دعم الإنتاج.. تدمير الإنتاج!
| علي محمود هاشم
خلال الأسابيع الأخيرة، تدفقت حزم الدعم التي تدفعها الحكومة تباعاً عبر برنامج «بدائل المستوردات»، مبشرة بمرحلة جديدة لابدّ أن تتقلص فيها مواجع الناتج المحلي، من باب الإنتاج الصناعي.
ومع ذلك، فلم تتوقف الرسائل المتناقضة إلى الاقتصاد الوطني بعدما داهمت الحكومة نشاطها الذاتي الآنف الذكر، بقرار معاكس تماماً تؤكد جميع التوقعات قدرته على دَهورة الناتج المحلي من باب الإنتاج الزراعي!
في الصورة العامة، أقرت الحكومة قبل أيام سلسلة من المقترحات الخاصة بإدراج بعض صناعات قطاع البناء على لوائح تحفيز سخية لبرنامج «بدائل المستوردات»، بما في ذلك زيادة الأسعار الاسترشادية لنظيرتها المستوردة وفرض ضميمة تصل حتى ثلث أسعارها العالمية، وصولاً إلى ما يشبه منعاً موارباً لاستيرادها.
هذا الكرم التفضيلي، يتراكم فوق سلسلة أخرى من محفزات (الإنتاج) التي أقرتها اللجنة الاقتصادية عبر دعم أسعار الفائدة لقروض التأسيس والتوسع والتشغيل لمنشآت «بدائل المستوردات»، وأخرى لا تقل كرماً في بدلات الأراضي التي تحتاجها ضمن المدن الصناعية، وصولاً إلى دعم عمليات تصديرها، بالرغم من أنها معدة -أصلاً- لبرنامج اقتصادي مختلف تماماً.
حتى هذا الحد، ثمة ما يثير الهواجس التقليدية حيال قدرة مسؤولي البرنامج على تتبع منعكسات هذا الكم من تلافيف الدعم عند محطات التمويل والاحتياطيات النقدية والاستثمار والتشغيل والمنافسة، وخاصة في ظل الحاجة إلى ما يشبه التنجيم لمعرفة (يد من؟ في جيب من؟) في الشق المتعلق بعائدية دعم تصدير منتجاته المدعومة أصلا في بعض مدخلاتها المستوردة!
«إرهاق الحسابات» ليس الحد النهائي الذي بلغه تعقيد إستراتيجيتنا لتنمية (الناتج المحلي)، ذلك أن التوجس الأكبر يستمد نسغه من الرسالة الكارثية المتزامنة التي وصلت إلى بريده محشوة بقرار (رفع أسعار الأسمدة الزراعية بين 40 حتى أكثر٪100)!، وهي النسب التي تتشارك جميع التوقعات نظرتها السلبية حيال تأثيرها العميق في الإنتاج الزراعي.
هذا التناقض المتزامن: دعم الإنتاج من جهة.. وتدميره من الأخرى، أشبه بممازحة سمجة لناتجنا المحلي، ففي الوقت الذي يُتفق فيه على ضرورة بذل الأكلاف الضرورية تحت أقدام الإنتاج الصناعي دعماً للناتج المحلي، تذهب الحكومة -وبكل أريحية- إلى تقليص هذا الناتج من باب الإنتاج الزراعي بطريقة ستتيح لنسب التضخم التي يتربع لجمها على أعلى الغايات من دعم الناتج، الاستلقاء باسترخاء ودون خوف من نمو الكتلة السلعية المصنعة، مادامت الأسمدة ستتكفل بدهورة القسم الزراعي منها.
الرسائل الحكومية المتناقضة هذه تثير تساؤلات تشاؤمية ممزوجة بالشك حول مضامين إدارة مبادراتنا الإنتاجية التي ذهبت نحو تكريس مزيد من الضغط على إنتاجنا الزراعي ذي القيمة المضافة الخالصة إلى الحدود التي ستسد الطريق أمام جدوى صناعات القيمة المضافة الأعلى، والتطلب الأدنى لقطع تمويل الأولويات ضمن برنامج «بدائل المستوردات»، وبما يتناقض كلياً مع الأهداف المعلنة للبرنامج.
استدراجاً لأقصى ما يمكن من الظنون الحسنة، ثمة احتمال بأن تكون الحكومة مجرد ساعي بريد في قرار الرفع الصارخ لأسعار الأسمدة، إلا أن ذلك لم يكن ليعفيها من مسؤولية تدبير كل ما يلزم لمنع هذا التزامن الفج على لوحة إعلاناتها بين الدعم السخي للإنتاج الوطني، والقصف المركز عليه.