الصمت!
| عامر إلياس شهدا
قد يعتقد البعض أن الصمت عن الإخفاقات يعبر عن حالة رضى عن السياسات والبرامج الاقتصادية، وهذا الصمت يجعل البعض من المسؤولين عن الشأن الاقتصادي والنقدي يقتنعون أنهم يتبعون النهج الصحيح، إلا أن لسان حال المجتمع يقول دعوهم يفعلوا ما يشاؤون، فنحن من تحمل المعاناة وما زلنا نتحمل نتائج أخطائهم السلبية على حياتنا ومعيشتنا، حالة من الانفصال يعيشها المجتمع مع المسؤولين عن لقمة عيشه ومستوى معيشته، أصبح المجتمع وأمام العجز في إنتاج حلول وبالأخص ما طالب ووجه إليه السيد رئيس الجمهورية بضرورة خلق أدوات تستخدم في السياسة النقدية ورسم سياسات نقدية تحمي القوة الشرائية لليرة السورية، من دون ظهور أي بوادر لخلق مثل هذه الأدوات والسياسات وبات هناك إيمان اجتماعي أن معظم المسؤولين في الحكومة يمتلكون العقلية الدوغماتية أي (الجزمية) والدوغماتية حالة أصبحت واضحة تعبر عن الجمود الفكري والتعصب لجهة الفكر الشخصي لدرجة رفض الاطلاع على الأفكار المخالفة وإن ظهرت للدوغماتي دلائل تثبت له أن أفكاره خاطئة.
هناك محاولات إلا أن هذه المحاولات تعتمد الخيال واللعب بالعامل النفسي. فتارة يتم الادعاء بوهمية السعر وتارة أخرى يتم الادعاء بموقع إلكتروني وتارة بالمضاربة، كم نتمنى أن نسمع من أحدهم أن ما دفع المجتمع لدخول السوق السوداء هو نتاج القرارات والسياسات التي سعت لبناء اقتصاد تخيلي، ففي أي دولة بالعالم عندما تفتقر عملتها للاستقرار سيلجأ المجتمع للحفاظ على القوة الشرائية لما يحصلون عليه من دخل ولانتقاء العملة الأكثر استقراراً بسعرها التي تحقق لهم استقراراً نسبياً في القوة الشرائية وبالتالي في مستويات المعيشة.
إنه أمر بديهي وردة فعل اعتيادية. لذلك الموضوع لا ينحصر بعدد من الأشخاص وإنما هو حالة اجتماعية تعرضت لها عدة مجتمعات في العالم. فالمضاربة لا يمكن اعتمادها وهذه الحالة يلجأ المجتمع بالكامل من خلالها لحماية موارده من عدم استقرار سعر عملته الوطنية.
أما بالنسبة للأسعار والتضخم فهما نتاج سياسة وقرارات اقتصادية ونقدية خاطئة، فالتضخم حدث داخلي لم يتم استيراده من الخارج. فلم نسمع منذ سنوات أن هناك تضخماً أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية المستوردة من بلد المنتج. فلو ارتفعت الأسعار عالمياً فإن هناك قناعة بأن التضخم تم استيراده من الخارج. وهذا يؤكد عدم صوابية السياسة والقرار الداخلي، والاعتماد على علاقات شخصية في ضبط الأسواق، والأمثلة عن اتباع أسلوب الشخصنة في إدارة الاقتصاد والنقد شواهدها كثيرة.
من كل ما سبق نجد أن هناك حالة من عدم الثقة بين الجهات الوصائية على النقد والاقتصاد وبين المجتمع، وما يؤكد ذلك أنه على الرغم من تحديد مبلغ معين للسحب من المصارف، وبالرغم من إغلاق وتوقيف عمل شركات الصرافة وعدم رفع سعر دولار الحوالات أدى إلى شح موارد القطع وتحمل الاقتصاد والمجتمع خسارات تفوق كثيراً مما كان سيتحمله لو تم رفع سعر دولار الحوالات أو اعتماد سعر دولار التصدير، واستمر طلب الدولار في السوق رغم محاصرة السيولة في المصارف ما يعني أن المجتمع يقوم باختزان الكتلة النقدية لليرة السورية في المنازل نتيجة انعدام الثقة التي من المفترض أن يخلقها ويعمقها من هم مسؤولون عن الشأن النقدي وكل ذلك أمام ضعف واضح في الرقابة على الكتلة النقدية المتداولة. كل هذه الإجراءات لم تنعكس على سعر الليرة ولم تحقق الاستقرار، بل تابعت الليرة ارتفاعها لسعر غير مسبوق.
وأمام صمت المعنيين عن ذلك، الذين اكتفوا بالإعلان والإعلام عن منظومة الدفع الإلكتروني وكأنهم يخترعون الدولاب، متجاهلين أن منظومة الدفع الإلكتروني موجودة في سورية منذ عام 2004، فقد سبق أن أصدرت المصارف بطاقات مسبقة الدفع واعتمدت نظم دفع الفواتير من خلال الصرافات. ومثلها الرواتب. وتم الشروع بالتوسع بمشروع الدفع الإلكتروني وكلنا يعرف زمن طرح ما يسمى الفوترة والقيمة المضافة التي مضى عليها أكثر من 18 عاماً. إلا أنها حوربت من البعض، فكانت النتائج كارثية.
ما نعرفه أن هناك علماً يشرح موضوع الاستنبات. وهو خلق نبته من غصن، أي الاعتماد على شجرة بأرض وطن وليس بأرض خارجه. الحل الاقتصادي والنقدي داخلي بحت وهناك حلول كثيرة وليست مستحيلة إلا أننا بتنا مقتنعين تماماً أن البعض أصيب بالدوغماتية، لذلك يستحيل عرض فكر يطرح حلولاً أمام هذه الإصابة.