«حلقات الذكر»
| علي محمود هاشم
بعد طول نسيان، عادت الحكومة إلى إقامة (حلقات الذكر) ابتهالاً بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة.
جرى الأمر بخجل بادٍ افتضحه احمرار خدود نياتها المكرورة إزاء تشميله بدعمها الصوتي المعتاد، فقررت خلال اجتماعها الدوري مطلع الشهر الجاري: «توسيع الإقراض للمشاريع المتوسطة والصغيرة باعتبارها أساس التنمية والتركيز على مكامن القوة في الاقتصاد»، تزامناً مع استنفار رديف ألهب أروقة وزارة الصناعة وتمخض في مؤخرة ألسنته، عن نيات مشابهة في دعم الصناعات التراثية والمهددة بالاندثار وتسهيل توطينها في مناطق حرفية مخصصة لهذا الغرض تتوزع على المحافظات الرئيسية!!
استدراكاً لأي سوء فهم، لا يجدر بالاقتصاد الوطني التسرّع في إعادة ترتيب توقعاته حيال جدية الحكومة بدعم مشاريعها الصغيرة والمتوسطة، ولا إعادة النظر بتماسك رؤاها حول طرق المرور الإجبارية لانتشاله من (أعناق) زجاجته، كما لا يجدر به تلطيف ظنونه السلبية المحقّة في إيمانها (المرجف) بهذا الطراز من المشاريع وقدرتها على تبريد المخاطر الاجتماعية المتزايدة للحرب المتعددة الجبهات التي تشن على السوريين عبر اقتصادهم.
فأمر كل هذا النشاط المستجد وبكل بساطة، لا يتعدى كونه استجابة «بافلوفية» للتذكير الرئاسي الأخير بجوهرية الدور الذي تختزنه المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ودورها التطبيبي -السهل الممتنع- الذي «يوفر علينا استهلاك مواد من الخارج ويخفف الضغط على الليرة»، إلى جانب ملخصات قدرتها المؤكدة على تبريد جراح الاقتصاد الوطني ضمن حلقاته المعقدة راهناً، ومحوريتها كإحدى القواعد الرئيسية المتاحة لرد الهجمات المتتالية على الليرة الوطنية في سياق ما وصفه –التذكر الرئاسي- بحروب «الفعل المالي وتجفيف الدولار» التي تجتاح، وتتعاضد لتعزيزه، دول جوار وأفراد ومصادر إلكترونية عدة تضع نصب أعينها هدفاً نهائياً ملخصه تركيز مرارة العيش فوق الأرض السورية.
ثمة فرضيات أخرى يمكن استلماحها من التوجيهية الرئاسية السلسة، والمباشرة إلى الجوهرية الاقتصادية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.
إذ يمكن –مثلاً- تتبع ما تطلقه من مسارات للشكوك بقدرة الحكومة على الإصغاء الجيد لما تصرخ به «اقتصادات الحروب» وهي التي أفنت سني عمرها الأخيرة على تدبيج هياكل مؤسسية مجتزأة مستحيلة القابلية للقياس في قدراتها تبعاً لانعدام منعكساتها في الحياة الواقعية التي أنشئت من أجلها، لتتمظهر تلك الجهود القاصرة في نهاية المطاف كتعبير متجدد عما تستطيعه الحكومة عادة، الإنفاق السخي على إنشاء هياكل من ورق، تبدو مشاكلها إبان إنشائها أكبر بكثير من معوقات القطاعات التي خُلقت لدعمها؟!، بما ينسجم -في الواقع- مع تاريخ النشاطات الحكومية الاعتيادية، ولا شيء جديداً.
أما سيّئو الظن، فيمكنهم تلمس فرضية ثالثة حيال التذكير الرئاسي..
يستند هؤلاء في ظنونهم إلى المرات السابقة التي تم تذكير الحكومة خلالها بالأهمية الحيوية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.. من دون جدوى!!. وإن صحت فرضيتهم هذه، فسيمكن لأولئك تلمس تهديد مبطن بـ«التقصير» المديد عن فعل ما يجب فعله، وهو ما قد يتشارك في مآلاته الوظيفية، مآلات الفساد!.
بغضّ النظر عن خيالية الفرضيات آنفاً، وعن جنوح بعضها، يجدر التيقن من أن الحكومة لم تقصر يوماً -على الإطلاق- في تناول أهمية الصناعات الصغيرة والمتوسطة، ولربما لديها في مستودعاتها عشرات اللافتات التي تؤكد ذلك.. بغضّ النظر عن ذلك، ثمة ملاحظة وحيدة حول قرارها الفريد الأخير الخاص بـ«توسيع الإقراض للمشاريع المتوسطة والصغيرة باعتبارها أساس التنمية»!. عن أي توسع لأي إقراض يتم الحديث عنه، خلا ذلك الاعتيادي الذي تقدمه المصارف منذ تأسيس الجمهورية العربية السورية.