمال المشروع من خلال تشكيل لجان من مجلس إدارة الأعمال لزيارتهم ومتابعة سير أعمالهم بشكل دائم، مؤكداً وجود تجارب مميزة وناجحة لعدد من المشروعات التي بدأت بإنتاج قليل وبعدد عمال لا يتجاوز العاملين وحالياً تؤمن هذه المشروعات فرص عمل لعدد أكبر من العمال، كما أن هناك زيادة ملحوظة في الإنتاج تعطي الأمل بتحولها إلى مشروعات متوسطة، مشيراً إلى سعي الغرفة إلى دعم المشروعات الريفية لتكون رائدة في هذا المجال.

وعن بازار إبداع الذي نظمته الغرفة بالتعاون مع مجموعة نساء صغيرات مبدعات نوّه السباعي إلى أن الغرفة مستمرة في البازارات التي تعتبر منفذاً مهماً لتسويق المشروعات الصغيرة وعرض منتجاتها لتكون بمتناول يد المستهلك، والبازار بدورته العشرين لهذا العام، والغرفة قدمت مبادرة لافتة هذا العام من خلال دعوة خمسة مشروعات للبازار للمشاركة والتعريف بمنتجاتها بشكل مجاني وهناك توجه لزيادة هذا العدد خلال الدورات القادمة من البازار.

هيمنة المشروعات الصغيرة

أوضح الخبير في إدارة المخاطر ماهر سنجر أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة شكلت ما يزيد على 80 بالمئة من إجمالي عدد المشروعات في سورية على مدار السنوات الأخيرة بنسبة مساهمة بلغت أكثر من 60 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، ما يعني هيمنة هذا القطاع على باقي القطاعات أو ما نطلق عليه حالة من التركز في النموذج الاقتصادي، الأمر الذي استوجب ضرورة التركيز على حجم ونوعية الفرص التي يوفرها هذا القطاع لاستثمارها وتعزيزها بشكل فعال ومستدام.

وشدّد سنجر على أهمية النظر للمشروعات الصغيرة والمتوسطة كأحد المكونات والأدوات الاقتصادية التي لا يمكن الاستغناء عنها في ظل الاستقرار الاقتصادي وكأداة تحوّط ترتفع قيمتها وتزداد أهميتها في ظل حالات عدم الاستقرار الاقتصادي، لافتاً إلى ضرورة الانتباه والنظر من المعنيين إلى أسباب هجرة أو مغادرة هذه المشروعات إلى دول أخرى أو إغلاقها نهائياً والعمل على حل كل المعوقات التي تواجههم انطلاقاً من توفر الطاقة وبأسعار مدعومة وكذلك توفير التسهيلات المالية والإعفاءات الضريبية وحماية فكرة المشروع وغيرها.

حشد الموارد

كما دعا سنجر إلى حشد الموارد اللازمة لهذه المشروعات من تمويل وإعفاءات لازمة لانطلاقتها واستمراريتها، وتهيئة البنية القانونية والتشريعية الملائمة والتي تتيح إمكانية ترخيص إلكتروني سهل وسريع لا يتجاوز الـ/24/ ساعة من الإجراءات، إضافة إلى تأمين الحماية اللازمة لهذه المشروعات من خلال إصدار ما يشبه «الصكوك» بهدف حماية فكرة المشروع لكون رأسمال هذا النوع من المشروعات هو فكرة المشروع نفسه أو نموذج العمل الخاص.

منصة المشروعات الصغيرة

ومن ضمن الحلول التي طرحها سنجر لتسهيل عمل المشروعات إطلاق منصة للمشروعات الصغيرة بهدف تبادل المعلومات والخبرات والفعاليات والنشاطات التسويقية والدراسات الخاصة بهذه المشروعات وتطبيق الأبحاث في ظل انتشار جغرافي واسع لها وحالة من عدم التركز الجغرافي، موضحاً أن إطلاق مثل هذه المنصة وإشراك رجال الأعمال بها سيحاكيان دور حاضنة الأعمال وسيسمحان لأصحاب هذه المشروعات بعدم الاعتماد على القطاع المصرفي من ناحية التمويل بل بالاعتماد على شركاء حقيقيين للمساهمة في شراء حصص أو تمويلها ما يرفع من حالة التشبيك بين رجال الأعمال ورائدي الأعمال القائمين على هذه المشروعات الصغيرة والمتوسطة، إضافة إلى المساهمة في استمرارية الأعمال ومكافحة حالات غسل الأموال وتعزيز الشفافية كأحد مبادئ الحوكمة المؤسساتية.

ولفت سنجر إلى أن إطلاق المنصة المذكورة أو الاستفادة من قانون صناديق الاستثمار لتمويل مشروعات كهذه سيرفع من عائديتها وسيساهم بتعزيز النمو الاقتصادي المطلوب وبالتالي الوصول إلى دمج الابتكار في السياسة الاقتصادية العامة.

بوابة لتحقيق رؤية سورية ٢٠٣٠

إن مكافحة واحتواء التضخم ومكافحة الفقر وضمان استمرارية الأعمال والمساهمة برفع عدد فرص العمل المتاحة (القضاء الفعلي على البطالة) وتحسين الناتج المحلي الإجمالي تمر من بوابة المشروعات الصغيرة والمتوسطة وبالتالي العبور إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتحقيق رؤية سورية /2030/، موضحاً أن هذه الرؤية تستوجب توجيه المناهج التعليمية نحو الريادة والابتكار وتخصصات أكثر في إدارة نوع كهذا من المشروعات، إضافة إلى رفع سقوف الإقراض للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في الفترة الأولى تدريجياً إلى حين إلغائها لاحقاً بشكل نهائي والنظر بتصنيف أكثر فاعلية لهذه المشروعات من خلال الاستناد إلى درجة الإبداع والابتكار بهذه المشروعات ودرجة الاستدامة الخاصة بها لكون استدامة هذه المشروعات ودرجة الابتكار هما أحد العوامل الأساسية التي تؤثر في استمرارية هذه المشروعات.

لا تحتاج إلى رأسمال كبير

بدوره أوضح الخبير الاقتصادي عمار مرهج لـ«الاقتصادية» أن فكرة المشروعات الصغيرة أتت في ظل بيئة اقتصادية متعثرة بعد سنوات من الحرب وفي ظل عقوبات اقتصادية جائرة جعلت تأمين لقمة العيش الهاجس الأكبر لدى السوريين، مشيراً إلى أن أهمية هذه المشروعات تكمن في دورها الفعال في إعادة عجلة الاقتصاد إلى مسارها الصحيح لمواجهة تداعيات الحرب، ولتكون إحدى روافع التنمية الخدمية والإنتاجية والتجارية والزراعية والرعوية وفرصة لتحسين المستوى المعيشي ومهارات الأشخاص، لكونها لا تحتاج إلى رأسمال كبير يهرب منه المستثمرون وبالتالي تقل المخاطر هنا كلما صغر رأس المال.

بديل عن المشروعات المتوسطة والكبيرة

غياب المشروعات الكبيرة والمتوسطة إلى حد ما نتيجة عدم توفر البنية التحتية اللازمة لها منح المشروعات الصغيرة مساحة أكبر وفرصة حقيقيّة لتحريك عجلة الإنتاج ودعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية بما يسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي ويوفر العديد من فرص العمل، إضافة إلى تعزيز التنمية المستدامة وتعزيز الابتكار والإبداع والاكتفاء الذاتي.

تحتاج إلى دعم أكبر

ولفت مرهج إلى أن هذه المشروعات تعاني من مشكلات عدة منها محدودية رأس المال- ارتفاع التكاليف التشغيلية – شدة وعدم انضباط المنافسة مع المشروعات الأخرى وغيرها، مبيناً أن الإنتاج البسيط سيحرك الإنتاج الكبير كنتيجة حتمية، وبالتالي يجب دعمها بشكل أكبر من خلال مساهمة الدولة برأس المال اللازم لتوفير كل مستلزماتها وخاصة موارد الطاقة وتأمين منافذ تسويقية لمنتجات هذه المشروعات، إضافة إلى تكثيف البرامج والدورات من متخصصين بهذه المشروعات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى