الحمضيات .. الملف الشائك في كل موسم!! … تكلفة كيلو الحمضيات 35 ليرة هي الأخفض في العالم.. لكن ترتفع إلى 75 ليرة بسبب النقل
مطلوب مؤسسة عامة للحمضيات على غرار مؤسسة التبغ والدعم الحقيقي أقل من المعلن
| علي محمود سليمان
كما في كل عام، يعود ملف الحمضيات ليتصدر قائمة الملفات المطروحة للجدال ما بين أخذ ورد، فتنشط الحكومة في اجتماعاتها وبحثها عن الحلول، فنرى المزارعين مناشدين أصحاب القرار بإيجاد منقذ لمحصولهم قبل أن يكسد، كما تزداد مساحات الأشجار «المقلوعة» لعدم جدواها الاقتصادية للمزارع فيتحمل نكبة الخسارة وحده.
«الاقتصادية» بحثت في الحلول المطروحة حكومياً، والآراء حول جدواها، إذ بيّن مدير هيئة الصادرات وتنمية الإنتاج المحلي إبراهيم ميدة أن الهيئة بدأت تطبيق برنامج الاعتمادية، وهو برنامج حكومي تم إقراره لتطبيق الاعتمادية بالتسويق الخارجي للمنتجات الزراعية السورية، والحمضيات على رأس هذه المنتجات.
أوضح ميدة لـ«الاقتصادية» أن غاية البرنامج منح شهادات الاعتمادية بعد التأكد من تطبيق الممارسات الزراعية والفنية والإداراية والترويجية بشكل جيد، لضمان الحصول على منتج جيد، يمكن من خلاله دخول الأسواق الخارجية، وعليه يتم العمل حالياً على حملة ترويجية متكاملة داخلية وخارجية للبحث عن أسواق جديدة، وذلك من خلال مجموعة من الآليات للوصول إلى هذه الأسواق.
وأشار إلى أن هذا البرنامج يسهم في حلّ الصعوبات حالياً ومستقبلاً، وهو برنامج مطبق عالمياً، والعديد من دول العالم تطبق هذا البرنامج لتطبيق الممارسات الزراعية الجيدة، للتخلص من الطرق اليدوية، والانتقال للآلية والتخلص من استخدام المبيدات الحشرية المؤذية في إنتاج المنتج المحلي، بالانتقال للمكافحة العضوية والابتعاد عن الممارسات الخاطئة بهدف الوصول إلى منتج زراعي سليم.
ولفت ميدة إلى أن الصين وقّعت اتفاقيات زراعية ضخمة مع مصر بعد قيام خبرائها بعدة زيارات إلى مصر والتأكد من تطبيقها لهذا البرنامج، والمعلوم أن الصين تستهلك 500 ألف طن من الحمضيات أي ما يعادل نصف إنتاج سورية.
وأفاد بأنه تم تصميم استمارة الاعتمادية وتوزيعها وتشكيل لجان فنية قامت بالكشف على المزارع التي تزيد مساحتها على 2.5 هكتار بالتعاون مع وزارة الزراعة، وذلك للتخلي عمّا يمكن تسميته نظام «الفزعة» الذي يتم فيه تصدير الفائض بغض النظر عن جودته وملاءمته ليكون منتجاً تصديرياً، ولذلك يتم العمل على حلّ مشكلة الحمضيات بشكل نهائي، والابتعاد عن الحلول المجتزأة، لضمان الأسواق الخارجية كالسوق الصينية والروسية.
الدعم مستمر
أكد ميدة أن الحكومة لم تتخلَّ عن الدعم، وهو موجود ومستمر، ولكن من الضروري الاهتمام بالأمور العلمية والفنية للتخلص من الممارسات الخاطئة، ولأجل ذلك تقوم الهيئة بتسويق للحمضيات السورية في روسيا وخاصة في الزيارات إلى جزيرة القرم من خلال البيت التجاري السوري الذي تمت إقامته في القرم إضافة إلى تسويق للمنتجات السورية الأخرى.
وبالنسبة للسوق العراقية، أشار ميدة إلى أنها تستهلك 60% من منتجاتنا الزراعية، إذ إن السوق العراقي ضخم ويتوافق مع المواصفات وفق الأسواق السورية، والمستهلكون في السوق العراقية يفضلون المنتج السوري عن منتجات باقي الدول بحكم عوامل عديدة.
وتوقع ميدة بأن يكون موسم تصدير الحمضيات جيداً للعام الحالي، إذ إن العمل يجري على عدة اتجاهات، وكشف عن أن الهيئة دعمت كل العقود التي أبرمت منذ بداية معرض دمشق الدولي بدورته الـ /61/ بتاريخ 28/8/2019 ولغاية 6/10/2019 وسيتم دعمها عبر الشحن براً وبحراً بنسبة مئة بالمئة، وذلك بمبلغ 1600 دولار للحاوية الواحدة.
وبالنسبة للحمضيات فقد تم البدء باستلام طلبات الدعم منذ بداية الموسم في الشهر التاسع، ومستمرون باستلام طلبات الدعم لغاية 31/12/2019.
أخفض تكلفة إنتاج في العالم
أوضح مدير مكتب الحمضيات في وزارة الزراعة سهيل حمدان أن التوقعات للعام الحالي (2019) تشير إلى إنتاج مليون طن حمضيات، موزعة إلى 780 ألف طن في محافظة اللاذقية و230 ألف طن في محافظة طرطوس، وهو أقل من العام الماضي بفارق بسيط، وتحديداً في أصناف الليمون الذي لم يحصل على عناية جيدة من الفلاح وتأثر بالظروف الجوية.
وشرح حمدان دور الوزارة بدعم الحمضيات من خلال تقديم المكافحة الحيوية عن طريق الإرشاديات الزراعية التي تغطي كامل مساحة الحمضيات لتقديم الأعداء الحيوية مجاناً وذلك للوصول إلى منتج شبه عضوي.
إضافة إلى تقديم المواد الجاذبة التي توضع في المصائد لذبابة الفاكهة التي تتسبب بأضرار كبيرة وهي مواد مستوردة وتوزعها الوزارة مجاناً.
ومن خلال هذا الدعم تمكنت الوزارة من تخفيض تكلفة إنتاج الكيلو غرام الواحد من الحمضيات على الشجرة في سورية إلى 35 ليرة سورية وهي أخفض تكلفة إنتاج في العالم، ولكن للأسف فإن باقي التكاليف هي التي تتسبب برفع الأسعار من أجور النقل والعبوات والتي ارتفعت عما كانت عليه في السنوات السابقة، وتؤدي لزيادة تكلفة الكيلو غرام الواحد من الحمضيات بحوالي 40 ليرة سورية ليصل إلى الأسواق بأكثر من 75 ليرة سورية وسطياً.
وبخصوص دور الوزارة في التصدير، أوضح حمدان أنها تقدم المعلومات والإحصائيات المتعلقة بأنواع الحمضيات وخاصة للتصدير، إذ إن نسبة الحمضيات القابلة للتصدير من كامل الموسم تصل لحوالي 20%، أي ما يعادل 200 ألف طن، وهنا نقصد بالتصدير إلى الأسواق الأجنبية، حيث إن السوق العراقية تتشابه مع السوق السورية في المواصفات، والتصدير إليها يختلف عن التصدير إلى روسيا أو غيرها.
ولكون الاستهلاك المحلي يصل لحوالي 500 ألف طن يكون لدينا 500 ألف طن فائضاً عن الحاجة المحلية، ويمكن تصديرها إن توافرت الظروف والإمكانيات المناسبة، وخاصة إن تمكنا من العودة على السوق العراقية والتي استهلكت 400 ألف طن من الحمضيات السورية في عام 2010.
وأشار حمدان إلى إمكانية تصنيع قسم من إنتاج الحمضيات ضمن معامل عصائر، إذ هناك محاولات لإقامة معامل عصائر في سورية، كما يمكن لمجموعة من مشاغل الحمضيات «الشماعات» أن تنشئ معمل عصير صغيراً للاستفادة من الفائض.
ولفت إلى أنه بعد الاعتماد على المكافحة الحيوية وصلنا إلى ثمار خالية من الأثر الكيميائي للمبيدات، وهذا هو المطلوب حالياً في الأسواق العالمية، وحديثاً بدأت شركات مختصة بمنح شهادات الجودة مثل «الآيزو» و«الكاب» بجولات على مزارع حمضيات في سورية لمنحها شهادة الجودة.
الإحصائية غير دقيقة
من جانبه رأى مدير قرية الصادرات السورية الروسية خلدون أحمد أن الإحصائية الحالية لموسم الحمضيات تعتمد على حساب عدد الأشجار المزروعة في محافظتي اللاذقية وطرطوس، ولم تأخذ بالحسبان الكميات التي جرى إزالتها وتحويلها لزراعات أخرى في ظل الخسائر المتلاحقة لمزارعي الحمضيات خلال السنوات السابقة، كما لم تلحظ الإحصائيات انخفاض متوسط الإنتاج الحالي للشجرة، أي إن هناك اختلافاً بالكم والكيف عما قبل الحرب.
وبيّن أنه قبل الحرب لم يكن إحصاء الحمضيات مشكلة بوجود سوق محلي يستهلك بحوالي 500 ألف طن وسهولة الخطوط البرية مع دول الجوار وخاصة العراق والأردن، وانخفاض تكاليف التسويق، وعلى سبيل المثال، كان مردود البستان يعادل 100 ألف دولار، أي ما يكفي تأمين حاجة البستان من سمادٍ وريٍّ ومكافحة ويزيد مبلغ كافٍ كربح للمزارع.
أما اليوم، فدخل البستان انخفض بسبب فقدان السماد وارتفاع تكاليف المكافحة للآفات وانخفاض كميات الإنتاج، فالحديث عن كميات الإنتاج حالياً غير دقيق لكونه يفتقر للبيانات الحقيقية، فالإنتاجية والجودة انخفضت بحسب المناطق المختلفة بين 20% و30% كحدّ أدنى، كما انخفضت كمية الاستهلاك المحلي عما كانت سابقاً.
وأشار إلى أن المعالجات العقيمة كان لها أثر معاكس، وعلى سبيل المثال، عندما تم شراء كميات من الحمضيات وتوزيعها مجاناً في الشوارع أضر بالمزارع والمصدّر والأسواق، بسبب إعطاء دعم وهمي للمحصول، كذلك كانت الوعود خلبية، ما أدى لتحوّل الكثير من مزارعي الحمضيات إلى زراعات أخرى، وحالياً لا توجد إحصائية دقيقة حالياً تبين العدد الحقيقي للمزارعين الذين استبدلوا زراعة الحمضيات.
أما فيما يتعلق بالبحث عن أسواق خارجية، وهذه المصطلحات الرنانة في هذا الملف، فأوضح أحمد أن تصدير فائض الإنتاج هو مصطلح خاطئ، لكون فائض الإنتاج يعني فائضاً بكمية معينة لأنواع معينة من الحمضيات، من دون أن نسأل: هل هذا الفائض يصلح للأسواق العالمية أما لا؟ والمتعارف عليه عالمياً أن التصدير يجب أن يكون مطابقاً لمواصفات البلد المستهدف بتصدير المنتج إليه، وليس مجرد تصدير فائض الإنتاج لدينا، فهل لدينا فائض إنتاج يناسب الأسواق الروسية والعراقية والخليجية؟ ولذلك كل ما يصرح به هو كلام غير علمي وغير دقيق، وهو مجرد تصريحات للإعلام ليس إلا.
وعن الدخول إلى السوق الروسية، تحدث أحمد بأنه منذ 4 سنوات تم إنشاء البيت التجاري السوري ومركز الأعمال السوري في موسكو بمرسوم جمهوري، وتم إهماله وعرقلته وتحييده، والآن بعد 4 سنوات نجد أنه تمت إقامة البيت التجاري في القرم، ولكن من دون أي نتائج فاعلة ولا معرفة الغايات.
ولفت إلى أنه حتى اليوم لم ننجح بإعلان دخول حقيقية إلى سوق يبعد عنا أسبوعاً ويستهلك 27 مليون طن سنوياً وبشروط سهلة كما يستورد بعشرة مليارات دولار منتجات زراعية وغذائية لا يستطيع إنتاجها، ومضطر على استيرادها، وهو السوق الروسي.
وفيما يتعلق بالترويج والدعم فالكلام دائماً ما يكون عاماً ونظرياً، بحسب أحمد، بدليل ما فعل اتحاد المصدرين سابقاً وهيئة دعم وتنمية الصادرات بهذا الخصوص من خطوات عملية سوى الاجتماعات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، فهل لدى الهيئة التي تعمل على هذا الملف منذ سنوات قائمة بأنواع وأصناف الحمضيات الحقيقية التي يمكن تصديرها إلى الأسواق المستهدفة، أي ما متطلبات سوق الخليج وسوق روسيا وسوق العراق وغيرها، وإن كانت هذه القائمة موجودة، فهل بإمكانهم تزويدنا بطريقة التنسيق بينهم وبين وزارة الزراعة لزيادة زراعة هذه الأصناف المطلوبة للتصدير أو استبدال أصناف موجودة بأصناف مطلوبة للتصدير لبلد مستهدف معين؟
ولفت إلى أن وزارة الزراعة تصرح بكميات غراس موزعة وكميات إنتاج متوقعة، وعند سؤالها عن الخطة التسويقية يكون الجواب الدائم بأن وزارة الزراعة ينتهي دورها عند باب المزرعة بتأمين الغراس والمكافحة وطبعاً السماد غير متوافر، فيما وزارة الاقتصاد تصرح كل يوم عن افتتاح مكاتب ودخول أسواق واجتماعات جديدة، ولكن من دون أي أثر حقيقي في الأرض.
ومن المغالطات الأخرى التي يكثر الحديث عنها في التصدير إلى الأسواق الخارجية هو أن الأسواق الخارجية تتهافت على الحمضيات السورية، لأنها خالية من الأثر المتبقي للمبيدات، وبهذا الخصوص نوضح بأنه يمنع دخول أي منتج لأي دولة إن كان عليها وجود أثر متبقٍّ لمادة كيميائية صنعية المنشأ، وهذا شرط للتصدير لأي بلد وليس عامل جذب.
مع الدعم ولكن بأرقام حقيقية
أما فيما يتعلق بدخول شركات أجنبية ذات قدرة على منح شهادة دولية متخصصة لمساعدة منتجاتنا الزراعية بالدخول إلى الأسواق العالمية، فرأى أحمد أن هذا كان يتم بكل سلاسة قبل الحرب، ولكن بعد الحرب تم تصعيد هذه الإجراءات، وإعاقة دخول هذه الشركات، ولا ننسى دور الروتين الإداري لدينا أيضاً في ذلك.
وحول مبلغ الدعم المعلن بـ 1600 دولار لكل «كونتنير» تمنى أحمد أن يكون الدعم حقيقياً، فأي دعم مرحب به ومشكور، ولكن بشرط أن تكون الأرقام دقيقة وغير مبالغ فيها، حيث إن الدعم فعلياً لا يتجاوز 600 دولار، وهو بنسبة 20% من قيمة الفاتورة بحسب الأسعار الاسترشادية الحكومية المعتمدة وهي 200 دولار لطن الحمضيات، أي ما يعادل 880 دولاراً للحاوية التي تتسع لعشرين طناً، وتصرف بسعر المصرف المركزي، وهو 434 ليرة وبالتالي عملياً الدعم لا يتجاوز 600 دولار.
أما فيما يخص الخطط التي أطلقتها هيئة دعم الصادرات عن الأراضي الزراعية، فلا شك أن الاستفادة من تجارب الدول الأخرى أمر جيد، ولكن تصويره على أنه العصا السحرية التي تحل المشاكل، سيعود بنا إلى خانة التضخيم، ولتنظيم هذه العملية نحتاج إلى تعاون كامل بين الوزارات المختلفة ووجود جهة مسؤولة بشكل كامل عن الحمضيات من الزراعة إلى التسويق، ولا ندري لماذا لا يتم التعامل مع هذا الموضوع أسوةً بملف التبغ؟ ولماذا لا يكون لدينا مؤسسة عامة للحمضيات، تقوم بتسويقها وفق قوانين ونظم واضحة توضّح سير هذه العملية؟.