بروكسي «التصليح»
| علي محمود هاشم
وحده الجاحد من يدير ظهره لتلك الخلاصات (القيّمة) التي يمكن استنباطها من نشاطات اللجنة الحكومية (العليا) لإصلاح القطاع العام.
منذ تشكيلها قبل 7 أشهر، وإسنادها مهمة تنفيذ توصيات «مجموعة العمل المكلفة إصلاح مؤسسات القطاع العام الاقتصادي» وحتى اليوم، لم يتوافر لدى أعضاء اللجنة الموقرة، وزراء وسواهم، حتى ساعة واحدة من الساعات الـ 5 آلاف التي مرت على تشكيلها مطلع شهر آب الماضي، للقيام بأي شيء!
في المقابل، وإذا كان صحيحاً جداً أن هذه اللجنة (العليا)، لم تجد وقتاً فائضاً لعقد اجتماع ولو لمرة واحدة منذ تأسيسها، وأن المهام الموكلة إليها لـ «تخطيط وتنفيذ عمليات إصلاح وتطوير وإعادة هيكلة القطاع العام الاقتصادي» لم تشهد إنجاز أي منها تخطيطاً ولا تنفيذاً ولا من يحزنون، كما لم تُقدم على أي شكل من أشكال التنسيق مع أي من الجهات المعنية بهذا الشأن وفق ما ينص جدول مهامها، إلا أن هذه اللوحة القاتمة المعتادة من النشاط الحكومي، لم تخلُ من خلاصات ساطعة يمكن الارتكاز إليها لاستلماح مستقبل قطاعنا العام الاقتصادي.
منطقياً، ولأنه من غير المجدي البحث عن أي خلاصة عملانية لعمل لجنة لم تلتئم، فمن الأجدى البحث عما يمكن استخلاصه من كسلها عن ذلك.
بقليل من (الذكاء الفطري)، وعقب الطلب الذي وجهه رئيس مجلس الوزراء لأعضاء اللجنة بضرورة الالتفاف على «ضيق وقتهم» وانشغالهم بـ «اللاشيء» في معظم الأحيان، عبر الذهاب إلى إنشاء مجموعة (واتس أب) مغلقة كمنصة لإطلاق مباحثاتهم العميقة حول المهمة الموكلة إليهم، وبغض النظر عن (كسلهم) حتى إنشاء مجموعة (واتس أب التصليح) هذه، فإن مجمل الأمر يؤشر إلى نتيجة (لطيفة) مؤكدة مفادها أن هواتف السادة الوزراء من أعضاء لجنة (التصليح الاقتصادي)، تمر إلى شبكة الإنترنت من خارج «بروكسي» وزارة الاتصالات، وهم لذلك يستطيعون التفاعل بشكل (لائق) مع المنصة الاجتماعية، على عكس المستخدمين الذين تواجههم صعوبات بالغة في ذلك.
رغم أن ما سبق، هو خلاصة شحيحة الأهمية على الصعيد التنموي، إلا أن (مؤشر الكسل) يفيدنا بأكثر من ذلك بكثير عبر الوقوف بدقة متناهية على الأسباب التي تجعل من إصلاح القطاع العام الاقتصادي -والصناعي في مقدمه- مهمة حكومية صعبة للغاية، إذ طالما أن الكيانات المعنوية التي لا تنتمي إلى صف (الكائنات الحية) تفتقر للقدرة على إصلاح حالها بحالها، فإن قطاعنا العام الصناعي سيبقى ملتصقاً بسكّة تدهوره المطرد، ولن يفيده في تقليص انتظام تسارعه نحو مصيره المحتوم، أي مما يصدر عن بعض إداراته من تنويعات إصلاحية، تارة عبر خط لإنتاج الكاتشاب.. وأخرى عبر خط لتعليب الحليب.. وثالثة عبر إصدار بيانات فاضحة في مراوغتها عن أرباح قياسية سنوية حصدتها معامل الأحذية والسجاد وغيرها من المنشآت المتعبة.. كل هذا، بغض النظر عن النيات الطيبة التي تقف وراء هذه البيانات.
(مؤشر الكسل) إياه، يفضي إلى خلاصة أخرى لا تقل أهمية عن سابقاتها، فوفق المنطق، ومع إحجام (لجنة التصليح العليا) عن عقد اجتماع ولو من قبيل (فقش حصرمة)، فإن الأفكار الحدية القائلة بإغلاق منشآت القطاع الصناعي تتخذ مشروعيتها الزمنية.. على هذا المنوال من الاستسهال الجاحد، تتمظهر الإستراتيجية الحكومية الخفيفة القائلة بـ (حدّية الربح)، كمدخل للتفريط بالقطاع العام، فقط، لأن (العليا للتصليح) لم تجد وقتاً كافياً لإنشاء مجموعة لطيفة على (واتس أب)، رغم ما يُعرف عن بعض أعضائها هوسهم التفاعل عبر المنصات الاجتماعية.
لعله يتوافر لدى الحكومة وقت قريب لإنشاء (مجموعة واتس أب) تمهيداً لاتخاذها كمنصة لتجسيد شعاراتها عن إصلاح القطاع العام الصناعي، وإذا ما تمتعت ببعض من إيمان بالبرنامج الوطني ما بعد الحرب (سورية 2030)، فهذا هو الوقت المناسب لفعل ما يمكن فعله مع تشدد الحصار على البلاد، بعيداً من الخطاب العمالي الخشبي حول حقوق الأجيال، وبما لا يشبه الخطاب الحكومي الذي حاك من مفهوم (الربحية) مشنقة مؤكدة لكل ما يدعى (قطاع عام صناعي).