أي هوية للاقتصاد السوري..؟! اقتصاد يعاني من فقدان البوصلة والهوية الاقتصادية! … نحتاج إلى اقتصاد لا يُظلم فيه فقير.. ولا يبتز فيه رأس المال
| هني الحمدان
كما يعرف الجميع أنه نتيجة الحرب الظالمة والحصار الاقتصادي الجائر، يضاف إليه حصار أشد وأدق رقبة ومن نوع آخر هو سوء إدارة المقدرات الاقتصادية وكذلك الفساد الضارب ببعض جنبات الحياة العامة في سورية، وكذلك البيئة الاحتكارية والطاردة للموارد المالية والبشرية، فلم يعد هنالك سوقٌ ولم يعد هنالك بعدٌ اجتماعيٌ مما أفرز أزمات اقتصادية اجتماعية لا حصر لها.
فقد بات الاقتصاد السوري يعاني فقدان البوصلة والهوية الاقتصادية نتيجة عدم تطبيق أي إستراتيجية أو خطة للتنمية والنهوض خلال الأزمة بل بات يتعامل مع المشكلات الاقتصادية الراهنة بطريقة المفرق والمشكلة الواحدة وليس ككل.
وحسب توصيف السيد الرئيس بشار الأسد لما يناسب الاقتصاد السوري، بتنا نحتاج إلى عملية إصلاح وتجديد اقتصادي تحت اسم «اقتصاد السوق الاجتماعي». فأهم منطلقاتنا الوطنية الآن هو إيجاد هوية للاقتصاد الوطني وتحول سلس إلى اقتصاد السوق الاجتماعي، لاُ يظلم فيه الفقير وليس هناك ابتزاز لرأس المال. فلربما يكون هو العلاج الأنجع لواقعنا الحالي.
وهنا تكون مهمة اقتصاد السوق الاجتماعي هي الربط بين نظام الاقتصاد الحر والعدالة الاجتماعية ومن دون الإساءة إلى الحرية الاقتصادية، وكذلك التنسيق بين مبدأ الحرية والتوازن والعدالة الاجتماعية والربط بينهما للوصول إلى شراكة بين القطاعين العام والخاص اللذين يتميزان بالمهنية والكفاءة في الإنتاج والعمل، وكذلك قيام القطاع العام بالرقابة والإشراف على تنظيم السوق وتجويد أدائه وتذليل الصعاب والتحديات التي تواجهه، لضمان عدم حدوث إخفاق أو تقصير في تحقيق العدالة والتوازن وضمان استمرار سلاسل الإمداد من السلع في السوق ووصولها للمستهلكين.
اقتصاد.. الإنتاج
هنا يقدم الخبير الاقتصادي والتاجر عاصم أحمد رؤية شاملة حول نوع الاقتصاد الذي يجب أن نعمل وفق صيغه جيداً، يكون مناسباً للاحتياجات والظروف الراهنة ويقول: الداعمون لفكرة اقتصاد السوق الاجتماعي يؤكدون أهمية تحقيق منافسة عادلة في الأسواق من خلال تشريعات منافسة قوية، وعلى تقليل التضخم لمستويات دنيا سنوياً وعلى خفض معدلات البطالة وتوفير الخدمات الاجتماعية وحماية حقوق العمال والمستهلكين. فموضوع الإصلاح الاقتصادي يجب أن يشمل جميع القطاعات التي تساعد على الإنتاج (الصناعة، الزراعة، السياحة والخدمات) العام والخاص والمختلط مع إعطاء أهمية خاصة للمشروعات الصناعية الصغيرة إلى جانب تشجيع الصناعات الحرفية وجذب الاستثمارات، وكلما كان الإنتاج أكثر كان الاقتصاد الوطني أقوى، فسورية بحاجة إلى الشروع بنهضة زراعية صناعية سياحية تضمن الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد السوق الاجتماعي.
الواقع والحلول
التاريخ الاقتصادي للدول يقول:
الحكومة التي تتحالف مع التجار أو تشارك التجار أو تنافس التجار لا يمكن أن تخطط وتعمل لبناء ونهضة وتنمية وطنها أبداً.
وهنا يجب أن نسأل، حسب الخبير أحمد، ما الحلول العملية والقابلة للتطبيق في هذه المرحلة بعيداً عن النظريات والتنظير.
أولاً: حل مشكلات سورية الاقتصادية يتطلب اقتصاداً قائماً على قوانين واضحة ومؤسسات فعالة، صناعة قرار جادة، منافسة حقيقية، ومحاربة الفساد. وكذلك يتطلب أن يكون التغيير متدرجاً ذا أهداف واقعية قابلة للتحقيق لكل مرحلة، واستغلال ما هو متاح من أدوات لإحداث هذا التغيير وهذا يتطلب أيضاً تخطيطاً وحسن تدبير وصبراً على تحقيق النتائج والأهداف.
ماذا تحتاج الليرة اليوم؟
سأبدأ بسؤال ماذا تحتاج الليرة السورية الوطنية ليعود ألقها وقيمتها؟
الجواب: يلزمها فقط قرار عدم تجريم التعامل بالدولار أي أن يكون سعر الدولار في المصرف كما هو في السوق السوداء ولديها القدرة على منافسة السوق السوداء بمرونة حتى يتم تداول الدولار وبيعه وتحويله وإيداعه البنوك (فإذا أعطيت سعر السوق السوداء نفسه فستكون للبنوك أفضلية في اجتذاب وتحقيق حصيلة دولارية بشكل مستدام) فتبدأ تحويلات السوريين في الخارج بالدخول وعائد التصدير والاستثمار الدولاري يتحرك بحرية في الجهاز المصرفي السوري…(من خلال شركات الصرافة الوسيطة لغاية رفع العقوبات).
ولكي يتم ذلك يجب أولاً:
اعتبار الاكتفاء الذاتي مسألة أمن قومي
وأد السياسات الحالية القائمة والمتبعة والعمل بعكسها فالنموذج كله خطأ، ودور المصرف المركزي من المفترض أن يكون منظماً لحركة السيولة والنقد وليس (بائعاً) أو العمل (كشركة صرافة) أو ملكاً للسوق السوداء.
المصالحة مباشرة مع رؤوس الأموال السورية في الخارج.
عدم تجريم التعامل بالدولار وإصدار عفو كامل عن كل جرائم التعامل بالدولار
استلام الحوالات الخارجية بالدولار وبيع وشراء بالدولار للصفقات الكبيرة (جعل سورية ملاذاً آمناً لتوطين وعودة الدولار).
إلغاء منصة تمويل المستوردات بالتدريج وليس بشكل مفاجىء وهنا أؤكد أننا لا نستطيع مباشرة إلغاء المنصة بكبسة زر بل تحتاج إلى تدرج وتخفيف من إجراءاتها حتى تتلاشى، وهنا الأطراف المستفيدة من بقاء الوضع من دون تغيير، سيضعف دورها وتأثيرها تدريجياً رغم محاولاتها للتكيف.
رفع جميع القيود عن حرية الإيداع والسحب من البنوك
السماح باستيراد كل المواد المسموحة وفرض ضريبة إضافية على المواد الذي لها بديل محلي (حماية المنتج المحلي) بحيث تكون أسعارها أقل من الأسعار في حال دخلت تهريباً.
إلغاء كل القيود والإجراءات عن التصدير لمن يريد أن يصدر حتى لو لديه ورشة تحت الدرج.
(ملاحظة:طبعاً تعويم من غير احتياطي نقدي دولاري سيؤدي حكماً إلى قفزات غير عادية في سعر الصرف).
نعم سيرتفع السعر في الفترة الأولى نتيجة المضاربة وشدة الاحتياج الحالي (وهذا سيكون مؤلماً) لكنه سيعود للتوازن والأهم أن السوق السوري سيعاود الحركة وسيكون لدى الجهاز المصرفي حصيلة من التداول للتعامل مع الاحتياجات والاستيراد (الذي هو متوقف أصلاً الآن ولن يحصل شيء أن ننتظر بضعة أسابيع في بداية التعويم).
حكماً الأسعار ستزيد في كل الأحوال وسيزيد سعر الدولار سواء فعلت أم لم تفعل لكن التعويم سيحرك السوق ثانياً وسيعود الجهاز المصرفي لتلبية احتياجات السوق.
الثقب الأسود، لكن أن ننتظر حصولنا على بعض المليارات لصرفها لتثبيت سعر الصرف فلن يحدث أكثر مما حدث منذ سابقاً ستستنزف هذه الحصيلة (في حال عرفنا كيف نحصلها) ثم سيعاود الدولار قفز في السوق السوداء «وهنا يصبح الاقتصاد السوري كالثقب الأسود».
تخفيف القروض بالحد الأدنى والطباعة بالليرة تكون في أضيق الحدود… فكثرة القروض والطباعة هي ما أدت إلى ما نحن فيه وضرورة العلاج المر.
تقليل الإنفاق الحكومي على (الدعم المزعوم) والذي بات أيضاً ثقباً أسود للفساد وكذلك أوجه صرف الدولة وعدد الوزارات…فإهدار المال العام على الإنفاق الحكومي أحد أهم مشكلاتنا.
أن تخرج أجهزه الدولة من السوق وتوقفها عن منافسه القطاع الخاص وتحدد دورها كمنظم وتبدأ بوضع محفزات وضمانات لرؤوس الأموال المحلية والخارجية لدخول السوق السورية… فعدم دخول رؤوس الأموال نتيجة لوجود أجهزه الدولة يفقد الدولة فرصة استثمارية ويقلل دخلها.
اقتصاد الظل
القضاء على ظاهرة اقتصاد الظل الذي يلعب دوراً كبيراً في التهرب الضريبي والحد من حجم الإيرادات العامة للدول، وبالتالي التأثير الفعال في دور الدولة في التنمية الاجتماعية وتفكيك مافيا التهريب والاحتكار.
أن تتوقف الدولة عن الصرف على المشروعات سوى مشروعات البنية التحتية والمرافق والخدمات فالمشروعات الكبرى تستنزف دخل وموارد الدولة.
العمل بشكل جدي على تشجيع الاستثمار وتحفيز الإنتاج وتسهيل الطريق للمشروعات الإنتاجية.
وهنا أحب أن أؤكد أنه طالما يتم التعامل مع الدولار كسلعة وليس عملة لا يمكن وقف نزيف الهبوط.. فعلياً الحكومة لا تملك دولاراً مقابل الدولار الموجود بالسوق السوداء.. والدولار أصبح سلعة بين الشعب ومن الصعب أن يعود للمصارف إلا بعرض مغر.. أو أنه يكسر سعره ويخفض بضربة قوية وسيولة تغطي ما يحدث في السوق السوري.
هذا الكلام ليس اختراعاً وليس نظرية جديدة ولكن نظرة بسيطة على أي دولة ناجحة سنجدها عاملة بالطريقة تلك! وأي حلول غير ذلك هي مجرد مسكنات لا تقضي على المشكلة وإن خففت الشعور بها.
وبهذه الإجراءات نستطيع أن نحول حصار سورية الذي هدفه التركيع والانتقام إلى فرصة للنهوض والرخاء.
تحرير للاقتصاد
الخبير الاقتصادي جورج خزام يرى أن يتم تحديد هوية لواقع الاقتصاد السوري وتبين مساراته بشكل أدق، فالواقع الاقتصادي لا يسر الخاطر ويعاني جملة تحديات ضاغطة من جراء أحداث وعقوبات، فما حصل تراجعات في مؤشراته كلها.
إن كل الدول التي تنعم شعوبها بالرفاهية والدخل المرتفع يكون فيها تحرير للاقتصاد الوطني من كل قيود حركة الأموال والبضائع وتحرير الاستيراد والتصدير وتحرير لسعر صرف الدولار مقابل العملة الوطنية من أجل تخفيض سعر صرف الدولار، لأن تجريم التعامل بالدولار يجعل قيمته الحقيقية مخفية ويعطي قيمة للدولار أكبر بكثير من قيمته الحقيقية، حيث إن السعر المتداول بالسوق السوداء والمصرف المركزي هو سعر وهمي وسعره الحقيقي أقل من ذلك بكثير، وعليه تكون الليرة السورية والاقتصاد الوطني قد غرقا بالوهم مع السعر الوهمي للدولار بالمركزي والسوق السوداء، ولذلك فإن قيمته الحقيقية مخفية وغير مكشوفة بسبب تجريم التعامل بالدولار، حيث تقوم صفحات الفيسبوك المجهولة بتحديد سعر صرف الدولار مقابل الليرة من دون وجود منصة لبيع وشراء الدولار لمعرفة ما هو سعر التوازن الحسابي بين العرض والطلب على الدولار ليلحق بها المصرف المركزي أولاً وكل التجار والصناعيين ثانياً.
ليست اشتراكية ولا رأسمالية!
نستطيع القول: إن هوية الاقتصاد الوطني ليست اشتراكيةً ولا رأسمالية، فهو يطبق فقط سيئات كل من النظامين من دون الأخذ بعين الاعتبار الحسنات، إذا كان الاقتصاد اشتراكياً فهو مطالب بتحقيق الاكتفاء الكامل من الاحتياجات والمتطلبات الأساسية للمواطنين من الغذاء والدواء والسكن والدخل الكافي والطبابة المجانية اللائقة وهذا غير موجود سوى بشكل جزئي وصغير جداً، وإذا كان الاقتصاد رأسمالياً فهو قائم على تحرير سعر صرف العملة الوطنية أمام الدولار وحرية حركة الأموال والبضائع والاستيراد والتصدير، والتسعير يكون من خلال القانون الأزلي لكل أسواق العالم وهو العرض والطلب وليس هنالك ما يسمى التموين للتدخل بتسعير ملايين الأصناف والمستوردات والبضائع الوطنية التي تتغير أسعارها وتكاليفها يومياً، حيث إن الاقتصاد الرأسمالي باختصار يطبق المبدأ الذي هو سبب رفاهية كل الشعوب وهو، «دعه يعمل دعه يمر»، وهذا غير موجود بسبب بعض إجراءات المصرف المركزي واللجنة الاقتصادية بتبني مبدأ تقييد حرية حركة الأموال والبضائع بحجة تخفيض الطلب على الدولار وكانت النتائج ليست كما يجب على الشعب والليرة السورية والاقتصاد الوطني بشكل عام، حيث تراجع الإنتاج الوطني بشكل كبير مع تراجع الاستهلاك، ما أدى إلى زيادة البطالة والكساد ومعه المزيد من انهيار الليرة السورية.
قيود مفروضة!
إن أسوأ كارثة مالية بنتيجة تطبيق سياسة تخفيض الطلب على الدولار هي تراجع الإنتاج، مما أدى إلى زيادة كمية السيولة النقدية المتراكمة بالليرة السورية بالسوق بالمقارنة مع كمية البضائع والدولار المعروضة للبيع، وهذا سبب لارتفاع مستمر لأسعار البضائع والدولار معاً من دون توقف. إن الهوية المطلوب تحديدها للاقتصاد الوطني حتى يقوم السوريون بنفسهم بإعادة إعمار سورية بأموال السوريين في الداخل والخارج من دون مساعدات خارجية هي تحديد وتعريف الاقتصاد السوري بأنه: «اقتصاد السوق الاجتماعي الحر»، ويكون ذلك بإصدار ملحق اقتصادي يشرعن ذلك، لتحديد هوية الاقتصاد الوطني ولمنع أي مسؤول جديد قادم في مراكز اتخاذ القرار الاقتصادي والمالي من إصدار قرارات هدامة للاقتصاد الوطني لتغيير هويته بأنه اقتصاد السوق الاجتماعي الحر وذلك كما حصل مع الاقتصاد السوري حيث قامت اللجنة الاقتصادية وبعض المسؤولين في مراكز اتخاذ القرار الاقتصادي والمالي بتغيير هويته من الاقتصاد الحر إلى الاقتصاد المقيد بقيود كانت السبب بانهيار الليرة السورية وهجرة رأس المال السوري والأيدي العاملة..
أن تلك القيود المفروضة على حركة الأموال والبضائع هي من أجل زيادة الصلاحيات الواسعة والضاربة لبعض المسؤولين في مراكز اتخاذ القرار الاقتصادي والمالي على التاجر والصناعي في السوق والمصنع وعلى الطريق لتحقيق مصالح شخصية على حساب انهيار المصلحة العامة للدولة والشعب.
رأس المال الجبان
إن إعطاء الأمان المطلق لرأس المال الجبان بالدولار والذهب والليرة السورية بالعمل بحرية مطلقة دون التدخل بحجة حماية الاقتصاد الوطني أو تحت أي عنوان وهمي هو أهم شرط حتى تبدأ إعادة إعمار ما دمرته الحرب العسكرية والاقتصادية بأيدي السوريين من دون مساعدات مالية خارجية ليست مجانية، لأن رأس المال جبان مثل الروح البشرية عندما يشعر بالخوف فإنه يهرب إلى حيث الحرية والأمان، وأهم وسيلة لجذب الاستثمارات السورية والأجنبية للعمل هي إعطاء الأمان المطلق لها وأولها: إلغاء قرار تجريم التعامل بالدولار، إلغاء تقييد حرية سحب ونقل الأموال، عدم اعتراض البضائع على الطرقات العامة، إلغاء منصة تمويل المستوردات سيئة السمعة، إلغاء قرار الكشف عن مصدر تمويل المستوردات من مصادر خارجية من البنوك الأجنبية، إلغاء قرار المصرف المركزي بإيداع جزء من ثمن العقار المبيع بالمصرف وسحبه على دفعات كثيرة.
مسؤولون غير مؤهلين
إن أسوأ ما يعاني منه الاقتصاد الوطني هو وجود بعض المسؤولين في مراكز اتخاذ القرار الاقتصادي والمالي غير المؤهلين ولا يؤمنون بمبادئ اقتصاد السوق الاجتماعي الحر، وإنما يؤمنون بأن تقييد حركة رؤوس الأموال والبضائع هو الوسيلة الوحيدة لزيادة صلاحياتهم الضاربة بحجة تخفيض الطلب على الدولار، والحقيقة هي لتحقيق مكاسب خاصة وكل ذلك على حساب هزيمة الليرة السورية وهجرة شعب وعمالة وأموال، كما لا يؤمنون بأن المنصب هو مسؤولية وليس درجة فوقية على الشعب لتحقيق مكاسب خاصة.
انهيار الاقتصاد لتراجع الإنتاج
إن الطريقة الصحيحة في اختيار من يتخذ القرار في رسم السياسة النقدية والاقتصادية في المصرف المركزي واللجنة الاقتصادية هي المنقذ والمخرج الوحيد من الأزمة الاقتصادية، وإلا فإن الاقتصاد السوري إلى المزيد من الانهيار.
إن أهم سبب لانهيار الاقتصاد الوطني والليرة السورية هو تراجع الإنتاج، والسبب الرئيسي لتراجع الإنتاج هو ضعف الاستهلاك وضعف الطلب، إن تراجع الإنتاج يعني عدم حدوث توازن بين كمية السيولة النقدية المتراكمة بالليرة السورية بالأسواق مع كمية البضائع والدولار المعروضة للبيع، ومعه ارتفاع كبير بسعر البضائع والدولار معاً من دون توقف، وإن الاقتصاد الوطني لا يعاني من عدم القدرة على زيادة الإنتاج وإنما يعاني من تراجع الطلب والاستهلاك، لأنه لا يمكن التوسع بإنتاج بضاعة لا يوجد عليها طلب كاف مساو للعرض حتى لا تنخفض الأسعار إلى أقل من تكلفة الإنتاج، ولذلك فإن السياسة النقدية والاقتصادية التي يتبناها المصرف المركزي واللجنة الاقتصادية التي تفتقر بشدة إلى الخبرة باقتصاد السوق قائمة على إصدار القرارات التي تؤدي إلى تخفيض الطلب على الدولار بحجة ضبط سعر الصرف من دون الأخذ بعين الاعتبار أن تخفيض الطلب على الدولار سوف يرافقه انخفاض كبير جداً بالاستهلاك والطلب على البضائع، ومعه تراجع حاد بالإنتاج، وتراجع حاد بمستوى الدخل الذي يترافق مع انهيار مستمر لليرة السورية من دون التراجع عن هذا الخطأ الجسيم بإدارة السياسات النقدية والاقتصادية حتى لو وصلنا للتضخم النقدي الجامح.
هل لدينا ما يسمى اقتصاد الظل؟
تختلف التعاريف بين اقتصاد وآخر، ولا يوجد تعريف دقيق ومحدّد لاقتصاد الظل بدقة، رغم تنوعه من حيث الهدف والآلية والإجراءات، ولا توجد عوامل مشتركة بين مكوناته لكي يتم اعتمادها لتمييزه عن غيره من قطاع عام أو خاص. ، فاقتصاد الظل لا يخضع للرقابة الحكومية ولا تدخل مدخلاته ومخرجاته في الحسابات العامة، ولا يعترف بالتشريعات الصادرة، وبناء عليه يعتمد السرية في عمله شراء وبيعا وعملا، أي بعيداً عن أعين الرقابة، ولا يمسك دفاتر نظامية، كما أنه يتهرب من الاستحقاقات كافة المترتبة عليه تجاه الدولة، سواء كانت رسوماً أو ضرائب أو خططاً أو تقديم بيانات، ويستفيد من أغلبية الخدمات المقدمة لغيره من القطاعات وفي كل أشكالها.
نظراً إلى تنوّع مجالات عمله، تُطلق عليه أسماء متعددة وفق مجال العمل الذي يمارسه، فإذا كان متعاملاً بسلعة محرمة الاستخدام مثل الأسلحة والمخدرات وسرقة الآثار، فإننا ندعوه الاقتصاد الأسود، أما إذا كان التعامل به ممنوعاً واستخدام السلعة مسموحاً مثل السوق السوداء لبعض السلع، وإنتاج بعض السلع بمعامل غير مرخصة، دكاكين وورشاً غير مسجلة، ودروس خصوصية، وعقود من الباطن غير موثقة، فإننا نطلق عليه الاقتصاد غير الرسمي، تلك المؤشرات على انخفاض معدل اقتصاد الظل وقدرة الدولة على تنظيم النشاطات الاقتصادية والرقابة عليها والتقليل من التهرب الضريبي، وبالتالي القدرة على تقدير حجم الناتج بدقة أكبر لكونه أهم أداة لقياس النشاطات الاقتصادية.
والسؤال هل لدينا اقتصاد الظل؟!
لا شك هناك اقتصاد ظل، وتنتعش أوضاعه بالأحداث والأزمات وأثبتت الدراسات أن معدلات نموه أعلى في الدول النامية منها في الدول المتقدمة، لأسباب عدة منها الأنظمة الضريبية غير العادلة والأنظمة الحكومية غير العادلة، وضآلة الدخول ما يدفع الكثيرين إلى البحث عن وظائف أخرى خفية أو غير رسمية، إضافة إلى مستويات الأجور المادية المتدنية، والتي لا تتناسب مع مستوى المعيشة، وكلما ازداد معدل اقتصاد الظل على حساب الاقتصاد الفعلي الظاهر، كلما أعطى معلومات وإحصائيات مضللة وغير دقيقة عن الإمكانيات الاقتصادية الحقيقية للمجتمع، وأدى إلى سوء تخصيص الموارد الاقتصادية وسوء توزيع الناتج المحلي وسوء إعادة توزيعه.