بانتظار النتائج
| عامر إلياس شهدا
نراقب عن كثب القرارات التي صدرت بخصوص التمويل وتنشيط الإنتاج الصناعي، رغم أنها تأخرت جداً، ما أدى إلى صعوبة في حلها نتيجة تراكمات أخطاء، وضياع الوقت في أمور لا شأن لها بالحلول. وعلى أي حال أن تصل متأخراً خير من ألا تصل أبداً.
مع العلم أن القرارات الأخيرة الخاصة بالاستيراد والتمويل ودعم عجلة الصناعة لن نحصد نتائجها بشكل سريع، فالاقتصاد السوري يعيش ظاهرة الركود التضخمي الناتج عن انخفاض في حجم الطلب الكلي وتدهور في الإنتاجية بالوقت نفسه، وهذا النوع من الركود يجعل قدرة الحكومة محدودة في إيجاد الحلول، فغالباً ما تسعى لتنشيط الطلب عن طريق الضغط على الأسعار صعوداً، وهذا الأمر يتطلب توازناً بين الطلب وقدرة الدخل على الاستهلاك، لذلك في وقتنا الحاضر لا يمكن حل هذه المشكلة على المدى القصير، رغم قيام الحكومة بالعمل على توفير السلع بشكل يمنع ارتفاع أسعارها إلا أن ذلك لن يحقق الهدف المنشود، فالحل النهائي لهذه المشكلة يكمن في تطوير الإنتاجية وتحسين مستواها والوصول بالميزانية الحكومية إلى وضع التوازن.
وهنا لا بد لنا من الإشارة إلى أنه يجب الاعتماد على التصنيع لكونه المحرك الأساسي لعملية التنمية الاقتصادية وهذا ما تؤشر له حزمة القرارات المتخذة التي تصب ببوتقة النهوض بالصناعة، إلا أن هذا الأمر له محاذيره، فهذا الاتجاه قد يؤدي في بعض الأحيان إلى انخفاض في فعالية الإنتاج، ويؤدي إلى انخفاض في مستويات المعيشة، فالحكومة ستلجأ لاتخاذ قرارات بمنع استيراد البضائع الأجنبية، ما سيؤثر في المستوى العام للأسعار ومن ثم في مستوى المعيشة. وبالذات عندما يتم إهمال إمكانية دعم وتطوير الزراعة والثروة الحيوانية التي تتمتع بها سورية، هذه الأمور لها تداعيات قد تفرغ القرارات من مضامينها. وبالذات عندما يترافق ذلك مع طرح أذونات خزينة، التي تسهم في رفع معدلات التضخم، فالمعروف أن رفع مستوى الدين العام عن طريق إصدار سندات حكومية وسبقها شهادات إيداع، وبيعها في الأسواق المالية لمستثمرين، فهذا يعني وضع أوراق مالية ذات سيولة عالية بين أيديهم وهي تقترب من أن تكون بمنزلة النقد. بهذه الحالة لابد من الإشارة إلى أن العمل على ارتفاع السيولة من خلال زيادة الاستهلاك العام يؤدي إلى ارتفاع الطلب العام ومن ثم ارتفاع المستوى العام للأسعار (التضخم) مع الإشارة إلى أن توافر السيولة في يد الأفراد قد يؤدي إلى دفعهم لزيادة الاستهلاك خوفاً من ارتفاع الأسعار في المستقبل والذي يتزامن مع زيادة الدين العام، ما سيقود المجتمع إلى توقعات سيكون لها أثر مضاعف في حدوث التضخم، يضاف إلى ذلك موضوع إهمال العمل على خلق توازن في حجم العرض والطلب على العملة المحلية. كل هذه المؤشرات إذا لم يتم وضع الضوابط لها فنحن ذاهبون إلى تضخم جديد يرافقه ارتفاع الطلب أمام ضعف في الإنتاج لا يلبي كمية الطلب.
إن كل القرارات التي اتخذت لجهة التمويل وتخفيض الرسوم وحزمة الإعفاءات إنما تهدف إلى دفع عملية الإنتاج وإعادة العجلة الاقتصادية للدوران، وبالتالي رفع القوة الشرائية لليرة السورية. وقدرة الدخل على الاستهلاك ورفع الطلب، إضافة إلى توفير أدوات للسياسة النقدية وتوفير أقنية لانسياب القطع الأجنبي، ليتمكن المركزي من الاستمرار في تمويل إجازات الاستيراد وضمان توريد المواد الأولية للصناعة.
في الواقع القرارات التي اتخذت إلى الآن لم تؤثر في مستوى الأسعار في الأسواق، لا بل هذه الأسعار توالي ارتفاعها أمام ضعف في القوة الشرائية لليرة السورية. والمجتمع ينتظر تفعيل تلك القرارات للوصول إلى الغاية والهدف المنشود وهو ضبط الأسعار ورفع القوة الشرائية لليرة السورية، وهنا تكمن مسؤولية متخذي القرار.
فتحقيق الأهداف مؤشر إلى أن من قاموا بالتوقيع على القرارات واثقون من دراساتها بدقة وأن الدارسين لهذه القرارات وضعوا بحسبانهم الموجة البشرية التي ستعود لحضن الوطن بعد تحرير إدلب، فهي العنصر الذي يؤثر في مدى نجاح القرارات المتخذة ومدى توازنها وقدرتها على تلبية ارتفاع الطلب الذي من المفترض أن يترافق مع ارتفاع وتيرة الإنتاج والتوازن في موارد القطع لتلبية احتياجات الاستيراد.. ونحن بانتظار النتائج.